تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الشين المعجمة مع العين

صفحة 248 - الجزء 11

  شَفَعُوا لَهَا، من الشَّفَاعَةِ.

  وِقولُه تَعَالَى: مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً (يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها)⁣(⁣١): أَي مَنْ يَزِدْ عَمَلاً إِلى عَمَلٍ، من الشَّفْعِ، وهو الزِّيَادَةُ، كما في العُبَابِ، وقال الرّاغِبُ: أَي مَنِ انْضَمَّ إلى غَيْرِه وعاوَنَه، وصارَ شَفْعاً له أَو شَفِيعاً في فِعْل الخَيْرِ أَو الشَّرِّ، فعَاوَنَهَ أَو شَارَكَه⁣(⁣٢) في نَفْعِه وضُرِّه، وقِيلَ: الشَّفَاعَةُ هُنَا: أَنْ يُشْرِع الإِنْسَانُ للآخِرَةِ⁣(⁣٣) طَرِيقَ خَيْرِ أَو شَرٍّ، فيُقْتَدَى به، فصارَ كَأَنَّهُ شفَع له، وذلِكَ كما قَالَ عليه الصّلاةُ والسَّلَام: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فله أَجْرُها وأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بها، ومَنْ سَنَّ سُنَّةً قَبِيحَةً فله إِثْمُها وإِثْمُ من عَمِلَ بِهَا» وقولُه تَعَالى: {فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ}⁣(⁣٤).

  وقولُه ø: وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ⁣(⁣٥) وكذا قَوْلُه تعالَى: {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً}⁣(⁣٦) وكَذا كَقَوْلِه تَعَالَى: {لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً}⁣(⁣٧) قال ابنُ عَرَفَةَ: نَفْيٌ للشافِعِ، أَي مالَهَا شافِعٌ فَتَنْفَعَها شَفاعَتُه، وإِنَّمَا نَفَى الله تَعَالَى في هذِه المواضِعِ الشافِعَ لا الشَّفَاعَةَ.

  وِالشَّفِيعُ كأَمِيرٍ: الشَّافِعُ، وهو صاحِبُ الشَّفَاعَةِ والجَمْعُ شُفَعَاءُ، وهو الطّالِبُ لِغَيْرِه يَتَشَفَّعُ به إِلى المَطْلُوبِ.

  وِالشَّفِيعُ أَيْضاً: صاحِبُ الشُّفْعَةِ، بالضَّمِّ، تَكُونُ فِي الدّارِ والأَرْضِ.

  وسُئلَ أَبُو العَبّاسِ ثَعْلَبٌ عن اشْتِقَاقِ الشُّفْعَةِ في اللُّغَةِ، فقال: اشْتِقاقُهَا من الزِّيادَةِ وهي: أَنْ تَشْفَعَ، هكَذَا في العُبَابِ، والّذِي في اللِّسَان: «يُشَفِّعك» فِيما تَطْلُبُ فتَضُمَّهُ إِلى ما عنْدَك، فتَشْفعَهُ⁣(⁣٨) أَي تَزِيدَه، أَي أَنَّهُ كانَ وَتْرَا وَاحِداً، فضَمَّ إِليه ما زَادَه، وشَفَعَهُ به. وقال الرّاغِبُ: الشُّفْعَةُ: طَلَبُ مَبِيعٍ في شَرِكَتِه بِما بِيعَ به، لِيَضُمَّه إِلى مِلْكِه. فهو من الشَّفْعِ.

  وقال القُتَيْبيُّ - في تَفْسِير الشُّفْعَة -: كانَ الرَّجُلُ في الجاهِلِيَّةِ إِذا أَرادَ بَيْعَ مَنْزِلٍ، أَتاهُ رَجُلٌ، فشَفَعَ إِليهِ فيما باعَ، فشَفَّعَه، وجَعَلَهُ أَوْلَى بالمَبِيعِ مِمَّن بَعُدَ سَبَبُه، فسُمِّيَتْ شُفْعَةً، وسُمِّيَ طَالِبُهَا شَفِيعاً.

  وِالشُّفْعَة عِنْدَ الفُقَهَاءِ: حَقُّ تَمَلُّكِ الشّخصِ عَلَى شَرِيكهِ المُتَجَدِّدِ مِلْكُه قَهْراً بِعِوَضٍ وفي الحَدِيث: «الشُفْعَةُ فيما لا يُقْسَم، فإِذا وَقَعَت الحُدُودُ، وصُرِفَت الطُّرُقُ، فلا شُفْعَةَ» وفي هذا دَلِيلٌ على نَفْيِ الشُفْعَةِ لغَيْرِ الشَّرِيكِ، وأَمَّا قولُه: «فإِذا وَقَعَت الحُدُود ... إِلى آخره» فقد يَحْتَجُّ بكلِّ لَفْظَةٍ منها قَوْمٌ، أَما اللَّفْظَة الأُولَى: ففيها حُجَّةٌ لمن لم يَرَ الشُّفْعَة في المَقْسُوم، وأَمّا اللَّفْظَةُ الأُخْرُى: فقد يَحْتَجُّ بها من يُثْبِتُ الشَّفْعَةَ بالطَّرِيقِ وإِنْ كانَ المَبِيعُ مَقْسُوماً، وهذِه قد نَفَاهَا الخَطّابِيُّ بما هُوَ مَذْكُورٌ فِي غَرِيبه، ثم إِنّه عَلَّقَ الحُكْمَ فيه بمَعْنَيْنِ: وُقُوع الحُدُودِ، وصَرْف الطُّرُق مَعاً، فليسَ لهم أَنْ يُثْبِتُوه بأَحَدِهما، وهو نَفْيُ صَرْفِ الطُّرُق دُونَ نَفْي وقُوعِ الحُدُودِ.

  وِقَوْلُ الشَّعْبِيِّ ¦: الشُّفْعَةُ على رُؤُوسِ الرِّجَالِ، أَي إِذا كانَتْ الدَّارُ بَيْنَ جَمَاعَةِ مُخْتَلِفِي السِّهَامِ، فبَاعَ وَاحِدٌ مِنْهُم نَصِيبَهُ، فيكونُ ما بَاع لِشُرَكائِه بَيْنَهُم سَوَاءً على رُؤُوسِهِم، لا عَلَى سِهَامِهِم، كَذَا في النِّهَايَةِ والعُبَابِ.

  وِقالَ أَبُو عَمْرٍو: الشُّفْعَةُ أَيْضاً: الجُنُونُ وجَمْعُها: شُفَعٌ.

  وِالشُّفْعَةُ من الضُّحَى: رَكْعَتاه ومنه الحَدِيثُ: «مَنْ حافَظَ عَلَى شُفْعَةِ الضُّحَى غُفِرَت له ذُنُوبُه» ويُفْتَحُ، فيهما، كالغُرْفَةِ والغَرْفَةِ، سَمّاهَا شُفْعَةً لأَنَّهَا أَكْثَرُ من وَاحِدَةٍ، ونُقِلَ الفَتْح في الشُّفْعَةِ بمَعْنَى الجُنُونِ عن ابْنِ الأَعْرَابِيِّ.

  قال: يُقالُ: فِي وَجْهِهِ شَفْعَةٌ، وَسَفْعَةٌ، وشُنْعَةٌ، ورَدَّةٌ، ونَظْرَةٌ، بمَعْنًى واحِدٍ، وأَمّا الفَتْحُ في شَفْعَةِ الضُّحَى، فقالَ القُتَيْبِيُّ: الشَّفْعُ: الزَّوْجُ، ولم أَسْمَعْ به مؤنِّثاً إلّا هُنَا. قالَ: وأَحْسَبُه ذَهَب بتَأْنِيثِه إلى الفَعْلَةِ الوَاحِدَةِ، أَو إِلى الصَّلاةِ.

  وِالمَشْفُوعُ: المَجْنُونُ وإِهْمَالُ السِّينِ لُغَةٌ فيه.


(١) سورة النساء الآية ٨٥.

(٢) في المفردات: فعاونه وقوّاه وشاركه.

(٣) في المفردات: للآخر.

(٤) سورة المدثر الآية ٤٨.

(٥) سورة البقرة الآية ١٢٣.

(٦) سورة طه الآية ١٠٩.

(٧) سورة يس الآية ٢٣.

(٨) في التهذيب واللسان: الى ما عندك، فتزيده وتشفعه بها، أي تزيده بها.