تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[جنحب]:

صفحة 387 - الجزء 1

  من أَجاب يُجِيب، قال الله تعالى {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي}⁣(⁣١) أَي فَلْيُجِيبُونِي، وقال الفراءُ يقال: إِنَّها التَّلْبِيَةُ، والمصْدرُ: الإِجابةُ، والاسْمُ الجَابَةُ بمَنْزِلَةِ الطَّاعةِ والطَّاقَةِ.

  والإِجابُ والإِجابَةُ مصْدرانِ والاسمُ من ذلك الجَابَةُ كالطَّاعةِ والطَّاقَةِ والمَجُوبةُ بضم الجيم، وهذه عن ابن جِنّي ويقالُ: إِنَّهُ لَحَسَنُ الجِيبَةُ، بالكَسْرِ كلُّ ذلكَ بمعنى الجَوَاب.

  والإِجَابَةُ: رَجْعُ الكَلَامِ، تقولُ: أَجَابَ عن سُؤَالِهِ. وفي أَمْثَالِ العَرَبِ أَساءَ سَمْعاً فَأَسَاءَ إِجَابةً ( *) هكذا في النسخِ التي بأَيدِينا لا يُقَالُ فيه غَيْرُ ذلكَ وفي نسخة الصحاح جَابَة بغير همْزٍ، ثم قال: وهكذا يُتَكَلَّم به⁣(⁣٢)، لأَنَّ الأَمْثَالَ تُحْكَى علَى مَوْضُوعَاتِهَا، وفي الأَمثال للميدانيّ روايةٌ أُخْرَى وهي «ساءَ سَمْعاً فأَساءَ إِجَابةً»، وأَصلُ هذا المثَلِ علَى ما ذَكَر الزُّبَيْرُ بنُ بَكَّارٍ أَنَّه كان لسَهْلِ بنِ عمْرٍو ابنٌ مَضْفوف⁣(⁣٣) فقالَ له إِنْسَانٌ: أَيْنَ أَمُّكَ؟ أَي أَيْنَ قَصْدُكَ، فَظَنَّ أَنَّه يقولُ لَهُ: أَيْنَ أَمُّكَ، فقال: ذَهَبَتْ تَشْتَرِي دَقِيقاً، فقالَ أَبُوه: «أَسَاءَ سَمْعاً فَأَسَاءَ جَابةً» وقال كُراع: الجَابةُ: مصْدرٌ كالإِجابةِ، قال أَبو الهَيْثَم: جابةٌ اسْمٌ يقُومُ مَقَام المصْدرِ، وقد تَقَدَّم بيَانُ ذلك في س اء فَرَاجعْ.

  والجَوْبَةُ: شِبْهُ رَهْوَةٍ تكونُ بينَ ظَهْرانَيْ دُور القَوْم يسِيلُ فيها⁣(⁣٤) ماءُ المَطَرِ، وكُلُّ مُنْفَتِقٍ مُتَّسعٍ فهي⁣(⁣٥) جَوْبةٌ، وفي حديث الاسْتِسْقَاءِ «حَتَّى صارتِ المدِينَةُ مِثْلَ الجَوْبَةِ» قال في التهذيب: هِي الحُفْرَةُ المُسْتَدِيرةُ الواسِعةُ، وكلُّ مُنْفَتِقٍ بلا بِنَاءٍ جَوْبَةٌ، أَي حتى صار الغَيْمُ والسَّحَابُ مُحِيطاً بآفاقِ المدينة، والجَوْبةُ: الفُرْجَةُ في السَّحَابِ وفي الجِبالِ، وانْجَابَتِ السَّحَابَةُ: انْكَشَفَتْ، وقال العجاج:

  حتَّى إِذا ضَوْءُ القُمَيْرِ جَوَّبَا ... لَيْلاً كأَثْنَاءِ السُّدُوسِ غَيْهَبَا

  أَي نَوَّر وكَشَفَ وجَلَّى، وفي الحديث «وانْجابَ السَّحَابُ عن المَدِينَةِ حتى صار كالإِكْلِيلِ» أَيِ انْجَمَعَ وتَقَبَّضَ بعضُه إِلى بَعْضٍ وانْكَشَفَ عنها. وقال أَبُو حنِيفَةَ: الجَوْبةُ مِنَ الأَرْضِ: الدَّارَةُ وهي المكَانُ المُنْجابُ الوطِيءُ منَ الأَرْضِ القَلِيلُ الشَّجرِ، مِثْلُ الغَائِطِ المُسْتَدِيرِ، لا يكونُ في رَمْلٍ ولا حَبْلٍ⁣(⁣٦) إِنما يكونُ في جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ ورَحْبِهَا⁣(⁣٧)، سُمِّي جَوْبةً لانْجِيَابِ الشَّجرِ عنها والجَوْبَةُ كالجَوْبِ: فَجْوَةُ ما بَيْنَ البُيُوتِ وموْضِعٌ يَنْجابُ في الحَرَّةِ و ( *) الجَوْبَةُ: فَضَاءٌ أَمْلَسُ سَهْلٌ بيْنَ أَرْضَيْنِ، ج جَوْبَاتٌ، جُوَبٌ كَصُرَدٍ، وهذَا الأَخِيرُ نَادِرٌ.

  قال سيبويهِ: أَجَابَ من الأَفْعَالِ التي اسْتُغْنِيَ فيها بِمَا أَفْعَلَ فِعْلَه، وهُوَ أَفْعَلُ فِعْلاً عمَّا أَفْعَلَهُ، وعنْ: هُو أَفْعَلُ مِنْكَ، فَيقُولُونَ: ما أَجْوَدَ جوابَهُ، وهُو أَجْوَدُ جَواباً، ولَا يُقَالُ: ما أَجْوَبَه، ولا هُو أَجْوَبُ مِنْكَ، وكذلكَ يقُولُونَ: أَجْوِدْ بِجوابِهِ، ولَا يُقَالُ: أَجْوِبْ [به]⁣(⁣٨) وأَمَّا ما جاءَ في حديث ابْنِ عُمر «أَنَّ رجُلاً قَالَ يا رسُولَ اللهِ أَيُّ اللَّيْلِ أَجْوَبُ دَعْوةً فَقَال جَوْفُ اللَّيْلِ الغَابِرِ» فإِنَّه إِمَّا [أَن يكون]⁣(⁣٣) مِن جُبْتُ الأَرْضَ إِذا قَطَعْتَهَا بالسَّيْر عَلَى معْنَى: أَمْضَى دَعْوَةً وأَنْفَذَ إِلى مظَانِّ الإِجابةِ أَو من جابَتِ الدَّعْوَةُ بوزن فَعُلَتْ بالضَّمِّ كطَالَتْ، أَي صارت مُسْتَجَابةً، كقولهم في فَقِيرٍ وشَدِيد كأَنهما من فَقُر وشَدُد، وحُكي ذلك عن الزمخشريِّ، وليس ذلك بمُسْتَعْمَلٍ أَوْ أَنَّ أَجْوَب⁣(⁣٩) بمعنى أَسْرَع إِجابةً، كما يقال: أَطْوَعُ من الطَّاعةِ، عزَاهُ في المحكم إِلى شَمِرٍ، قال: وهُو عِنْدِي مِنْ بابِ أَعْطَى لِفَارِهةٍ {وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ}⁣(⁣١٠) وما جاءَ مثلُه، وهذا على المجازِ، لأَن الإِجابةَ ليست لِلَّيْلِ، إِنَّمَا هي للهِ تَعَالَى فيهِ، فمعْنَاهُ: أَيُّ اللَّيْلِ اللهُ⁣(⁣١١) أَسْرَعُ إِجابةً فيهِ مِنْهُ في غَيْرِه، وما زَاد على الفِعْلِ الثُّلَاثِيّ لَا يُبْنَى منه أَفْعَلُ مِنْ كَذَا إِلَّا في أَحْرُفٍ جاءَتْ شَاذَّةً، كذا في لسان العرب، ونُقِلَ عن الفراءِ: قِيلَ


(١) سورة البقرة الآية ١٨٦.

(*) في القاموس: جابة وليس إجابة وذلك عطف على الجابة لا الإجابة.

(٢) كذا بالأصل واللسان، وفي الصحاح: بهذا الحرف.

(٣) بهامش المطبوعة المصرية: «مضفوف قال الجوهري ويقال أيضاً فلان مضفوف مثل مثمود إذا نفد ما عنده اه». وفي اللسان: مضعوف.

(٤) في اللسان: منها.

(٥) في اللسان: يتسع فهو.

(٦) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله حبل هو الرمل المستطيل كما في الصحاح».

(٧) في اللسان: في أجلاد الأرض ورحابها.

(*) في القاموس: أو بدل «و».

(٨) زيادة عن اللسان.

(٩) زيد في اللسان: من الإجابة.

(١٠) سورة الحجر الآية ٢٢.

(١١) عن اللسان، وبالأصل «لله».