تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الفاء مع الضاد

صفحة 130 - الجزء 10

  في الصّحاحِ، وقِيلَ: بكَثْرَةٍ، أَوْ رَجَعُوا وتَفَرَّقُوا، أَو أَسْرَعُوا مِنهَا إِلى مَكَانٍ آخَرَ. الأَخِيرُ مَأْخُوذٌ من قَولِ ابنِ عَرَفَةَ. وبكُلِّ ذلِكَ فُسِّر قَولُه تَعَالَى: {فَإِذا} أَفَضْتُمْ {مِنْ عَرَفاتٍ}⁣(⁣١) قال أَبُو إِسْحَاقَ: دَلَّ بهذَا اللَّفْظِ أَن الوُقُوفَ بِهَا وَاجِبٌ، لأَنَّ الْإِفَاضَةَ لا تَكُونُ إِلا بَعْدَ وُقُوفٍ. وَمَعْنَى أَفَضْتُمْ: دَفَعْتُمْ بكَثْرَةٍ. وقال خالِدُ بنُ جَنْبَةَ: «الإِفَاضَةُ: سُرْعَةُ الرَّكْضِ. وأَفَاضَ الرَّاكِبُ إِذا دَفَعَ بَعِيرَهُ سَيْراً بَيْنَ الجَهْدِ ودُونَ ذلِكَ، قال: وذلِكَ نِصْفُ عَدْوِ الإِبِلِ عَلَيْهَا الرُّكْبَانُ، ولا تَكُونُ الْإِفَاضَةُ إِلاَّ وعَلَيْهَا الرُّكْبَانُ. وقال غَيْرُهُ: الْإِفَاضَةُ: الزَّحْفُ والدَّفْعُ في السَّير بكثرةٍ، ولا يكُونُ إِلاَّ عن تَفرُّقٍ وجَمْعٍ. وأَصْلُ الإِفَاضَةِ: الصَّبُّ، فاسْتُعِيرَتْ للدَّفْعِ في السَّيرِ، وأَصْلُهُ أَفَاضَ نَفْسَهُ أَو رَاحِلتَهُ، ولذلِكَ فَسَّرُوا أَفَاضَ بدَفَعَ، إِلاَّ أَنَّهُمْ رَفَضُوا ذِكْر المَفْعُولِ، ولرَفْضِهِمْ إِيّاه أَشْبَهَ غَيْرَ المُتَعَدِّي، ومنه طَوَافُ الإِفَاضَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، يُفِيضُ مِنْ مِنًى إِلى مَكَّةَ فيَطُوفُ ثُمَّ يَرْجِعُ.

  قال الجَوْهَرِي: وكُلُّ دَفْعَةٍ إِفَاضَةٌ.

  وأَفَاضُوا في الحَديثِ: انْتَشَرُوا. وقال اللِّحْيَانِيّ: هُوَ إِذا انْدَفَعُوا فيهِ وخاضَوا، وأَكْثَرُوا. وفي التَّنْزِيلِ العَزِيزِ: {إِذْ} تُفِيضُونَ {فِيهِ}⁣(⁣٢) أَي تَنْدَفِعُونَ فِيهِ وتَنْبَسِطُونَ في ذِكْره.

  وحَدِيثٌ مُفَاضُ فِيهِ، ومنه قوْلُهُ تَعَالَى أَيْضاً: {لَمَسَّكُمْ فِيما} أَفَضْتُمْ⁣(⁣٣).

  وأَفَاضَ الْإِنَاءَ: أَتْأَقَهُ. عن اللِّحْيَانيّ. قال ابنُ سِيدَه: وعِنْدِي أَنَّهُ إِذا مَلَأَهُ حَتّى فَاضَ، وكَذلِك في الصّحاح والعُبَاب.

  ومن المَجَازِ: أَفاضَ القِدَاحَ، وأَفاضَ بِهَا، وعلَيْهَا: ضَرَبَ بِهَا. نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ، وأَنْشَدَ قَوْلَ أَبِي ذُؤَيْبٍ يَصِفُ حِمَاراً وأُتُنَهُ:

  فكَأَنَّهُنَّ رِبَابَةٌ وكَأَنَّهُ ... يَسَرٌ يُفِيضُ على القِدَاحِ ويَصْدَعُ

  قال: يَعْنِي: بالقِدَاحِ. وحُرُوفُ الجَرِّ يَنُوبُ بَعْضُها مَنَابَ بَعْضٍ. كَذَا في الصّحاح والعُبابِ. والَّذِي قَرَأْتُهُ في شَرْحِ الدِّيوَانِ: وكَأَنَّهُ يَسَرٌ: الَّذي يَضْرِبُ بالقِدَاحِ، وإِفَاضته أَن يُرْسِلَهَا ويَدْفَعَها. ويَصْدَعُ: يُفَرِّقُ بالحُكْمِ، أَيْ يُخْبِرُ بما يَجِيءُ به. ويُرْوَى: يَخُوضُ على القِدَاحِ. أَرادَ يَخُوضُ بالقِدَاحِ فلَمْ يَسْتَقِمْ، فأَدْخَلَ «عَلَى» مَكَانَ البَاءِ. فتَأَمَّلُ.

  وقال الأَزْهَرِيُّ: كُلُّ ما كانَ في اللُّغَةِ من بابِ الإِفَاضَةِ فَلَيْس يَكُونُ إِلاَّ عن تَفَرُّقٍ⁣(⁣٤) وكَثْرَةٍ.

  وفي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَخْرَجَ الله ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ ظَهْرِهِ، فأَفَاضَهُمْ إِفَاضَةَ القِدْحِ» هي الضَّرْبُ بِهِ وإِجالَتُه عِنْدَ القِمَارِ. والقِدْحُ: السَّهْمُ، وَاحِدُ القِدَاحِ الَّتي كَانُوا يُقَامِرُون بِهَا. ومنه حَدِيثُ اللُّقَطَةِ: «ثُمَّ أَفِضْهَا في مَالِكَ، أَيْ أَلْقِهَا فيه واخْلِطْهَا بِهِ.

  وأَفَاضَ البَعِيرُ: دَفَعَ جِرَّتَهُ مِنْ كِرْشِهِ فأَخْرَجَهَا. نَقَلَه الجوْهَرِيُّ. قال: ومنه قَوْلُ الشَّاعِرِ، قُلْتُ: وهو قَولُ الرَّاعِي:

  وأَفَضْنَ بَعْدَ كُظُومِهِنَّ بجِرَّةٍ ... مِنْ ذِي الأَبارِقِ إِذْ رَعَيْن حَقِيلاً⁣(⁣٥)

  وقِيلَ: أَفَاضَ البَعِيرُ بجِرَّتِهِ: رَمَاهَا مُتَفَرِّقَةً كَثِيرَةً. وقِيلَ: هو صَوْتُ جِرَّتِه ومَضْغِه. وقال اللِّحْيَانيّ: هو إِذَا دَفَعَها من جَوْفِهِ وأَنْشَدَ قَولَ الرَّاعِي. ويُرْوَى: مِنْ ذِي الأَباطِحِ⁣(⁣٦).

  ويُقَالُ: كَظَمَ البَعِيرُ إِذا أَمْسَكَ عَنِ الجِرَّةِ.

  والمُفَاضَةُ مِنَ الدُّرُوعِ: الوَاسِعَةُ. نَقَلَه الجَوْهَرِيّ. وقد أُفِيضَتْ، وأَفَاضَهَا عَلَيْه، كما يُقال صَبَّهَا عَلَيْه. وهو مَجاز.

  والمُفَاضَةُ مِنَ النِّسَاءِ: الضَّخْمَةُ البَطْنِ. كما في الصّحاح، وزَادَ في اللِّسان: المُسْتَرْخِيَةُ اللَّحْمِ، وقد أُفِيضَت، وزَاد غَيرُهُ: البَعِيدةُ الطُّولِ عن الاعْتِدَال. وفي الأَساسِ: هي خِلافُ المَجْدُولَةِ. وأَنْشَدَ الصّاغَانِيُّ لِامْرِئ القَيْسِ:

  مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءُ غَيْرُ مُفَاضَةٍ ... تَرَائِبُهَا مَصْقُولَةٌ كالسَّجَنْجَلِ

  وهو مَجَاز:

  ورجُلٌ مُفَاضٌ: وَاسِعُ البَطْنِ، والأُنْثَى مُفَاضَةٌ.

  وفي صِفَةِ النَّبِيّ ÷: كان النبيَّ ÷ مُفَاضَ البَطْنِ» أَي مُسْتوِيَ البَطْنِ مَعَ الصَّدْرِ. وقيل: المُفَاضُ: أَنْ يَكُونَ فيه امْتِلاءٌ، مِنْ فَيْضِ الإِناءِ، ويُرِيدُ أَسْفَلَ بَطْنِهِ.

  واسْتَفَاضَ: سَأَلَ إِفَاضَةَ الماءِ وغَيْرِه، كما في الصّحاح.


(١) سورة البقرة الآية ١٩٨.

(٢) سورة يونس الآية ٦١.

(٣) سورة النور الآية ١٤.

(٤) في التهذيب: تفرق أو كثرة.

(٥) ديوانه ص ٢٢٤ انظر تخريجه فيه. وحقيل بالقاف وادٍ في ديار بني عكل. وفي مطبوعة الصحاح الأولى حفيل بالفاء.

(٦) وهي رواية التهذيب.