تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الهاء مع الراء

صفحة 608 - الجزء 7

  عَرَكْرَكٌ مُهْجِرُ الضُّوبَانِ أَوَّمَهُ ... رَوْضُ القِذَافِ رَبِيعاً أَيَّ تَأْوِيمِ

  والمُهْجِرُ: الجَيِّدُ الجَميل من كُلِّ شَيْءٍ، وقيل: الفَائقُ الفَاضلُ على غَيْره، قال:

  لَمّا دَنَا مِنْ ذَات حُسْنٍ مُهْجِرِ

  وقال أَبو زَيْد: يُقَال لكُلِّ شَيْءٍ أَفرَطَ في طُولٍ أَو تَمَامٍ وحُسْنٍ: إِنّه لمُهْجِرٌ. قال: وسَمعْت العربَ تَقُولُ في نَعْتِ كُلِّ شَيْءٍ جَاوزَ حَدَّه في التُّمَام: مُهْجِرٌ. قُلتُ: وإِنّما⁣(⁣١) قيلَ ذلك في كُلّ ممّا ذُكِرَ لأَنّ وَاصِفَه يَخْرُج من حَدّ المُقَارِبِ الشَّكْلِ للمَوصوف إِلى صِفَة كَأَنَّه يَهْجُرُ فيها، أَي يَهْذِي.

  كالهَجِر، ككَتفِ، هكذا في سائر النُّسَخ، وهو غَلَط، وصَوابُه: كالهَجِيرِ، كأَمير، ففي اللّسَان وغيرِه: والهَجِيرُ كالمُهْجِر، ومنه قَولُ الأَعْرَابيّة لمُعاويةَ حين قال لها: هلْ من غَدَاءٍ؟ فقالت: نَعمْ، خُبْزٌ خَمِيرٌ، ولَبَنٌ هَجيرٌ، وماءٌ نَمير. أَي فائقٌ فاضِل. والهاجِرِ، يقال: بعير هاجِرٌ، وناقَةٌ هاجِرةٌ، أَي فائقةٌ فاضِلة، والجَمْع الهَاجِرَات. قال أَبو وَجْزَةَ:

  تُبَارِى بأَجْيادِ⁣(⁣٢) العَقيق غُدَيَّةً ... على هَاجِرَات حان منها نُزُولُهَا

  وأَهْجَرَت النَّاقَةُ، هكذا في سائر النُّسَخ، ونَصُّ ابنِ دُرَيْد، على مَا في التكملة واللِّسان: أَهْجَرَت الجارِيَةُ، إِذا شَسَّتْ شَبَاباً حَسَناً. وقال غَيْرُه: جاريةٌ مُهْجِرَةٌ، إِذا وُصفَت بالفَرَاهَةِ والحُسْن.

  والهَجْرُ، بالفَتْح: الحَسَنُ الكَريمُ الجَيِّدُ، يقال: جَملٌ هَجْرٌ، وكَبْشٌ هَجْرٌ، أَي حَسَنٌ كَريمٌ، وقال الشاعر:

  وماءٍ يَمَان دُونَه طَلَقٌ هَجْرُ

  يقول: طَلَقٌ لا طَلَقَ مثله، كالهَاجِريّ، وهو الجَيِّدُ الحَسَنُ من كلّ شيءٍ. والهَجْرُ أَيضاً: الخِطَامُ، نقله الصاغانيّ. والهُجْرُ، بالضَّمِّ: القَبيح من الكَلام، والفُحْشُ في المَنْطق، والخَنَا، نقله الكسائيّ والأَصْمَعيُّ، كالهَجْرَاءِ، ممدوداً، نقله الصاغانيّ.

  والهِجْرُ، بالكسر: الفائقَةُ والفَائِقُ في الشَّحْم والسَّيْر، من النُّوقِ والجِمالِ، نقله الصاغانيّ، يقال: ناقَةٌ هِجْرٌ مثْل مُهْجِرَةٍ.

  وأَهْجَرَ في مَنْطقة إِهْجاراً وهُجْراً، بالضّمّ، عن كُرَاع واللِّحْيَانيّ، والصحيح أَنْ الهُجْر بالضّمّ الاسْم من الإِهْجَار، وأَنّ الإِهْجَار المَصْدَر. وأَهْجَرَ به إِهْجَاراً:

  اسْتَهْزَأَ به وقال فيه قولاً قَبيحاً، وقال هَجْراً وبَجْراً، وهُجْراً وبُجْراً، إِذا فَتَحَ فهو المَصْدر، وإِذَا ضَمَّ فهو الاسم. وتَكَلَّم بالمَهَاجِر، أَي الهُجْرِ من القَوْل، ورَمَاهُ بهَاجِرَاتٍ ومُهْجِرَات، أَي بفَضَائحَ، كذا في التَّهْذيب، وفي الأَساس: أَي بفَوَاحشَ، قال: والهَاجِرَاتُ: هي الكَلمَاتُ التي فيها فُحْشٌ، فهي من بابِ لَابِنٍ وتَامِرٍ.

  والهُجْرُ أَيضاً: الهَذَيَانُ وإِكثارُ الكَلام فيما لا يَنْبغي.

  يقال: هَجَرَ في نَوْمه ومَرَضِه يَهْجُرُ هُجْراً، بالضمّ، وهِجِّيرَى، وإِهْجِيرَى، كلاهُمَا بالكَسْر: هَذَى. قال سيبويه: الهِجِّيرَى: كَثْرةُ الكَلَامِ والقَول السَّيِّئ، وقال اللَّيْثُ: الهِجِّيرَى: اسمٌ من هَجَرَ، إِذا هَذَى، وهَجَرَ المريضُ هَجْراً فهو هاجِرٌ، وهَجَرَ به في النَّوم هَجْراً: حَلَمَ وهَذَى، وفي التَّنْزيل {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ}⁣(⁣٣) قال الأَزهريّ: قرأَ ابنُ عَبّاس: تُهْجِرُون، من أَهْجَرْتُ، من الهُجْر وهو الإِفْحَاش⁣(⁣٤)، وقال الفرّاءُ: وإِنْ قُرئَ تَهْجُرُونَ، جُعِل من قَوْلك: هَجَرَ الرّجلُ في مَنَامه، إِذا هَذَى، وقال أَبو عُبَيْد: هو مِثْل كَلامِ المَحْمُوم والمُبَرْسَمِ؛ والكَلامُ مَهْجُورٌ، وقد هَجَرَ المَريضُ. ورُوِيَ عن إِبراهيمَ في قوله ø: {إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}⁣(⁣٥) قال: قالوا فيه غَيْرَ الحقّ. أَلم تَرَ إِلى المَريض إِذا هَجَرَ قال غَيْرَ الحقِّ. وعن مُجَاهِدٍ نَحوُه.

  ويُقَال: هذا هِجِّيراهُ وإِهْجِيرَاهُ وإِهْجِيرَاؤُه، بالمد


(١) عبارة التهذيب: «وإنما سمي ذلك إهجاراً، لأن ناعته يخرج في نعته عن الحد المقارب المشاكل للمنعوت إلى نعت يفرط فيه، فكأنه يهذي ويهجر» أما اللسان فكالأصل.

(٢) في التهذيب: تباري بأجواز.

(٣) سورة «المؤمنون» الآية ٦٧.

(٤) في التهذيب واللسان: «الفحش».

(٥) سورة الفرقاء الآية ٣٠.