فصل الجيم مع الموحدة
  أَيْ أَنَّ النُّسُورَ آمِنَةٌ مِنْه لا تَفْرَقُه لِكَوْنِهِ مَيْتاً، فهي تَمْشِي إِليه مَشْيَ العَذَارَى، وأَوَّلُ المَرْثِيَةِ:
  كُلُّ امْرِئٍ بِطُوَالِ العَيْشِ مكْذُوبُ ... وكُلُّ مَنْ غَالَبَ الأَيَّامَ مغْلُوبُ
  وقال تعالى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}(١)، وقِيلَ: هو ما تُغطّي بهِ المرْأَةٌ أَو هو ما تُغطِّي به ثِيَابَها(٢) مِن فَوْقُ، كالمِلْحَفةِ، أَو هو الخِمارُ كذا في المحكم، ونقلَه ابنُ السكّيت عن العامِريَّة، وقيل: هو الإِزارُ، قاله ابنُ الأَعرابيّ، وقد جاءَ ذِكرُه في حدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ، وقيل: جِلْبَابُها: مُلَاءَتُها [التي](٣) تَشْتَمِلُ بِها، وقال الَخفاجِيُّ في العِناية: قِيل؛ هو في الأَصْلِ المِلْحَفَةُ ثم اسْتُعِير لِغَيْرِهَا منَ الثِّيَابِ، ونَقَلَ الحافظُ بنُ حَجرٍ في المُقَدَّمة عن النَّضْرِ: الجِلْبَابُ: ثَوْبٌ أَقْصرُ مِنَ الخِمَارِ وأَعْرضُ منه، وهو المِقْنَعَة، قاله شيخُنا، والجمْعُ جَلَابِيبُ، وقَدْ تَجَلْبَبْتُ، قال يَصِفُ الشَّيْبَ:
  حتَّى اكْتَسَى الرَّأْسُ قِنَاعاً أَشْهَبَا ... أَكْرَهَ جِلْبَابٍ لِمَنْ تَجَلْبَبا
  وقال آخَرُ:
  مُجَلْبَبٌ مِنْ سَوَادِ الَّليْلِ جِلْبَابَا
  والمصْدَرُ: الجَلْبَبَةُ، ولَمْ تُدْغَمْ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِدَحْرَجَةٍ، وجَلْبَبَه إِيَّاهُ فَتَجَلْبَبَ، قال ابنُ جِنِّي: جَعلَ الخَلِيلُ باءَ جَلْبَبَ الأَولَى كوَاوِ جَهْوَرَ ودَهْوَرَ، وجَعَلَ يُونُسُ الثَّانِيَةَ كياءِ سَلْقَيْتُ وجَعْبَيْتُ: وكان أَبُو عَلِيٍّ يَحْتجُّ لِكوْنِ الثَّانِي هو الزَّائِدَ باقْعَنْسَسَ واسْحَنْكَكَ، وَوَجْهُ الدَّلالةِ من ذلك أَنَّ نون افْعنْلَلَ بابها إِذا وَقَعتْ في ذَوَاتِ الأَرْبعَةِ أَن يكوَن(٤) بين أَصْلَيْنِ نحو احْرنْجَمَ واخْرنْطَمَ واقْعَنْسَسَ، مُلْحَقٌ بذلك، فيجبُ أَن يُحْتَذَى به طَرِيقُ ما أُلْحِقَ بمِثَالِه، فلْتَكُنِ السِّينُ الأُولَى أَصْلاً، كَمَا أَنَّ الطَّاءَ المُقَابِلَةَ لها من اخْرَنْطَمَ أَصْلٌ، وإِذا كانت السينُ الأُولَى من اقْعَنْسَس أَصلاً كانت الثانيةُ الزائدةَ من غير ارْتِيَابٍ ولا شُبْهَةٍ، كَذَا في لسان العرب، وأَشَار لمثلِه الإِمامُ أَبو جعفرٍ اللَّبْلِيّ في بُغْيَة الآمال، والحُسامُ الشريفيّ في شرح الشافية، وفي حديث علِيٍّ ¥ «منْ أَحبَّنَا أَهْلَ البيْتِ فَلْيُعِدَّ لِلْفَقْرِ جِلْبَاباً» قال الأَزهريُّ(٥): أَي ليَزْهَد في الدُّنْيَا [و](٦) ليَصْبِرْ علَى الفَقْرِ والقِلَّةِ، كَنَى به عن الصَّبْرِ لأَنه يَسْتُرُ الفقْرُ كما يَسْتُر الجِلْبابُ البَدنَ، وقيل غيْرُ ذلك من الوُجُوهِ التي ذُكرت في كتاب اسْتِدْراكِ الغلَط لأَبي عُبيْدٍ القاسمِ بن سلَّام.
  والجِلْبابُ: المُلْكُ.
  والجَلَنْبَاةُ كحَبَنْطاةٍ: المَرْأَةُ السَّمِينَةُ ويُقالُ: ناقَةٌ جَلَنْبَاةٌ، أَي سَمِينَةٌ صُلْبةٌ، قال الطِّرِمَّاحُ:
  كَأَنْ لَمْ تَخِدْ بِالوصَلْ يا هِنْدُ بَيْنَنَا ... جَلَنْبَاةُ أَسْفَارٍ كَجَنْدَلَةِ الصَّمْدِ
  والجُلَّابُ، كزُنَّارٍ. وسَقَطَ الضبطُ من نُسخةِ شيخنا فقال: أَطْلقَه، وكان الأَوْلى ضبْطُه. وَقَعَ في حديث عائشة ^ «كان النبيّ ÷ إِذا اغْتَسَلَ مِن الجَنابةِ دَعا بِشيْءٍ مِثْلِ الجُلَّابِ فأَخذَه(٧) بِكفِّهِ فبدأَ بِشِقِّ رأْسِهِ الأَيْمنِ ثُمَّ الأَيْسرِ» قال أَبو منصور: أَرادَ بالجُلَّابِ ماءَ الورْدِ، وهو فارِسِيٌّ مُعرَّبٌ(٨) وقال بعضُ أَصحاب المعَانِي والحديثِ، كأَبي عُبَيدٍ وغيرِه إِنَّما هُوَ الحِلابُ بكسْرِ الحاءِ المهملة لا الجُلَّاب، وهو ما يُحْلبُ فيه لبَنُ الغَنمِ كالمِحْلَبِ سَوَاءٌ، فصحّف فقال جُلَّاب، يَعْنِي أَنه كان يَغْتَسِلُ من الجَنَابةِ في ذلك الحِلابِ، وقيل: أُرِيدَ به: الطِّيبُ أَوْ إِناءُ الطِّيبِ، وتفْصِيلُه في شرح البُخارِيِّ للحافظِ بن حَجَرٍ ¦.
  والجُلَّابُ: ة بالرُّهَى نَواحِي دِيارِ بَكْرٍ، واسمُ نَهْرِ مدِينةِ حَرَّانَ، سُمِّيَ باسم هذه القَرْيةِ.
  وأَبُو الحَسنِ علِيُّ بنُ مُحمَّدٍ بنِ مُحمَّدِ بنِ الطَّيِّب
(١) سورة الأحزاب الآية ٥٩.
(٢) اللسان: الثياب.
(٣) عن اللسان.
(٤) في اللسان: يكون.
(٥) في اللسان: وقال ابن الأثير. وثمة قولاً للأزهري يعقب على شرح ابن الإعرابي للحديث. (وانظر النهاية).
(٦) زيادة عن النهاية.
(٧) في النهاية: «فأخذ».
(٨) بهامش المطبوعة المصرية: «جلاب معرب كلاب، وكلاب بضم الكاف الفارسية. وأما لفظه كربيان التي ذكرها الشارح في صفحة ١٨٠ وضبطها بفتح الكاف الفارسية فالصواب فيها كسر الكاف كما في كتب اللغة الفارسية» وفي اللسان: يقال له جُلْ وآب.