تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[نبض]:

صفحة 159 - الجزء 10

  ونَبَضَ العِرْقُ يَنْبِضُ نَبْضاً ونَبَضَاناً، محرَّكةً، أَي تَحَرَّكَ وضَرَبَ، وقد يُسَمَّى العِرْقُ نَفْسُه نَبْضاً فيقولون: جَسَّ الطَّبِيبُ نَبْضَهُ، والأَفْصَحُ مَنْبِضَهُ.

  ونَبَضَ في قَوْسِهِ: أَصَاتَهَا، والذِي نَصَّ عليه أَبو حَنِيفَةَ: نَبَّضَ في قَوْسِهِ تَنْبِيضاً، وأَنْبَضَ، إِذَا أَصاتَهَا، وأَنْشَد:

  لَئِنْ نَصَبْتَ لِيَ الرَّوْقَيْنِ مُعْتَرِضاً ... لأَرْمِيَنَّكَ رَمْياً غيْرَ تَنْبِيضِ

  أَي لا يَكُون نَزْعِي تَنْبِيضاً وتَنْقِيراً، يَعنِي: لا يكونُ تَوَعُّداً، بل إِيقَاعاً. والمُصَنِّف صَحَّفَ قَوْلَ أَبي حَنِيفَةَ فانْظُرْه وتَأَمَّلْ. وكذلك قولُه: أَوْ حَرَّكَ وتَرَهَا لِتَرِنَّ، كأَنْبَضَ، فإِنّ الَّذِي نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ وابنُ سِيدَه والصّاغَانِيُّ والأَزْهَرِيُّ الاقْتِصارُ عَلَى أَنْبَضَ، قالوا: أَنْبَضْتُ القَوْسَ وأَنْبَضْتُ بالوَتَرِ، إِذا جَذَبْتَهُ ثُمَّ أَرْسَلْتَهُ لِتَرِنَّ. وفي المَثَلِ: «إِنْبَاضٌ بغَيْرِ تَوْتِيرٍ» هذا نَصُّ الجَوْهَرِيِّ، وفي المُحْكَم والتَّهْذِيب: أَنْبَضَ القَوْسَ مثلُ أَنْضَبَهَا: جَذَبَ وَتَرَهَا لِتُصوِّتَ، وأَنْبَضَ بالوَتَر، إِذا جَذَبَه ثُمَّ أَرْسَلَهُ لِيَرِنَّ، وأَنْبَضَ الوَتَرَ أَيضاً، إِذا جَذَبَه بغَيْرِ سَهْمٍ ثُمَّ أَرْسَلَه، عن يَعْقُوب. قال اللِّحْيَانِيُّ: الإِنْبَاضُ: أَنْ تَمُدَّ الوَتَرَ ثمّ تُرْسِلَه فتَسْمَعَ له⁣(⁣١) صَوْتاً. وفي كتاب العَيْن: الْإِنْبَاضُ: أَجْوَدُ في ذِكْرِ الوَتَرِ والقَوْسِ، كقول مُهَلْهِلٍ:

  أَنْبَضُوا مَعْجِسَ القِسِيِّ وأَبْرَقْ ... نا كما تُوعِدُ الفُحُولُ الفُحُولَا

  وقال الشَّمّاخُ يصفُ قَوْساً:

  إِذَا أَنْبَضَ الرَّامُون عنها تَرَنَّمَتْ ... تَرَنُّمَ ثَكْلَى أَوْجَعَتْهَا الجَنَائِزُ

  وفي الجَمْهَرَة: أَنْبَضَ الرَّجُلُ بالوَتَرِ، إِذا أَخَذَهُ بأَطْرَافِ إِصْبَعَيْهِ ثمّ أَطْلَقَه حتَّى يَقَعَ على عَجْسِ القَوْسِ فتسْمَع له صَوْتاً، وكذلِكَ في العُبَابِ والأَساس، وكلامُ الكُلِّ مُقَارِبٌ لبَعْضِه، وليس فيه ذِكْر نَبَضَ بالقَوْسِ، ولا نَبَضَ بالوَتَرِ، ثلاثيًّا، إِنَّمَا هو أَنْبَضَ وأَنْضَبَ، غير أَنَّ اللَّيْثَ جَوَّدَ الْإِنْبَاضَ. فَتَأَمَّلْ ما في كلامِ المُصَنِّف من الخِلافِ الشَّدِيدِ لنُصُوصِ الأَئِمَّةِ. وأَمَّا شيخُنَا ¦ فإِنَّهُ أَسْقَط هذَا الفَصْلَ برُمَّتِه، ولم يَذْكر شيْئاً.

  ونَبَضَ البَرْقُ: لَمَعَ لَمَعَاناً خَفِيًّا، كنَبَضَ العِرْقُ.

  وقولُهُم: مَا بِه حَبَضٌ ولا نَبَضٌ، بالتَّحْرِيكِ فيهِمَا، أَيْ: حَرَاكٌ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ هكَذا، ورَوَاه الصّاعَانِيُّ أَيضاً بالفَتْحِ فيهما، ونَقَلَ عن الأَصْمَعِيِّ قال: النَّبَضُ: التَّحَرُّك، ولا أَعرِفُ الحَبَضَ.

  قلتُ: وقد تَقَدَّم في «ح ب ض» الحَبَضُ، مُحَرَّكةً: التَّحَرُّك، وقِيلَ: الصَّوْتُ. وقال ابنُ دُرَيْدٍ: ما بِه حَبَضٌ ولا نَبَضٌ، أَي قُوَّةٌ، وفي اللِّسَانِ: ولم يُسْتَعْملْ مُتَحَرِّكُ الثّاني إِلاّ في الجَحْدِ. وفي كلامِه نَوْعُ قُصُورٍ يَظْهَرُ بالتَّأَمُّل.

  ومن المَجَاز: له فُؤَادٌ نَبْضٌ، ويُحَرَّك، وككَتِفٍ، الثّلاثَةُ ذَكَرَهُنَّ الصّاغَانِيُّ، وزادَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فُؤَادٌ نَبِيضٌ⁣(⁣٢)، كأَمِيرٍ، أَي شَهْمٌ رَوَّاحٌ⁣(⁣٣). قال الصّاغَانِيُّ: ويُنْشَدُ بالأَوْجُهِ الثَّلاثَةِ قولُ المُسَيَّبِ بنِ عَلَسٍ يَصِفُ ناقَةً.

  وإذا أَطَفْتَ بِهَا أَطَفْتَ بكَلْكَلٍ ... نَبْضِ الفَرَائِص مُجْفِرِ الأَضْلاعِ

  ووَضَع يَدَه عَلَى مَنْبِضِ القَلْبِ، هو حَيْثُ تَرَاهُ يَنْبِضُ، وحيثُ تَجِدُ هَمْسَ نَبَضَانِهِ، كما في الأَسَاسِ والعُبَاب.

  والمِنْبَضُ، كمِنْبَرٍ: المِنْدَفَةِ، وفي الصّحاحِ: المِنْدَفُ مثْل المِحْبَضِ، قال: وقالَ الخَلِيلُ قد جاءَ في بعضِ الشِّعْرِ: المَنَابِضُ: المَنَادِفُ. قلتُ: والمُرَادُ به قولُ الشّاعرِ:

  لُغَامٌ عَلَى الخَيْشُومِ بَعْدَ هِبَابِهِ ... كمَحْلُوجِ عُطْبٍ طَيَّرَتْه المَنَابِضُ

  وقالَ اللَّيْثُ: النَّابِضُ: اسمُ الغَضَب، صِفَةٌ غالِبَةٌ، وهو مَجَازٌ، يُقَال: نَبَضَ نَابِضُهُ، أَي هَاجَ غَضَبُه.

  * وممّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْه:

  نَبَضَتِ الأَمْعَاءُ تَنْبِضُ: اضْطَرَبَتْ، وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ:


(١) سقطت من المطبوعة الكويتية.

(٢) الذي في الأساس: له فؤاد نَبِض.

(٣) في الأساس: رُوَاغ.