تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الغين مع الضاد

صفحة 115 - الجزء 10

  وأَغْمَضَ حَدَّ السَّيْفِ: رَقَّقَهُ، كغَمَّضَه تَغْمِيضاً، الأَخيرُ عن الزَّمَخْشَرِيّ.

  وكَذَا أَغْمَضَ فُلانٌ فُلاناً، إِذَا حَاضَرَه فسَبَقَهُ بَعْدَ ما سَبَقَه ذَلكَ، عن ابْن عَبَّادٍ أَيْضاً، كما نَقَلَه الصّاغَانِيّ.

  ويُقَالُ: إِنَّ المُغْمِضَات،⁣(⁣١) من الذُّنُوبِ الَّتِي يَرْكَبُهَا الرَّجُلُ وهو يَعْرِفُهَا، كما في العُبَاب. قُلْتُ: وهو في حَديث مُعَاذٍ: «إِيَّاكُم ومُغْمِضَاتِ⁣(⁣٢) الأُمُورِ» وفي رواية: والمُغْمِضَاتِ منَ الذُّنُوب. وهي الأُمُورُ العَظِيمَةُ الَّتي يَرْكَبُهَا وهو يَعْرِفُهَا، فكأَنَّه يُغْمِضُ عَيْنَيْه عنها تَعَامِياً⁣(⁣٣) وهو يُبصِرُهَا. قال ابنُ الأَثير، ورُبَّمَا رُوِيَ بفَتْحِ الميم، وهي الذُّنُوبُ الصّغار، سُمِّيَت لأَنَّهَا تَدِقُّ وتَخْفَى فيَرْكَبُهَا الإِنْسَانُ بضَرْبٍ من الشُّبْهَة ولا يَعْلَمُ أَنَّه مُؤَاخَذٌ بارْتِكَابِهَا.

  وغَمَّضَت النَّاقَةُ تَغْمِيضاً: رُدَّت، هكذا في نُسَخِ الصّحاح، وفي بعضها: ذِيدَتْ، ومثلُه في الأَسَاسِ، عن الحَوْض فحَمَلَتْ على الذَّائِدِ مُغَمّضَةً عَيْنَيْهَا فوَرَدَتْ. وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لِأَبي النَّجْمِ، زادَ الصّاغَانِيُّ: يَصف نَاقَةً:

  تَخَبِّطُ الذائدَ إِنْ لم يَزْحَلِ ... تَغْشَى العَصَا والزَّجْرَ إِنْ قال حَلِ

  يُرْسِلُهَا التَّغْمِيضُ إِنْ لم تُرْسَلِ

  قلت: وبعده:

  خَوْصَاءَ تَرْمِي باليَتِيم المُحْثَلِ ويقال: غَمَّضَ فُلانٌ عَلَى هذَا الأَمْرِ، إِذَا مَضَى وهو يَعْلَمُ ما فيه، كما في العُبَاب. وغَمَّضَ الكَلامَ: أَبْهَمَهُ وهو خِلافُ أَوْضَحَهُ، كما في الصّحاح.

  وما اغْتَمَضَتْ عَيْنَايَ، أَي ما نَامَتَا، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ والصّاغَانِيّ.

  وقال الأَصْمَعيُّ: يُقَال: أَتَانِي ذلكَ عَلَى اغْتِمَاضٍ، أَي عَفْواً بلا تَكَلُّفٍ ولا مَشَقَّةٍ، وهو مَجَاز. قال أَبُو النَّجْم:

  والشِّعْرُ يَأْتِينِي على اغْتِمَاضِ⁣(⁣٤) ... طَوْعاً وكَرْهاً وعلى اعْتِرَاضِ

  أَي أَعْتَرِضُهُ اعْتِرَاضاً فآخُذُ منه حَاجَتِي، من غَيْر أَنْ أَكُونَ قدَّمْتُ الرَّوِيَّةَ فيه.

  وانْغِمَاضُ الطَّرْفِ: انْغِضَاضُهُ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ والصَّاغَانِيُّ. والمُصَنِّفُ لم يَذْكُر انْغِضَاضَ الطَّرْفِ في مَوْضِعِهِ، فهو إِحَالَةٌ على غَيْر مَذْكُور.

  وقال اللَّيْثُ: جَاءَ رَجُلٌ بصَدَقَةٍ من حَشَفِ التَّمْرِ فأَلْقَاهُ في خِلَالِ الصَّدَقَةِ، فأَنْزَلَ الله تَعَالَى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ⁣(⁣٥) أَي لا تُنْفِقْ في قَرْضِ رَبِّكَ خَبِيثاً، فإِنَّك لو أَرَدْتَ شِرَاءَهُ لَمْ تَأْخُذْهُ حَتَّى تُغْمِضَ فيه، أَي تَحُطَّ من ثَمَنِهِ. وقَال الزَّجَّاجُ: أَي أَنْتُمْ لا تَأْخُذُونَهُ إِلاّ بوَكْسٍ، فكَيْفَ تُعْطُونَهُ في الصَّدَقَةِ.

  وقال الفَرَّاءُ: لَسْتُم بآخِذِيهِ إِلاَّ عَلَى إِغْمَاضٍ أَو بِإِغْمَاضٍ.

  ويَدُلُّك على أَنَّهُ جَزَاءٌ أَنَّكَ تَجِدُ المَعْنَى: إِنْ أَغْمَضْتُمْ بَعْدَ الإِغْمَاضِ أَخَذْتُمُوهُ. وقَرَأَ البَرَاءُ بنُ عازِبٍ، ¥، والحَسَنُ البَصْرِيُّ، وأَبُو البَرَهْسَم: إِلاَّ أَنْ تَغْمِضُوا فيه بِفَتْحِ التّاءِ، وقد سَبَقَ معناه.

  * وممَّا يُسْتَدْرَك عليه:

  ما غَمَضْتُ، ولا أَغْمَضْتُ، ولا اغْتَمَضْت، أَي ما نمْتُ.

  لُغَاتٌ كُلُّهَا.

  واغْتَمَضَ البَرْقُ: سَكَنَ لَمَعَانهُ، وهو مَجَازٌ، كالنَّائِم تَسْكُنُ حَرَكَاتهُ، قال:

  أَصاحِ تَرَى البَرْقَ لَمْ يَغْتَمِضْ ... يَمُوتُ فُوَاقاً ويَشْرَى فُوَاقَا

  وأَغْمَضَ طَرْفَه عَنّي وغَمَّضَه: أَغْلَقَه. وأَغْمَضَ المَيِّتَ وغَمَّضَهُ، إِغْمَاضاً وتَغْمِيضاً. وتَغْمِيضُ العَيْنِ: إِغْماضُهَا.

  وغَمَّضَ عَلَيْه وأَغْمَضَ: أَغْلَقَ عَيْنَيْه. أَنْشَدَ ثَعْلَبٌ لحُسَيْن بن مُطَير الأَسَديِّ:


(١) ضبطت في التكملة بضم ففتح فميم مشددة مكسورة. ومثلها في اللسان في حديث معاذ.

(٢) ضبطت عن النهاية، وضبطت في اللسان بتشديد الميم.

(٣) النهاية: «تعاشياً» وتعاشى: تجاهل. قاموس.

(٤) في التهذيب: على اغتماضي.

(٥) سورة البقرة الآية ٢٦٧.