فصل الباء الموحدة مع السين
  قالَ اللِّحْيَانِيُّ: يقال: بُسَّ(١) فلانٌ، بالضّمِّ، في مالِه بَسّاً، إِذا ذَهَبَ شَيْءٌ من مالِهِ، كذا في التَّكْمِلَة، والذي في اللِّسَانِ: بَسَّ في مالِه بَسَّةً ووَزَمَ وَزْمَةً: أَذْهَب منه شَيْئاً.
  وبِسْ بِسْ، مُثَلَّثَيْنِ: دعاءٌ للغَنَمِ وقد بَسَّهَا، وقال ابنُ دُرَيْدٍ: بَسَسْتُ الغَنَمَ: قلتُ لَهَا: بسْ بسْ، وقال الكِسَائِيُّ: أَبْسَسْتُ بالنَّعْجَةِ، إِذا دَعَوْتَهَا للحَلبِ، وقال الأَصْمَعِيُّ: لم أَسْمَع الإِبْسَاسَ إِلاّ في الإِبِلِ.
  وبُسٌّ، بالضّمِّ، والتَّشْدِيدِ: جَبَلٌ قُرْبَ ذاتِ عِرْقٍ، وقيل: أَرضٌ لبَنِي نَصْرِ بنِ مُعاوِيَةَ بن بَكْرِ بنِ هَوَازِنَ قَرْبَ حُنَيْنٍ، ويقال: بُسَى أَيضاً، وهو اسمٌ لجِبَالٍ هُنَاك في دِيارِهِم، وإِيّاهُ عَنَى عَبّاسُ بنُ مِرْداسٍ السُّلَمِيُّ في قوله:
  رَكَضْتُ الخَيْلَ فيها بَيْنَ بُسٍّ ... إِلى الأَوْرالِ تَنْحِطُ بالنِّهَابِ
  وقال عاهانُ بنُ كَعْب:
  بَنِيكَ وهَجْمَةٌ كأَشَاءِ بُسٍّ ... غِلاظُ مَنَابِتِ القَصَرَاتِ كُومُ(٢)
  وقالَ ابنُ الكَلْبِيِّ: بُسّ: بَيْتٌ لغَطَفَانَ بنِ سَعْدِ بنِ قَيْسِ عَيْلان كانت تَعْبُدُه، بنَاهُ ظَالِمُ بنُ أَسْعَدَ بنِ رَبِيعَةَ بنِ مالِكِ بنِ مُرَّةَ بن عَوْفِ لمّا رَأَى قُرَيْشاً يَطُوفُون بالكَعْبَةِ ويَسْعَوْنَ بينَ الصَّفَا والمَرْوَةِ فذَرَعَ البَيْتَ. ونصُّ العُبَابِ: وأَخَذَ حَجَراً من الصَّفَا وحَجَراً من المَرْوَةِ فرَجَعَ إِلى قَوْمِه وقال: يا مَعْشَرَ غَطَفَانَ، لِقُرَيْشٍ بيتٌ يَطُوفُونَ حَولَه، والصَّفَا والمَرْوَةُ، وليسَ لكم شَيْءٌ، فبَنَى بَيْتاً على قَدْرِ البَيْتِ، ووَضَعَ الحَجَرَيْنِ، فقال: هذان الصَّفَا والمَرْوَةُ.
  فاجْتَزَؤُوا به عن الحَجِّ، فأَغَار زُهَيْرُ بنُ جَنَاب بنِ هُبَل بن عبدِ الله بنِ كِنَانَةَ الكَلْبِيُّ فقتَلَ ظالِماً وهَدَمَ بِنَاءَه.
  وقد تَقَدَّم للمُصَنِّفِ في «ع ز ز» أَنّ العُزَّى سَمُرَةٌ عَبَدَتْهَا غَطَفَانُ، أَوَّلُ من اتَّخَذَهَا ظالِمُ بنُ أَسْعَدَ فوقَ ذاتِ عِرْقٍ إِلى البُسْتَانِ بتِسْعَةِ أَمْيَالٍ، بَنَى عَلَيْهَا بَيْتاً وسَمّاهُ بُسّاً، وأَقَامَ لها سَدَنَةً، فبَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ الله ﷺ خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ ¥ فهَدَمَ البيتَ وأَحْرَقَ السَّمُرَةَ، فانظرْ هذا مع كلامِه هُنَا، ففيه نَوْعُ مُخَالَفَةٍ، ولعَلّ هذا البَيْتَ هُدِمَ مَرَّتَيْنِ، مرَّةً في الجَاهِلِيَّةِ على يَدِ زُهَيْرٍ، وقُتِل إِذْ ذاكَ بانِيه ظالِمٌ، والمَرَّة الثانِيَة عامَ الفَتْحِ على يدِ خَالِدِ بنِ الوَليدِ رضِيَ الله تعالَى عنه، وقُتِلَ إِذْ ذاكَ سادِنُه رَبِيعَةُ بنُ جَرِيرٍ السُّلَمِيُّ(٣)، ولو قالَ: وبُسٌّ: بيتٌ لغَطَفانَ هي العُزَّى، كان قد أَصابَ في جَوْدَةِ الاقْتِصَارِ، على أَنّ الصّاغَانِيَّ ذَكَر فيه لغة أُخرَى وهي بُساءُ، بالضّمِّ والمَدِّ، فترْكُه قُصُورٌ، وقولُه: جَبَلٌ قُرْبَ ذاتِ عِرْقٍ، وأَرْضٌ لبَنِي نَصْر، ثمّ قولُه: وبَيْتٌ لغَطَفَانَ، كلُّ ذلِكَ وَاحِدٌ، فإِنَّهُمْ صَرَّحُوا أَنّ أَرضَ نَصْر هذِه هي الجِبَالُ التي فَوقَ النَّخْلَةِ الشَّامِيَّة بذَاتِ عِرْقٍ، وبه سُمِّيَ البَيْتُ المَذْكُور، وبنو نَصْرِ بنِ مُعَاوِيَة مع غَطَفَان شَيْءٌ وَاحِدٌ؛ لأَنَّهُم أَبنَاءُ عَمٍّ أَقْرِبَاءُ، فغَطفانُ هو ابنُ سَعْدِ بنِ قَيْسِ عَيْلَانَ، ونَصرٌ هو ابنُ مُعَاوِيَةَ بنِ بَكْرِ بنِ هَوازِنَ بنِ مَنْصُورِ بنِ عِكْرِمَةَ بنِ خَصَفَةَ بنِ قَيْسِ عَيْلَانَ، ولِبَنِي كَلْبٍ يَدٌ بيضاءُ في نُصْرَتِهم لقُرَيْشٍ حينَ بَنَوا الكَعْبَةَ، ذَكَر ابنُ الكَلْبِيِّ في الأَنْسَابِ ما نَصُّه: من بَنِي عَبْدِ اللهِ بن هُبَلَ بنِ أَبي سالِمٍ الذِي أَتَى قُرَيْشاً حينَ أَرادُوا بناءَ الكَعْبَةِ ومَعَه مالٌ فقالَ: دَعُونِي أَشْرَكْكُم في بِنَائِهَا، فأَذِنُوا له، فبَنَى جانِبَه الأَيْمَنَ.
  والبَسْبَسُ: القَفْرُ الخالِي، لُغَةٌ في السَّبْسَبِ، وزَعَم يَعْقُوبُ أَنّه من المَقْلُوبِ، وبهما رُوِيَ قولُ قُسٍّ: «فبَيْنَمَا أَنا أَجُولُ بسَبْسَبِهَا».
  والبَسْبَسُ: شَجَرٌ تُتَّخَذُ منه الرِّحالُ، قالَهُ اللَّيْثُ، أَو الصوابُ السَّبْسَبُ(٤) بالبَاءِ، وقد تصحَّفَ على اللَّيْثِ، قالَه الأَزْهَرِيّ.
  وبَسْبَسُ بنُ عَمْرٍو الجُهَنِيُّ الصّحابِيُّ حليفُ الأَنْصَارِ، شهِدَ بَدْراً، وبُعِثَ عَيْناً للعِيرِ، ويقال: بَسْبَسَةُ، بهاءٍ.
  ومن المَجَازِ: التُّرَّهَاتُ البَسَابِسُ، ورُبَّمَا قالُوا: تُرَّهَاتُ البَسَابِسِ، بالإِضَافَة، هي: الباطِلُ وفَسَّرَه الزَّمَخْشَرِيُّ: بالأَباطِيلِ.
(١) ضبطت في القاموس بالفتح.
(٢) روايته في معجم البلدان:
بنون وهجمةٍ كأشاء بُسٍّ ... صفايا كُنّة الآبار كومِ
(٣) كذا وفي معجم البلدان: دُبَيّة بن حَرْمَى السلمي، راجع الكلام على العزى.
(٤) في التهذيب: «السيسب» ونقل عن الفراء أنه قال: السيبي اسم شجر وهو السيسبان ... وربما قالوا السيسب.