تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[لأس]:

صفحة 457 - الجزء 8

  ومن المَجَاز: اللِّبَاسُ، ككِتَاب: الزَّوْجُ والزَّوْجَةُ، كُلٌّ منهما لِبَاسٌ للآخَرِ، قال الله تَعَالَى: {هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ}⁣(⁣١) أَي مِثْلُ اللِّبَاسِ، وقالَ الزَّجَّاجُ: ويقَال: إِن المَعْنَى: تُعَانِقُونَهُنَّ ويعَانِقْنَكُمْ. وقِيلَ: كُلُّ فَريقٍ منكم يَسْكُن إِلى صاحِبهِ ويُلَابِسُه، كما قال تعالى: {وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها}⁣(⁣٢) والعربُ تُسَمِّي المَرْأَةَ لِبَاساً وإِزاراً، قال الجَعْدِيُّ يصِفُ امرأَةً:

  إِذَا ما الضَّجِيعُ ثَنَى عِطْفَهُ ... تَثَنَّتْ فكانَتْ عَلَيْهِ لِبَاسَا

  وقالَ ابنُ عَرَفَةَ: اللِّبَاسُ، من المُلَابَسَةِ، أَي الاخْتِلاطُ والاجْتِمَاعُ.

  ومن المَجَازِ قولُه تعالَى: {وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ}⁣(⁣٣) قيل: هو الإِيمانُ، قالَه السُّدِّيُّ، أَو الحَيَاءُ، وقد لبِسَ الحيَاءَ لِبَاساً⁣(⁣٤)، إِذا اسْتَترَ به، نقلَه ابنُ القَطاع، وقيل: هو العَمَلُ الصالحُ، أَو سَتْرُ العَوْرَةِ، وهو سَتْرُ المُتَّقِين، وإِليه يُلْمِحُ قولُه تَعالَى: {أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ} فيَدُلُّ عَلَى أَنّ جُلَّ المَقْصِدِ منِ اللِّبَاسِ سَتْرُ العَوْرَةِ، وما زادَ فتَحَسُّنٌ وتَزَيُّنٌ، إِلاّ مَا كَانَ لِدَفْع حَرٍّ وبَرْدٍ فَتَأَملْ. وقِيلَ: هو الغَلِيظُ الخَشِنُ القَصِيرُ.

  وقولُه تَعالَى: {فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ}⁣(⁣٥) أَي جاعُوا حتَّى أَكَلُوا الوَبَرَ بالدَّم، وهو العِلْهِزُ، ولَمّا بَلَغ بِهِمُ الجُوعُ الغَايَةَ، أَي الحالةَ الّتِي لا غَايَةَ بَعْدَها ضَرَب لَه اللِّباسَ، أَي لِمَا نالَهُم من ذلك، مَثَلاً لاشْتِمَالِه على لَابِسِه.

  واللَّبُوسُ، كصَبُورٍ: الثِّيَابُ والسِّلاحُ. مُذَكَّرٌ فإِنْ ذَهَبْتَ به إِلى الدِّرْع أَنَّثْتَ، وقالَ الله تَعَالى: {وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ}⁣(⁣٦) قالوا: هي الدِّرْعُ تُلْبَسُ في الحُرُوبِ، كالرَّكُوب لِما يُرْكَبُ. واللَّبيسُ، كأَمِيرٍ: الثَّوْبُ قد أُكْثِرَ لُبْسُهُ فأَخْلَقَ، يقال: ثَوْبٌ لَبِيسٌ، ومُلاءَةٌ لَبِيسٌ. بغير هاء.

  واللَّبِيسُ: الْمِثلُ يُقَال: ليسَ لَه⁣(⁣٧) لَبِيسٌ، أَي نَظِيرٌ ومِثْلٌ. وقالَ أَبو مالِكٍ: هو من المُلابَسَةِ، وهي المُخَالَطَةُ.

  ودَاهِيَةٌ لَبْسَاءُ⁣(⁣٨): مُنْكَرَةٌ، وكذلكَ رَبْسَاءُ، وقد تقدَّم.

  واللَّبَسَةُ، مُحَرَّكةً: بَقْلَةٌ، قاله اللَّيْثُ، وقال الأَزهريُّ: لا أَعْرِفُ اللَّبَسَةَ في البُقُولِ، ولم أَسْمَعْ بها لغَيْرِ اللَّيْثِ.

  ويُقَال: إِنَّ فِيه لَمَلْبَساً، كمَقْعَدٍ، أَي مُسْتَمْتَعاً، وقالَ أَبُو زَيْدٍ: أَي ما بهِ كِبْرٌ، بكسر الكاف وسكون المُوَحَّدَةِ، ويقال: كِبَرٌ، بكسرٍ ففتح.

  ومن أَمْثَالِهم: أَعْرضَ ثَوْبُ المَلْبَسِ إِذا سَأَلْتَه عن أَمرٍ فلم يُبَيِّنْهُ لك، ويُرْوَى: ثَوْبُ الملْبسِ، كمَقْعَدٍ ومِنْبَرٍ ومُفْلِسٍ، نُقِلَ الثَّلاثَةُ عنِ ابنِ الأَعْرَابيِّ، وقال: هو مَثَلٌ يُضْرَبُ لِمَن اتَّسَعَتْ قِرْفَتُه. أَي كَثُرَ مَنْ يَتَّهِمُه فيما سَرَقه، هذا نَصُّ الأَزْهَرِيّ، ونَصُّ التَّكْمِلة: فيما قال.

  ولَبَسَ عليهِ الأَمْرَ يَلْبِسُهُ، من حَدِّ ضَرَبَ لَبْساً، بالفَتْحِ، أَي خَلَطَهُ، أَي خَلَطَ بَعْضُه ببعْضٍ، ومنه قولُه تعالَى: {وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ}⁣(⁣٩) أَي شَبَّهْنَا عليهِم، وأَضْلَلْنَاهم كما ضَلُّوا، وقال ابنُ عرفَةَ في تَفْسير قَولهِ تَعالَى: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ}⁣(⁣١٠) أَي لا تَخْلِطُوه به، وقوله تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً}⁣(⁣١١) أَي يَخْلِطَ أَمْرَكُم خَلْطَ اضْطِرابٍ لا خَلْطَ اتَّفَاقٍ⁣(⁣١٢). وقوله جلّ ذِكْرُه {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ}⁣(⁣١٣) أَي لم يَخْلِطُوه بشِرْكٍ، وفي الحديث: «فَلَبسَ عَلَيْهِ صَلاتَه» وفيه أَيْضاً: «مَنْ لَبَسَ علَى نَفْسِه لَبْساً».

  ونَقَل شيخُنَا عن السُّهَيْليِّ في الروْضِ منَاسبَةَ لَبِسَ الثوْبَ، كسَمِعَ، ولَبَسَ الأَمْرَ، كضَرَبَ، فقال: لَمّا كانَ لَبَسَ الأَمْرَ معناه خَلَطَه أَو سَتَرَه، جاء بوَزْنِه، ولَمَّا كان لَبِس


(١) سورة البقرة الآية ١٨٧.

(٢) سورة الأعراف الآية ١٨٩.

(٣) سورة الأعراف الآية ٢٦.

(٤) عن المطبوعة الكويتية وبالأصل «لبيساً» ..

(٥) سورة النحل الآية ١١٢.

(٦) سورة الأنبياء الآية ٨٠.

(٧) في التهذيب والتكملة: ليس لفلانٍ لبيسٌ.

(٨) على هامش القاموس عن نسخة أخرى: لبساء أي منكرة.

(٩) سورة الأنعام الآية ٩.

(١٠) سورة البقرة الآية ٤٢.

(١١) سورة الأنعام الآية ٦٥.

(١٢) عن المطبوعة الكويتية وبالأصل «نفاق».

(١٣) سورة الأنعام الآية ٨٥.