فصل الحاء المهملة
  على فُعْلٍ أَوْ فُعَلَاءَ(١)، الجَوَابُ أَنَّ أَفْعَلَ يُجْمَعُ عَلَى أَفَاعِلَ إِذَا كَانَ اسْماً عَلَى كُلِّ حَالٍ، وهَاهُنَا، فكَأَنَّهُمْ سَمَّوْا، مَوَاضِعَ كُلِّ وَاحِدٍ منها أَحْسَبَ، فَزَالَتِ الصِّفَةُ بِنَقْلِهِمْ إِيَّاهُ إِلى العَلَمِيَّة فتنَزَّل مَنْزِلَةَ الاسمِ المَحْضِ، فجَمَعُوه على أَحَاسِبَ، كما فَعَلُوا بأَحَاوِصَ(٢) وأَحَاسِنَ في اسْمِ مَوْضِعٍ، وقد يأْتِي، كذا في المعجم.
  وحَسِبَهُ كَذَا كَنَعِمَ يَحْسِبُهُ ويَحْسَبُه فِي لُغَتَيْهِ بالفَتحِ والكَسْرِ [والكَسرُ](٣) أَجْوَدُ اللُّغَتَيْنِ، حِسَاباً ومَحْسَبَةً بالفَتْح ومَحْسِبَةَ بالكسْر وحِسْبَاناً ( *): ظَنَّهُ، ومَحْسِبَةٌ بكَسْرِ السِّينِ مَصْدَرٌ نَادِرٌ على مَنْ قَالَ يَحْسَبُ بِالفَتْحِ(٤)، وأَمَّا مَن قال يَحْسِبُ فَكَسَرَ فَلَيْسَ بِنَادِرٍ وتَقُولُ: مَا كَان في حِسْبَانِي كذا، ولا تَقُل: مَا كَانَ في حِسَابِي، كذا فِي مُشْكِلِ القُرْآنِ لِابْنِ قُتَيْبَةَ، وفي الصَّحَاح: ويقال: أَحْسِبُهُ: بالكَسْرِ، وهو شَاذٌّ لِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ كان مَاضِيهِ مَكْسُوراً فَإِنَّ مُسْتَقْبَلَهُ يَأْتِي مَفْتُوحَ العَيْنِ نَحْو عَلِمَ يَعْلَمُ إِلَّا أَرْبَعَةَ أَحْرُفٍ جَاءَتْ نَوَادِرَ، حَسِبَ يَحْسَبُ ويَحْسِبُ(٥) وَيَئِسَ يَيْأَسُ وَيَيْئِسُ ونَعِمَ يَنْعَمُ ويَنْعِمُ، فإِنَّهَا جَاءَتْ مِن السَّالِمِ بالكَسْرِ والفَتْحِ، ومِن المُعْتلِّ مَا جَاءَ مَاضِيهِ ومُسْتَقْبَلُهُ جَمِيعاً بالكَسْرِ [نحو](٦): وَمِقَ يَمِقُ وَوَفِقَ يَفِقُ [وَوَثِقَ يَثِقُ](٦) وَوَرِعَ يَرِعُ وَوَرِمَ يَرِمُ وَوَرِثَ يَرِثُ، وَوَرِيَ الزَّنْدُيَرِي وَوَلِيَ يَلِي، وقُرِئَ قَوْلُهُ تَعَالَى {لا تَحْسَبَنَّ}(٧) ولا تَحْسِبَنَّ وقولُه تَعَالَى {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ}(٨) وَرَوَى الأَزْهَرِيُّ عن جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيِّ ¥ أَنَّ النَّبِيَّ ÷ قَرَأَ يَحْسِبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ(٩).
  والحِسْبَةُ والحَسْبُ ( *) والتَّحْسيبُ: دَفْنُ المَيِّتِ فِي الحِجَارَةِ قَالَهُ الليثُ أَوْ مُحَسَّباً بِمَعْنَى مُكَفَّناً وأَنْشَدَ:
  غَدَاةَ ثَوَى فِي الرَّمْلِ غَيْرَ مُحَسَّبِ
  أَي غَيْرَ مَدْفُونٍ وقيل، غيرَ مُكَفَّنٍ وَلَا مُكَرَّمٍ، وقيل: غَيْرَ مُوَسَّدٍ، والأَوَّلُ أَحْسَنُ، قال الأَزهريُّ: لا أَعْرِفُ التَّحْسِيبَ بمَعْنَى الدَّفْنِ في الحِجَارَةِ ولا بِمَعْنَى التَكْفِينِ، والمَعْنَى في قَوْلِه غَيْرَ مُحَسَّبِ أَيْ غَيْرَ مُوَسَّدٍ، وقد أَنْكَرَهُ ابنُ فَارِسٍ أَيضاً كالأَزْهَرِيِّ، ونقَلَه الصاغانيُّ. وَحَسَّبَهُ تَحْسِيباً: وَسَّدَهُ، وحَسَّبَهُ: أَطْعَمَهُ وسَقَاهُ حَتَّى شَبِع وَرَوِيَ، كَأَحْسَبَهُ، وتَحَسَّبَ الرجلُ تَوَسَّدَ، ومن المَجَازِ: تَحَسَّبَ الأَخْبَارَ: تَعَرَّف وتَوَخَّى وَخَرَجَا يَتَحَسَّبَانِ الأَخْبَارَ: يَتَعَرَّفَانِهَا، وعن أَبِي عُبَيْدَ: ذَهَبَ فُلانٌ يَتَحَسَّبُ الأَخْبَارَ أَي يَتَحَسَّسُهَا وَيَتَجَسَّسُهَا بالجِيمِ ويَطْلُبُها، تَحَسُّباً، وفي حَدِيثِ الأَذَانِ «أَنهُمْ كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَسَّبُونَ الصَّلاةَ فَيَجِيئونَ بلا دَاعٍ» أَيْ يَتَعَرَّفُونَ ويَتَطَلَّبُونَ وَقْتَها ويتَوَقَّعُونَهُ، فَيَأْتُونَ المَسْجِدَ قَبْلَ [أَنْ يَسْمَعُوا](١٠) الأَذَانِ، والمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ «يَتَحَيَّنُونَ» أَي يَطْلُبُونَ حِينَهَا، وفي حديث بَعْضِ الغَزَوَاتِ «أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَسَّبُونَ الأَخْبَارَ» أَي يَتَطَلَّبُونَهَا وتَحَسَّبَ الخَبَرَ: اسْتَخْبَرَ عنه حِجَازِيَّةٌ، وقَالَ أَبو سِدْرَةَ الأَسَدِيُّ، ويُقَال إِنَّهُ هُجَيْمِيٌّ:
  تَحَسَّبَ هَوَّاسٌ وَأَيْقَنَ أَنَّنِي ... بِهَا مُفْتَدٍ مِنْ وَاحِدٍ لَا أُغَامِرُهْ
  يَقُولُ تَشَمَّمَ هَوَّاسٌ - وهو الأَسَدُ - نَاقَتِي فَظَنَّ أَنّي أَتْرُكُهَا له ولا أُقَاتِلُهُ.
  واحْتَسَبَ فُلَانٌ عَلَيْهِ: أَنْكَرَ عليه قَبِيحَ عَمَلِه ومنه المُحْتَسِبُ، يُقَالُ: هُوَ مَحْتَسِبُ البَلَدِ، وَلَا تَقُلْ مُحْسِبُه، واحْتسب فلانٌ ابْناً لَهُ أَوْ بِنْتاً إِذَا مَاتَ كَبِيراً(١١)، فإِنْ مَات صَغِيراً لَمْ يَبلُغِ الحُلُمَ قيل: افْتَرَطَهُ فَرَطاً، وفي الحَدِيثِ
(١) في معجم البلدان: فعلان.
(٢) فالأَحاوص جمع أحوص، وهو الضيق العين، جمع عند العلمية على أحاوص وهو في الأصل صفة. قال الشاعر:
أتاني وعبد الحوص من آل جعفر ... فيا عبد عمرو لو نهيت الأحاوصا
فقال الحوص نظراً إلى الوصفية، والأحاوص نظراً إلى الاسمية.
(٣) وزيادة عن اللسان، وبهامشه: قوله والكسر أجود اللغتين هي عبارة التهذيب.
(*) في القاموس: بالكسر.
(٤) في اللسان: «ففتح» وهو أجود باعتبار ما يأتي.
(٥) كذا وقد ذكر ثلاثة أحرف وأشار إلى هذا النقص في هامش المطبوعة المصرية. وفي الصحاح - وبعد يحسب - ذكر فيه: وبئس يبأس ويبئس.» وفي اللسان: يبِس يببَس وييبِس.
(٦) زيادة عن الصحاح.
(٧) من الآية ١٦٩ من سورة آل عمران وإبراهيم ٤٢.
(٨) سورة الكهف الآية ٩. وبهامش المطبوعة المصرية: «قوله وقرئ الخ كذا بخطه ولم يذكر ما قرئ به فيهما، وقوله أم حسبت هذا لا محل لذكره لأن الكلام في المضارع وقوله الآتي يحسب أن ماله أخلده يعني بكسر السين كما ضبطه بالشكل».
(٩) سورة الهمزة الآية ٣.
(*) في القاموس: والحَسْبُ والحِسْبَةُ بالكسر.
(١٠) زيادة عن اللسان.
(١١) اللسان: وهو كبير.