تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[رجع]:

صفحة 151 - الجزء 11

  دَناءَةٌ وشَرَهٌ وإِسْفَافٌ لمَدَاقِّ المَطَامِعِ، يُقَال مِن ذلِكِ: هو رَاضِعٌ رَاثِعٌ، وقد رَثِعَ رَثَعاً، من حدِّ فَرِحَ.

  [رجع]: رَجَعَ بنَفْسِه يَرْجِعُ رُجُوعاً ومَرْجِعاً، كمَنْزِلٍ، ومَرْجِعَةً، كمَنْزِلَةٍ. ومنه قَولُه تعالَى: {ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ}⁣(⁣١) شاذّانِ؛ لأَنَّ المَصَادِرَ من فَعَلَ يَفْعِلُ، أَي بفَتْحِ العَيْنِ في الماضِي وكَسْرِهَا في المُضَارِعِ إِنَّمَا تَكُونُ بالفَتْح، كما في الصّحاحِ، وفي اللِّسَانِ: قَوْلُه تَعَالَى: {إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً}⁣(⁣٢) أَي رُجُوعُكم، حكاه سِيبَوَيْه فيما جاءَ من المَصادِرِ التي من فَعَل يَفْعِلُ على مَفْعِل بالكَسْرٍ، ولا يَجُوزُ أَنْ يَكُون هنا اسمَ المكان؛ لأَنَّهُ قد تَعَدَّى بِإِلى، وانتَصَبَ عنه الحالُ، واسمُ المَكانِ لا يَتَعَدَّى بحرفٍ، ولا يَنْتَصِبُ عنه الحالُ. إِلّا أَنَّ جُمْلَة البابِ في فَعَل يَفْعِلُ أَن يكونَ المَصْدَرُ على مَفْعَل، بفتحِ العَينِ، ورُجْعَى ورُجْعَاناً، بضَمِّهِما: انْصَرَفَ، وفي التَّنْزِيل: {إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى}⁣(⁣٣) أَي الرُّجُوعَ.

  وِرَجَعَ الشَّيْءَ عن الشَّيْءِ، ورَجَعَ إِلَيْهِ، وهذِه عن ابن جِنِّي رَجْعاً ومَرْجِعاً، كمَقْعَدٍ ومَنْزِلٍ: صَرَفَه ورَدَّهُ، كأَرْجَعَهُ وهذِهِ لغةٌ هُذَيْلٍ، كما نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، قال شيخُنَا: وهي ضَعِيفَةٌ رَدِيئَةٌ، كما صَرَّح به غيرُ وَاحِدِ، فلا اعْتِدَادَ بإِطْلاقِ المُصَنِّف إِيّاها، كالمَشْهُور. قلت: أَمّا كونُها لغةَ هُذَيْل فقد صرَّح بهِ غيرُ وَاحِدٍ، وأَما كَوْنُهَا ضَعِيفَةً ردِيئَةً فلم أَرَ أَحَداً من الأَئمَّةِ صَرَّح بذلِكَ، كيفَ وقد حَكَى أَبو زَيْدٍ عن الضَبِّيِّينَ أَنَّهم قَرَأُوا أَفَلَا يَروْنَ أَنْ لَا يُرْجِعَ إِلَيْهِم قَوْلاً⁣(⁣٤)، وقوله ø: قالَ رَبِّ أَرْجِعُونِ⁣(⁣٥).

  وقالَ الرّاغِبُ في المُفْرَداتِ: الرُّجُوع: العَوْدُ إِلى ما كانَ مِنْهُ البَدْءُ، أَو تَقْدِيرُ البَدْءِ مكاناً كان أَو فِعْلاً أَو قَوْلاً، وبذَاتِه كان رُجُوعه أَو بجُزْءٍ من أَجْزائِه، أَو بِفِعْلٍ من أَفْعَالِه، فالرُّجوع: العَوْدُ، والرَّجْعُ: الإِعَادةُ. قلتُ: أَيّ رَجَعَ كان: لازماً، أَو وَاقِعاً، فمصدرُه لازِماً الرُّجُوعُ، ومَصْدَرُه واقِعاً الرَّجْعُ، يقال: رَجَعْتُه رَجْعاً، فرَجَع رُجُوعاً. قال شَيْخُنَا: هذا هو المَشْهُور المَعْرُوف سَمَاعاً وقِياساً، وزَعَمَ بعضُ أَنَّ الرَجْعَ يَكُونُ مَصْدراً لللَّازِمِ. قال الراغِبُ: فمِنَ الرُّجُوعِ قَولُه تَعالى: {لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ}⁣(⁣٦)، {فَلَمّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ}⁣(⁣٧)، {وَلَمّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ}⁣(⁣٨)، {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا}⁣(⁣٩) ومن الرَّجْع قولُه تَعَالَى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ}⁣(⁣١٠)، وقولُه تَعَالَى: {ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ}⁣(⁣١١) يَصِحُّ أَنْ يكونَ من الرُّجُوعِ، ويَصِحُّ أَنْ يكونَ من الرَّجْع. وقُرِئ {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ}⁣(⁣١٢) بِفَتْحِ التاءِ وضَمِّها، وقوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}⁣(⁣١٣) أَي عن الذَّنْبِ، وقولُه تَعالى: {وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ}⁣(⁣١٤) أَي: حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ أَنْ يَتُوبُوا ويَرْجِعُوا عن الذَّنْب تَنْبِيهاً على أَنّه لا تَوْبَةَ بعدَ المَوْتِ، كما قيل: {ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً}⁣(⁣١٥) وقولُه تَعالَى: {بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}⁣(⁣١٦) فمن الرُّجُوعِ، أَو من رَجْع الجَوَابِ، وقولُه تَعالَى: {ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ}⁣(⁣١٧) فمن رَجْع الجَوَابِ لا غَيْرُ، وكذا قولُه: {فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥}.

  قلتُ: ومن المُتَعَدِّي حَدِيث السُّجُودِ⁣(⁣١٨): فإِنَّه يُؤَذِّن بلَيْلٍ ليَرْجِعَ قائِمَكُم ويوقِظَ نائِمَكم» والقائِمُ: هو الَّذِي يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ، ورُجُوعه: عَوْدُه إِلى نَوْمِه، أَوْ قُعُودُه عن صَلاتِه إِذا سَمِعَ الأَذانَ.

  وِقال ابنُ الفَرَج: سَمِعْتُ بعضَ بَنِي سُلَيْم يَقُولُ: قد رَجَعَ كَلامِي فيه ونَجَع، بمَعْنَى أَفَادَ، وهو مَجَاز.

  وِرَجَعَ العَلَفُ في الدَّابَّةِ ونَجَعَ: إِذا تَبَيَّن أَثرُهُ فِيها، وهو مَجَازٌ.

  وِيُقال: أَرْسَلْتُ إِليْك فما جَاءَنِي رُجْعَى رِسَالتِي،


(١) سورة الأنعام الآية ١٦٤.

(٢) سورة المائدة الآية ٤٨ و ١٠٥.

(٣) سورة العلق الآية ٨.

(٤) سورة طه الآية ٨٩.

(٥) سورة «المؤمنون» الآية ٩٩.

(٦) سورة «المنافقون» الآية ٨.

(٧) سورة يوسف الآية ٦٣.

(٨) سورة الأعراف الآية ١٥٠.

(٩) سورة النور الآية ٢٨.

(١٠) سورة التوبة الآية ٨٣.

(١١) سورة الأنعام الآية ٦٠.

(١٢) سورة البقرة الآية ٢٨١.

(١٣) سورة آل عمران الآية ٧٢.

(١٤) سورة الأنبياء الآية ٩٥.

(١٥) سورة الحديد الآية ١٣.

(١٦) سورة النمل الآية ٣٥.

(١٧) سورة النحل الآية ٢٨.

(١٨) في النهاية واللسان: السحور.