تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[حيط]:

صفحة 229 - الجزء 10

  تَخْبِطُ الأَرْضَ بصُمٍّ وُقُحٍ ... وصِلَابٍ كالمَلَاطِيسِ سُمُرْ⁣(⁣١)

  أَرادَ أَنَّهَا تَضْرِبُهَا بأَخْفَافِهَا إِذا سَارَتْ، ومنه حَدِيثُ سَعْدٍ: «لا تَخْبِطُوا خَبْطَ الجَمَلِ، ولا تَمُطُّوا بآمِين» نَهَى أَنْ يُقَدِّمَ رِجْلَه عِنْدَ القِيَامِ من السُّجُودِ. وقيلَ: الخَبْطُ في الدّوابِّ: الضَّرْبُ بالأَيْدِي دُونَ الأَرْجُلِ فيكون للبَعِيرِ⁣(⁣٢) باليَدِ والرِّجْلِ، وكُلّ ما ضَرَبَه بيَدِه فقد خَبَطَه، أَنْشَدَ سِيبَوَيْه:

  فَطِرْتُ بمُنْصُلِي في يَعْمَلَاتٍ ... دَوَامِي الأَيْد يَخْبِطْنَ السَّرِيحَا⁣(⁣٣)

  وقيل: الخَبْطُ: الوَطْءُ الشديدُ، وقيل: هو من أَيْدِي الدَّوَابِّ.

  قال شيخُنا: عِبَارَةُ الكَشّافِ: الخَبْطُ: الضَّرْب على غَيْرِ اسْتِواء. وقالَ غيرُه: هو السَّيْرُ عَلَى غَيْرِ جَادَّةٍ أَو طَرِيقٍ وَاضِحَةٍ. وقيلَ: أَصْلُ الخَبْطِ: ضَرْبٌ مُتَوَالٍ على أَنْحَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ، ثُمّ تُجُوِّزَ بهِ عن كُلِّ ضَرْبٍ غير مَحْمُودٍ، وقيلَ: أَصْلُه ضَرْبُ اليَدِ أَو الرِّجْلِ ونَحْوِها. والمُصَنِّفُ جَعَلَ الخَبْطَ: الضَّرْبَ الشَّدِيدَ، وليس في شَيْءٍ مّما ذَكرْنَا إِلاّ أَن يَدْخُلَ في الضَّرْبِ الغيرِ المَحْمُودِ، فتأَمَّلْ.

  قُلت: قد تَقَدَّم أَنَّ الخَبْطَ بمَعْنَى الضَّرْبِ الشَّدِيدِ نَقَلَه المُصَنِّفُ عن المُحْكَم، وقال غَيْرُه: هو الوَطْءُ الشَّدِيدُ، ونَقَلَه في اللِّسَانِ، فحِينَئِذٍ لا يُحْتَاج إِلى التَّكَلُّفِ الَّذِي ذَهَب إِليه شَيْخُنَا من إِدْخَالِهِ في الضَّرْبِ الغَيْرِ المَحْمُودِ، وما نَقَلَه عن الكَشّافِ فإِنَّه مُسْتَعارٌ من خَبْطِ البَعِير، وكذا السَّيْرُ على غيرِ جَادَّةٍ. وقولُه: ولَفْظَةُ «كذا» في قَوْلِه: وكَذَا البَعِير، زيادةٌ غيرُ مُحْتَاجٍ إِليها، قلت: بل مْحْتَاجٌ إِليها، فإِنَّهُ أَشَارَ إِلى الضَّرْبِ الشَّدِيدِ، ومُرَادُه من ذلِكَ قولُهم: خَبَطَ البَعِيرُ بيَدِه الأَرْض، إِذا ضَرَبَها شَدِيداً، كما في الأَسَاسِ أَيْضاً، وتَقدَّمَ عن بَعْضِهَم أَنَّ الخَبْطَ هو الوَطْءُ الشَّدِيدُ. فلَوْ لَم يَذْكُرْ لَفْظَةَ كذَا، احْتَاجَ إِلَى زِيَادَةِ قَوْلِه: ضَرَبَهَا شَدِيداً، أَو كان يُفْهَم منه مُطْلَقُ الضَّرْبِ، كما هو في الصّحاحِ، فتأَمَّل.

  كتَخَبَّطَهُ واخْتَبَطَهُ. وفي العُبَابِ: كُلُّ مَنْ ضَرَبَه بيَدِه فَصَرَعَهُ فقد خَبَطَهُ وتَخَبَّطَهُ. واخْتَبَطَ البَعِيرُ، أَي خَبَطَ، قال جَسّاسُ بنُ قُطَيْبٍ يَصِفُ فَحْلاً:

  خَوَّى قَلِيلاً غَيْرَ ما اخْتِباطِ ... على مَثَانِي عُسُبٍ سِبَاطِ

  وفي التّهْذِيب: قال شُجَاعٌ: يقال: تَخَبَّطَنِي برِجْلِه، وخَبَطَنِي، بمعْنًى وَاحِدٍ، وكذلِكَ تَخَبَّزَني وخَبَزَنِي.

  وخَبَطَهُ يَخْبِطُه خَبْطاً: وَطِئَهُ شَدِيداً كخَبْطِ البَعِيرِ بِيَدِه.

  وخَبَطَ القَوْمَ بسَيْفَه: جَلَدَهُم، وهو مَجَازٌ من خَبْطِ الشَّجَرِ، كما في الأَسَاس.

  وخَبَطَ الشَّجَرةَ بالعَصَا يَخْبِطُهَا خَبْطاً: شَدَّهَا ثُمَّ ضَرَبَهَا بالعَصَا ونَفَضَ وَرَقَهَا ليَعْلِفَهَا الإِبِلَ والدّوَابَّ، وفي التَّهْذِيبِ: الخَبْطَ: ضَرْبُ وَرَقِ الشَّجَرِ حتّى يَنْحاتَّ عنه، ثم يَسْتَخْلِف من غير أَنْ يَضُرَّ ذلِكَ بأَصْلَ الشَّجَرَة وأَغْصَانِهَا. وقال اللَّيْثُ: الخَبْطُ: خَبْطُ وَرَقِ العِضَاهِ من الطَّلْحِ ونحْوِه يُخْبَطُ بالعَصَا فيَتَنَاثَرُ ثمّ يُعْلَفُ الإِبلُ. قال ابنُ الأَثِيرِ: ومنه حَدِيثُ عُمَرَ: «لَقَد رَأَيْتُنِي بهذَا الجَبَلِ أَحْتَطِبُ مَرَّةً وأَخْتَبِطُ أُخْرَى»⁣(⁣٤). و الحَدِيثُ الآخَر: «سُئِلَ: هَلْ يَضُرُّ الغَبْطُ؟ قَال: لا إِلاّ كما يَضُرُّ العِضاهَ الخَبْطُ» الغَبْطُ: حَسَدٌ خاصٌّ، فأَرَادَ أَنّ الغَبْطَ لا يَضُرُّ ضَرَرَ الحَسَدِ، وأَنَّ ما يَلْحَقُ الغابِطَ من الضَّرَر الرّاجِعِ إلى نُقْصَانِ الثَّوَابِ دُونَ الإِحْبَاطِ بقَدْرِ مَا يَلْحَقُ العِضَاهَ من خَبْطِ وَرَقِهَا الَّذِي هو دُونَ قَطْعِها واسْتِئْصالِهَا، ولأنَّه يَعُودُ بعدَ الخَبْطِ وَرَقُهَا، فهو وإِنْ كان فيه طَرَفٌ من الحَسَد فهو دُونَه في الإِثْم.

  وخَبَطَ اللَّيْلَ يَخْبِطُه خَبْطاً: سارَ فيهِ عَلَى غَيْرِ هُدًى، وهو مَجاز، ويُقَال: باتَ يَخْبِطُ الظَّلْمَاءَ، قال ذُو الرُّمَّة:

  سَرَتْ تَخْبِطُ الظِّلْمَاءَ مِن جَانِبَيْ قَسًى ... وحُبَّ بَها مِن خَابِطِ اللَّيْلِ زائِرُ


(١) ديوانه والرواية فيه:

جافلات فوق عُوج عجل ... ركبت فيها ملاطيس سُمُرْ

فلا شاهد في هذه الرواية.

(٢) في اللسان: وقيل: يكون للبعير ...

(٣) نسب بحواشي المطبوعة الكويتية لمضريّ بن ربعي الفقعسي الأسدي.

(٤) في النهاية: أي أضرب الشجر لينتثر الخبط منه.