تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[أنس]:

صفحة 186 - الجزء 8

  الأَمَاسِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الحَنَفِيُّ، سَمعَ في الحِجَاز على أَبيه، وتُوفِّيَ سنةَ ٧٩٨، ووَلَدُه محمَّدٌ ممَّنْ سَمعَ.

  [أنس]: الإِنْسُ، بالكَسْر: البَشَرُ، كالإِنْسَان، بالكَسْر أَيضاً، وإِنّما لم يَضْبطْهُمَا لشُهْرَتهما، الوَاحدُ إِنْسِيٌّ، بالكَسْر، وأَنَسيٌّ، بالتَّحْريك.

  قال مُحَمَّدُ بنُ عَرَفَةَ الوَاسطيُّ: سُمِّيَ الإِنْسيُّونَ لأَنَّهُم يُؤْنَسُونَ، أَي يُرَوْنَ، وسُمِّيَ الجنُّ جِنًّا لأَنَّهُمْ مَجْنُونُونَ⁣(⁣١) عن رُؤْيَة النّاس، أَي مُتَوارُونَ.

  ج أَنَاسِيُّ، ككُرْسيٍّ وكَرَاسِيَّ، وقيل: هو جمْعُ إِنْسَانٍ، كسِرْحانٍ وسَرَاحينَ، ولكنَّهُم أَبْدَلُوا الياءَ من النُّون، كما قَالُوا للأَرَانب: أَرَانِيّ، قالَهُ الفَرّاءُ، وقَرَأَ الكسَائيُّ ويَحْيَى ابنُ الحَارث قولَه تَعَالَى: وَأَناسِيَّ كَثِيراً⁣(⁣٢) بالتَّخْفِيف أَسقَطَ الياءَ التي تكونُ فيما بينَ عَيْن الفِعْل ولامه، مثل: قَرَاقِيرَ وقَرَاقِرَ، ويُبَيِّنُ جَوازَ أَنَاسِيَ بالتَّخْفيف قولُهُم: أَنَاسِيَةٌ كثيرةٌ، جعلوا الهاءَ عِوَضاً من إِحْدَى ياءَيْ أَناسِيّ جمع إِنسان، وقال المُبَرِّدُ: أَناسِيَةٌ جمْع إِنْسيَّةٍ، والهاءُ عِوَضٌ من اليَاءِ المَحْذُوفة؛ لأَنَّه كانَ يجب أَناسيّ بوزْن زَنَاديقَ وفَرازينَ، وأَنّ الهاءَ في زَنادِقَةٍ وفَرَازنَة إِنّمَا هي بدلٌ من الياءِ، وأَنَّهَا لما حُذِفَتْ للتخفيف عُوّضَتْ منها الهاءُ، فالياءُ الأُولَى من أَناسيَّ بمنزلة الياءِ من فَرَازينَ وزَنَاديقَ، والياءُ الأَخيرةُ منه بمنزلة القافِ والنُّونِ منهما، ومثلُ ذلك جَحْجاحٌ وجَحَاجِحَةٌ، إِنما أَصلُه جَحَاجِيحُ.

  وقد يُجْمَعُ الإِنْسُ على آنَاس مثل: إِجْلٍ وآجَالٍ، هكذا ضَبَطَه الصّاغَانيّ، وسيأْتي في «نوس» أَنَّهُ أُنَاسٌ، بالضَّمِّ، فتأْمّل.

  والمَرْأَةُ أَيضاً إِنْسَانٌ، وقولُهُم: إِنْسَانَةٌ، بالهَاءِ، لغة عَامِّيّةٌ، كذا قاله ابنُ سيدَه، وقالَ شيخُنَا: بل هي صحيحَةٌ وإِن كانَت قليلَةً، ونقَلَه صاحبُ هَمْع الهَوَامع والرَّضِيُّ في شَرْح الحَاجبيّة، ونَقَلَه الشَّيْخُ يس في حواشيه على الأَلْفيَّة عن الشيخ ابن هشَام، فلا يُقَال إِنّهَا عامِّيَّةٌ بعدَ تصريح هؤُلاءِ الأَئمَّةِ بوُرُودهَا، وإِن قَالَ بعضُهُم: إِنَّهَا قليلَةٌ، فالقِلَّةُ عندَ بعض لا تَقْتَضِي إِنْكَارَهَا وأَنَّهَا عامِّيّةٌ. انتهى، فانظُرْ هذه مع قَوْل ابن سيدَه: ولا يُقَالُ إِنْسَانَةٌ، والعَامَّةُ تَقُولُه.

  وسُمِعَ في شِعْر بعضِ المُوَلَّدين، قيلَ: هو أَبو مَنْصُور الثّعَالبيُّ صاحبُ اليَتيمَة، والمُضَاف والمَنْسُوب، وغيرهمَا، كما صَرَّحَ به في كُتُبه مُدَّعياً أَنّه لم يُسْبَقْ لمعناهُ كما قالَهُ شيخُنَا، وكَأَنّه مُوَلَّدٌ لا يُسْتَدَلُّ به:

  لَقَدْ كَسَتْني في الهَوَى ... مَلَابِسَ الصَّبِّ الغَزِلْ

  إِنْسَانَةٌ فَتَّانَةٌ ... بَدْرُ الدُّجَى منْهَا خَجِلْ

  إِذَا زَنَتْ عَيْنِي بهَا ... فبالدُّمُوع تَغْتَسِلْ

  قلتُ: وهذا البيتُ الأَخيرُ الذي ادَّعَى فيه أَنّه لم يُسْبَقْ لمَعْناهُ. ولَمّا رَأَى بعضُ المُحَشِّينَ إِيرَادَ هذه الأَبياتَ ظَنَّ أَنَّهَا من باب الاسْتدْلال، فاعْتَرَضَ عليه بقوله: لا وَجْهَ لإِيراده وتَشَكُّكِه فيه، وأُجِيبَ عنه بأَنَّه قد يُقَالُ: إِنَّ الثَّعَالبيَّ من أَئمّة اللُّغَة الثّقَات، وهذا غَلَطٌ ظاهرٌ، وتَوَهُّمٌ باطِلٌ، إِذ المُصَنِّفُ لم يَأْتِ به دَليلاً، ولا أَنْشَدَه عَلَى أَنَّه شَاهدٌ، بل ذَكَرَه على أَنَّهُ مُوَلَّدٌ ليسَ للعَامَّة أَن يَسْتَدلُّوا به، فتأَمَّلْ.

  حَقَّقَه شيخُنَا، قال: وقد وَرَدَ في أَشْعَار العَرَب قَليلاً، قال كامل⁣(⁣٣) الثَّقَفيُّ:

  إِنْسَانَةُ الحَيِّ أَمْ أَدْمانَةُ السَّمُرِ ... بالنَّهْيِ رَقَّصَها لَحْنٌ من الوَتَرِ

  قال: وحَكَى الصَّفَديُّ - في شَرح لاميَّة العَجَم - أَنَّ ابنَ المُسْتَكْفِي اجْتَمَعَ بالمُتَنَبِّي بمصر، ورَوَى عنه قولَه:

  لاعَبْتُ بالخَاتَمِ إِنْسانَةً ... كمِثْل بَدْرٍ في الدُّجَى النّاجِمِ

  وكُلَّمَا حَاوَلْتُ أَخْذِي لَهُ ... من البَنَانِ المُتْرَف النَّاعِمِ

  أَلْقَتْهُ في فِيها فقُلْتُ انْظُرُوا ... قد أَخْفَت الخاتَمَ في الخَاتَمِ

  والأُنَاسُ بالضّمِّ: لُغَةٌ في النّاس قال سيبَوَيْه: والأَصْلُ في النّاس الأُنَاسُ مُخَفَّف، فجَعَلُوا الأَلفَ والّلامَ عِوَضاً عن الهَمْزَة، وقد قالُوا: الأُنَاس، قال الشّاعرُ:


(١) في التهذيب: مجتنُّون.

(٢) سورة الفرقان الآية ٤٩.

(٣) عن المطبوعة الكويتية وبالأصل «كاهن».