تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الصاد المهملة مع العين

صفحة 289 - الجزء 11

  اخْتَرْتُك لإقامَةِ حُجَّتِي، وجَعَلْتُك بَيْنِي وبَيْنَ خَلْقِي، حَتَّى صِرْتَ في الخِطَابِ عَنِّي والتَّبْلِيغِ بالمَنْزِلَةِ التي أَكُونُ أَنَا بِها لو خاطَبْتُهُم، واحْتَجَجْتُ عليهم. وقالَ الأَزْهَرِيُّ: أَي رَبَّيْتُك لخَاصَّةِ أَمْرٍ أسْتَكْفِيكَهُ في فِرْعَون وجُنُودِه، وفي حَدِيثِ آدَمَ: «قال لِمُوسَى: أَنْتَ كَلِيمُ الله الَّذِي اصْطَنَعَكَ لنَفْسِه» قالَ ابنُ الأَثير: هذا تَمْثِيلٌ لما أَعْطَاهُ الله من المَنْزِلَة والتَّقْرِيبِ.

  وِيُقَالُ: اصْطَنَع فلانٌ خاتَماً، إِذا أَمَرَ أَنْ يُصْنَع له، كما يُقَال؛ اكْتَتَبَ، أَي أَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ له، والطّاءُ بَدَلٌ من تاءِ الافْتِعَالِ؛ لأَجْلِ الصّادِ.

  * وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

  اسْتَصْنَعَ الشَّيْءَ: دَعَا إِلى صُنْعِه، كما في اللِّسَانِ، وفي العُبَابِ: اسْتَصْنَعَه: سَأَلَ أَنْ يُصْنَعَ له، وقولُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:

  إِذا ذَكَرَتْ قَتْلَى بكَوْسَاءَ أَشْعَلَتْ ... كوَاهِيَةِ الأَخْرَابِ رَثٍّ صُنُوعُهَا⁣(⁣١)

  قالَ ابنُ سِيدَه: صُنُوعُهَا: جَمْعٌ لا أَعْرِفُ له وَاحِداً.

  قلتُ: وقال السُكَّرِيّ في شرح الدِّيوَانِ: كوَاهِيَةِ الأَخْرَابِ، يَعْنِي: المَزَادَةَ أَو الإِدَاوَةَ، وصُنُوعُهَا: خُرَزُهَا.

  ويُقَال؛ سُيُورُهَا التي خُرِزَتْ بها، ويُقَال: عَمَلُهَا: فَيَكُون حِينَئذٍ مَصْدَراً.

  وحَكَى ابنُ درسْتَوَيهِ: صَنِعَ صَنَعاً: مثل: بَطِرَ بَطَراً، فهو صَنِعٌ، أَي ماهِرٌ، وقال غيرُه: امرَأَةٌ صَنِيعَةٌ، بمعْنَى صَنَاعٍ، وأَنْشَدَ لحُمَيْدِ بنِ ثَوْرٍ:

  أَطافَتْ به النِّسْوَانُ بَيْنَ صَنِيعَةٍ ... وِبَيْنَ الَّتِي جاءَتْ لِكَيْمَا تَعَلَّمَا

  وهذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسمَ الفاعِل من صَنَعَ صَنِيعٌ؛ لأَنَّهُ لم يُسْمَع صَنِعٌ، قاله ابنُ بَرِّيّ: وفي المَثَلِ: «لا تَعْدَمُ صَنَاعٌ ثَلَّة» الثَّلَّة: الصُّوفُ والشَّعرُ والوَبَر.

  وقالَ الإِيَادِيُّ: سَمِعْتُ شَمِراً يَقُولُ: رَجُلٌ صَنْعٌ، وقومٌ صَنْعُون، بسُكُونِ النُّونِ. وامرأَةٌ صَنَاعُ اللِّسَانِ: سَلِيطَةٌ، قال الراجِزُ:

  وِهي صَناعٌ باللِّسَانِ واليَدِ

  وقَوْمٌ صَنَاعِيَةُ: يَصْنَعُون المالَ ويُسَمِّنون فُصْلَانَهُم، ولا يَسْقُونَ أَلبانَ إِبلِهم الأَضْيافَ، وقد مَرَّ شاهِدُه من قَوْلِ عامِرِ بنِ الطُّفَيْلِ في في «ص ل م ع»⁣(⁣٢).

  وِالصَّنِيع، كأَمِيرٍ: الثَّوْبُ الجَيِّدُ النَّقِيُّ، كما في اللِّسَانِ والأَسَاسِ، وهو مَجَازٌ.

  وقولُ نافِعِ بن لَقِيطٍ:

  مُرُطُ القِذَاذِ فلَيْسَ فيه مَصْنَعٌ ... لا الرِّيشُ يَنْفَعُه ولا التَّعْقِيبُ

  فَسَّرَه ابنُ الأَعْرَابِيِّ فقال: مَصْنَعٌ، أَي ما فِيه مُسْتَمْلَحٌ، وقد تَقَدَّم ذِكْرُ الأَبْيَاتِ في «ر ى ش» وفي «م ر ط».

  وِالصِّنْعُ، بالكَسْرِ: الحَوْضُ. وقِيلَ: شِبْهُ الصِّهْرِيج، وقيل: إِنَّ الصُنُوعَ وَاحِدُهَا صُنْعٌ، والمَصَانِيعُ: جَمْع مَصْنَعَة، زيدت الياءُ في ضَرورَة الشِّعْرِ⁣(⁣٣)، ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ مَصْنُوع ومَصْنوعَةٍ، كمَكْسُورٍ ومَكَاسِيرَ.

  وِالصِّنْعُ، بالكَسْرِ: الحِصْنُ، وبه فُسِّرَ الحَدِيثُ: «من بَلَغَ الصِّنْعَ بسَهْمٍ».

  وِالمَصَانِعُ: مَوَاضعُ تُعْزَلُ للنَّحْلِ، مُنْتَبِذَةً عن البُيُوتِ، وَاحِدَتُهَا مَصْنَعَة، حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ.

  وِالصُّنْع، بالضَّمِّ: الرِّزْقُ. واصْطَنَعَه: قَدَّمَه.

  ويُقَال: هو مُصْطَنَعَةُ⁣(⁣٤) فُلانٍ، أَي صَنِيعَتُه، نَقَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.

  وِصَانَعَه عن الشَّيْءِ: خَادَعَه عَنْه.

  ويُقَالُ: صَانَعْتُ فُلاناً، أَي رَافَقْتُه.

  وِالأَصْنَاعُ: مَوْضعٌ، قالَ عَمْرُو بنُ قَمِيئَةَ:


(١) ديوان الهذليين ١/ ٨٦ برواية: كواهية الأخرات. وتروى: الأخراث بالثاء المثلثة. وفي بعض النسخ «رث» بصيغة الماضي.

(٢) يريد قوله:

سودَ صناعيةٌ إذا ما أوردوا ... صدرت عتومهم ولمّا تحلبِ

(٣) وردت في قول الشاعر:

لا أُحبُّ المئدَّنات اللواتي ... في المصانيع لا ينين اطّلاعاً

(٤) في الأساس: وفلان صنيعتك ومصطنعك.