تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[جرشع]:

صفحة 62 - الجزء 11

  وِذُو جَرَعٍ، مُحَرَّكةً: رَجُلٌ من أَلْهَانَ بنِ مالِك بنِ زَيْدِ بن أَوْسَلَةَ⁣(⁣١) أَخِي هَمْدَانَ بنِ مالِكٍ قَبِيلَتَانِ في اليَمَنِ.

  وِالجَرَعَةُ، بِهاءٍ: ع، قُرْبَ الكُوفَةِ، كانَتْ فِيه فِتْنَةٌ.

  وِمِنْهُ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ: جِئْتُ يَوْمَ الجَرَعَة فإِذَا رَجُلٌ جالِسٌ»: يُقَالُ: خَرَجَ فِيهِ أَهْلُ الكُوفَةِ إلَى سَعِيد بْنِ العَاصِ ¥، وكان قَدْ قَدِمَ والِياً عليهِمْ مِن قِبَلِ عُثْمَانَ ¥ فَرَدُّوهُ ووَلَّوْا أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ ¥، وسَأَلُوا عُثْمَان، ¥، فأَقَرَّه علَيْهِم.

  وِالجرْعَةُ، مُثَلَّثَةً، من الماءِ: حَسْوَةٌ مِنْهُ، أَوْ هو بالضَّمِّ، والفَتْح: الاسْمُ مِن جَرِعَ الماءَ يَجْرَعُ جَرْعاً، كسَمِعَ وَمَنَعَ، الأَخِيرَةُ لُغَةٌ، وأَنْكَرَهَا الأَصْمَعِيُّ، كما في الصّحاح، أَيْ بَلِعَهُ.

  وِالجُرْعَةُ، بالضَّمِّ: ما اجْتَرَعْتَ وفي اللّسَانِ: قِيلَ: الجَرْعَةُ، بالفَتْحِ، المَرَّةُ الوَاحِدَةُ. وبالضَّمّ: ما اجْتَرَعْتَهُ، الأَخِيرَةُ للمُهْلَةِ، على ما أَراهُ سِيبَوَيْه في هذا النَّحْو، والجُرْعَةُ: مِلْءُ سِيبَوَيْه في هذا النَّحْو، والجُرْعَةُ: مِلْءُ الفَمِ يَبْتَلِعُهُ. وجَمْعُ الجُرْعَةِ جُرَعٌ. وفي حَدِيثِ المِقْدَادِ: «ما به حَاجَةٌ إلى هذِه الجُرْعَةِ» قالَ ابنُ الأَثِيرِ: تُرْوَى بالفَتْحِ والضَّمِّ، فالفَتْحُ: المَرَّةُ الوَاحِدَةُ منه، والضَّمُّ: الاسْمُ مِن الشُّرْبِ اليَسِيرِ، وهو أَشْبَهُ بالحَدِيثِ، ويُرْوَى بالزَّايِ، كَمَا سَيَأْتِي.

  وِبِتَصْغِيرِهَا جَاءَ المَثَلُ «أَفْلَتَ فُلانٌ جُرَيْعَةَ الذَّقَنِ» مِن غَيْرِ حَرْفٍ، «أَوْ بجُرَيْعَةِ الذَّقَنِ، أَوْ بِجُرَيْعَائِهَا» قال الصّاغَانِيّ: أَفْلَتَ هُنَا لازِمٌ، ونَصَبَ جُرَيْعَةَ عَلَى الحَالِ، كَأَنَّهُ قالَ: أَفْلَتَ قاذفاً جُرَيْعَةَ الذَّقَنِ، وهي كِنَايَةٌ عَمّا بَقِيَ مِن رُوحِه، أَيْ نَفْسُهُ صَارَتْ في فِيه، وقَريباً مِنْهُ، قُرْبَ الجُرْعَةِ مِن الذَّقَنِ. وفي اللِّسَان: أَي وقُرْبُ المَوْتِ مِنْهُ كقُرْبِ الجُرَيْعَةِ من الذَّقَنِ. واقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ علَى الرِّوَايَةِ الثّانِيَةِ، وقالَ: إذا أَشْرف علَى التَّلَفِ ثُمَّ نَجَا. قال الفَرّاءُ: هو آخِرُ ما يَخْرُجُ مِنَ النَّفْسِ، انْتَهَى. زادَ في اللِّسَانِ: يُرِيدُونَ أَنَّ نَفْسَهُ صارَت في فِيهِ، فَكَادَ يَهْلِكُ، فَأَفْلَتَ وتَخَلَّصَ. وفي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ: أَفْلَتَنِي جُرَيْعَةَ الَّذَّقَنِ. قال الصّاغَانِيّ: وأَفْلَتَ - علَى هذِهِ الرِّوَايَةِ - يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَدِّياً، ومَعْنَاهُ: خَلَّصَنِي ونَجّانِي، ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لازِماً، ومَعْنَاه تَخَلَّصَ ونَجَا مِنِّي، وأَرادَ بأَفْلَتَنِي أَفْلَتَ مِنّي، فحَذَفَ وَوَصَلَ الفِعْلَ، كقَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ:

  وِأَفْلَتَهُنَّ عِلْبَاءٌ جَرِيضاً ... وِلَوْ أَدْرَكْنَهُ صَفِرَ الوِطابُ

  أَرادَ أَفْلَتَ مِنَ الخَيْل. وجَرِيضاً حالٌ من عِلْبَاء. وتَصْغِيرُ جُرَيْعَة [تَصْغِيرُ] تَحْقِير وتَقْلِيل، وأَضافَها إلَى الذَّقَنِ لأَنَّ حَرَكَةَ الذَّقَنِ تَدُلُّ عَلَى قُرْبِ زُهُوقِ الرُّوحِ، والتَّقْدِيرُ أَفْلَتَنِي مُشْرِفاً عَلَى الهَلَاكِ، ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جُرَيْعَة بَدَلاً مِنَ الضَّمِيرِ في أَفْلَتَنِي، أَيْ أَفْلَتَ جُرَيْعَة ذَقَنِي، أَي باقِي رُوحِي، وتَكُونُ الأَلِفُ والّلّامُ في الذَّقَنِ بَدَلاً مِن الإضَافَةِ، كقَوْلِه تَعَالَى: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى}⁣(⁣٢)، أَيْ عَنْ هَوَاهَا، ومَنْ رَوَى: بجُرَيْعَةِ الذَّقَنِ فمَعْنَاهُ خَلّصَنِي مَعَ جُرَيْعَةِ الذَّقَنِ، كَما يُقَالُ: اشْتَرَى الدّارَ بآلاتِهَا، أَيْ مَعَ آلَاتِهَا، وقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءُ من ذلِكَ في «ج ر ض» وفي «ف ل ت».

  وِناقَةٌ مُجْرِعٌ، كمُحْسِنٍ: لَيْس فِيهَا ما يُرْوِي، وإنَّمَا فِيهَا جُرَعٌ، ج: مَجارِيعُ، نَقَلَهُ ابْنُ عَبّادٍ، وأَنْشَد:

  وِلا مَجارِيعَ غَدَاةَ الخِمْسِ

  وقال الجَوْهَرِيّ: نُوقٌ مَجَارِيعُ: قَلِيلاتُ اللَّبَنِ، كأَنَّهُ لَيْسَ فِي ضُرُوعِهَا إلَّا جُرَعٌ، فلَمْ يَذْكُرِ المُفْرَدَ، وزادَ في اللِّسَانِ: ونُوقٌ مَجَارِعُ كذلِكَ.

  وِاجْتَرَعَهُ: بَلَعَهُ، كجَرَعَهُ، وقِيلَ: جَرَعَهُ بمَرَّةٍ، نَقَلَهُ الصّاغَانِيّ.

  وِقالَ ابنُ عَبَّادٍ: اجْتَرَع العُودَ، أَي اكْتَسَرَهُ⁣(⁣٣)، لُغَةٌ في اجْتَزَعَهُ.

  وِمِنَ المَجَازِ: جَرَّعَهُ الغُصَصَ، أَيْ غُصَصَ الغَيْظِ، كما في الصّحاح، تَجْرِيعاً فَتَجَرّع هو، أَي كَظَمَ.

  * وممّا يُسْتَدْركُ عَلَيْه:

  التَّجَرُّعُ: مُتَابَعَةُ الجَرْع مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كالمُتَكَارِهِ، قالَ الله ø {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ}⁣(⁣٤) وقَالَ ابنُ الأَثِيرِ:


(١) وهو أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك زيد بن كهلان بن سبأ انظر جمهرة ابن حزم ص ٣٩٢.

(٢) سورة النازعات الآية ٤٠.

(٣) في التكملة: كسره.

(٤) سورة ابراهيم الآية ١٧.