تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[برنس]:

صفحة 204 - الجزء 8

  بَسْ بَسْ، وبِسْ بِسْ، بفتح الباءِ وكسرِهَا، وأَكْثرُ ما يُقَالُ بالفَتْحِ، وهو من كلامِ أَهْلِ اليَمَنِ، وفيه لُغَتَانِ بَسَسْتُهَا وأَبْسَسْتُهَا، وقال أَبُو سَعِيد: يُبِسُّونَ، أَي يَسِيحُونَ في الأَرْضِ.

  والبَسُّ: إِرْسَالُ المَالِ في البلادِ وتَفْرِيقُهَا فيها، كالبَثِّ، وقد بَسَّهُ في البِلادِ فانْبَسَّ، كبَثَّهُ فانْبَثَّ.

  والبَسُّ: الطَّلَبُ والجَهْدُ، ومِنْه قولُهم: لأَطْلُبَنَّهُ من حَسِّي وبَسِّي، أَي مِنْ جَهْدِي، كما سَيَأْتِي.

  والبَسُّ: الهِرَّةُ الأَهْلِيَّةُ، نقلَه ابنُ عَبّادٍ، والعَامَّةُ تَكْسِرُ البَاءَ، قالَه الزَّمَخْشَرِيُّ⁣(⁣١)، الوَاحِدَةُ بهاءٍ، والجَمْعُ بِسَاسٌ.

  ويُقَال: جاءَ بهِ مِنْ حسِّهِ وبسِّه، مُثَلَّثَيِ الأَوَّلِ، أَي من جَهْدِه وطاقَتِهِ، قَالَهُ أَبو عَمْرٍو، وقال غيرُه: أَي من حَيْثُ كانَ ولم يَكُنْ، ويقالُ: جِيءْ بِه من حسِّك: وبسِّك، أَي ائْتِ بهِ على كُلِّ حالٍ من حَيْثُ شِئْتَ. ولأَطْلُبَنَّه من حسِّي وبسِّي، أَي جَهْدِي وطَاقَتِي، ويُنْشَدُ:

  تَرَكَتْ بَيْتِي مِنَ الأَشْ ... ياءِ قَفْراً مِثْلَ أَمْسِ

  كُلُّ شَيْءٍ كُنْتُ قَدْ جَمَّ ... عْتُ مِنْ حسِّي وبسِّي

  وبَسْ بمَعْنَى حَسْبُ، أَو هُوَ مُسْتَرْذَلٌ، كذا قالَهُ ابنُ فارِس، ووقع في المُزْهِرِ أَيْضاً أَنّهُ لَيْسَ بعَرَبَيّ، قال شيخُنَا: وقد صَحَّحَها بعضُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ، وفي الكَشْكُول للبَهَاءِ العامِلِيِّ ما نَصُّه: ذَكَرَ بعضُ أَئِمَّةِ اللُّغَة أَنّ لَفْظَةَ بَسْ فارِسِيَّةٌ تقولُهَا العَامَّةُ، وتَصَرَّفُوا فيها، فقالوا بَسَّك وبَسِّي، إِلخ، وليسَ للفُرْسِ في مَعْنَاهَا كَلِمَةٌ سِوَاهَا، وللعَرَب حَسْبُ، وبَجَلْ، وقَطْ مُخَفَّفَة، وأَمْسِكْ، واكْفُفْ، وناهِيكَ، ومَهْ، ومَهْلاً، واقْطَعْ، واكْتَفِ.

  والبَسُّ: بَطْنٌ من حِمْيَرَ، مِنْهُم أَبو مِحْجَنٍ تَوْبَةُ بنُ نَمِرٍ البَسِّيُّ قاضِي مِصْرَ، نُسِبَ إِلى هذَا البَطْنِ، نقَلَهُ الحافِظُ.

  قلتُ: وهو تَوْبَةُ بنُ نَمِرِ بنِ حَرْمَلَةَ بنِ تَغْلِبَ بنِ رَبِيعَةَ الحَضْرَمِيُّ، رَوَى عن اللَّيْثِ وغيرِه، وعَمُّه الحارِثُ بنُ حَرْمَلَةَ بنِ تَغْلِب، عن عَلِيٍّ، وعنه رَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ وعَبّاسُ بنُ عُتْبَةَ بنِ كُلَيْب بن تَغْلِبَ، عن يَحْيَى بنِ مَيْمُون ومُوسَى بنِ وَرْدَانَ، وعن ابنِ وَهْبٍ.

  والبَسُوسُ، كصَبُور: النّاقَةُ الَّتِي لا تَدُرُّ إِلاّ عَلَى الإِبْسَاسِ، أَي التَّلَطُّف بأَنْ يُقَالَ لَهَا بُسّ بُسّ بالضّمِّ والتَّشْديد، قاله ابنُ دُرَيْد⁣(⁣٢)، تَسْكِيناً لَهَا، قالَ: وقد يُقَال ذلِكَ لغَيْرِ الإِبِلِ.

  وفي المَثَلِ: «أَشْأَمُ مِنَ البَسُوس» لأَنّه أَصابَها رَجُلٌ من العَرَبِ بسَهْم في ضَرْعِها، فقَتَلَهَا، فقامَت الحَرْبُ بَيْنَهُما.

  وقيل: البَسُوسُ: اسم امْرَأَة، وهي خالَةُ جَسّاسِ بنِ مُرَّةَ الشَّيْبَانِيِّ، كانَتْ لها ناقَةٌ يُقال لها: سَرَابِ، فرآها كُلَيْبُ وائِلٍ في حِمَاه، وقد كَسَرَتْ بَيْضَ طَيْرٍ كان قد أَجارَهُ، فرَمَى ضَرْعَها بسَهْمٍ، فوَثَبَ جَسّاسٌ على كُلَيْبٍ فقَتَلَه، فهاجَت حَرْبُ بَكْرٍ وتَغْلِبَ ابْنَيْ وَائِل بسَبَبِهَا أَربعينَ سَنَةً حَتَّى ضُرِبَ بها المَثَلُ في الشُّؤْمِ، وبها سُمِّيَتْ حَرْبُ البَسُوسِ، وقِيل: إِنَّ الناقَةَ عَقَرَهَا جَسّاسُ بنُ مُرَّةَ، وفي البَسُوسِ قولٌ آخرُ رُوِيَ عن ابنِ عَبّاسٍ ®، قالَ الأَزْهَرِيّ فيه: إِنّه أَشْبَهُ بالحَقِّ، وقد ساقَه بسَنَدِه إِليهِ في قولِه تَعالَى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها}⁣(⁣٣) قال: كانَت امْرَأَةٌ مَشْؤُومَة اسمُها البَسُوس، أُعْطِيَ زَوْجُهَا ثَلاث دَعَواتٍ⁣(⁣٤) مُسْتَجاباتٍ، وكانَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، فكانت مُحِبَّةً لهُ، فقالَتْ: اجْعَلْ لِي مِنْهَا دَعْوَةً وَاحِدَةً.

  قالَ: فلَكِ وَاحِدَةٌ، فما ذَا تُرِيدِينَ؟ قالَت: ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِي أَجْمَل امْرَأَةٍ في بَنِي إِسْرَائِيلَ، ففَعَلَ، فرَغِبَتْ عنهُ لَمّا عَلِمَتْ أَنّه ليسَ فيهِم مِثْلُهَا، فَأَرادَتْ سَيِّئاً⁣(⁣٥)، فدَعَا الله تَعَالَى عَلَيْهَا أَنْ يَجْعَلَها كَلْبَةً نَبّاحَةً، فذَهَبَتْ فِيهَا دَعْوَتانِ، فجاءَ بَنُوهَا، فقالُوا: لَيْسَ لَنَا عَلَى هذا قَرَارٌ، قد صارَتْ أُمُّنا كَلْبَةً يُعَيِّرُناهَا النّاسُ، كذا نَصُّ التَّكْمِلَةِ، وفي اللِّسَانِ يُعَيِّرُنَا بِهَا النَّاسُ، فادْعُ الله تَعَالَى أَن يَرُدَّهَا إِلى حالِهَا الَّتِي كانَتْ عليها، ففَعَلَ، فعادَتْ كما كَانَتْ، فذَهَبَت الدَّعَواتْ الثَّلاثُ بشُؤْمِهَا، وبها يُضْرَبُ المَثَلُ.


(١) لم يرد في الأساس.

(٢) ضبطت في القاموس: بفتح الباء وسكون السين» ومثله في اللسان عن ابن دريد، وفي الجمهرة ١/ ٣٠ بضم الباء وأغفلت السين. وفي اللسان - ولم يعزه - بس بس ضبطت نصاً بالضم والتشديد.

(٣) سورة الأعراف الآية ١٧٥.

(٤) في التهذيب: يستجاب له فيها.

(٥) التهذيب: وأرادت شيئاً آخر.