فصل الصاد المهملة مع العين
  تُنْفِقُونَه في سَبِيلَ الله. وقالَ الرَّاعِي:
  وِمَصْنَعَةٍ هُنَيْدَ أَعَنْتُ فِيها ... عَلى لَذَّاتِهَا الثَّمِلَ المُبِينَا(١)
  قالَ الأَصْمَعِيُّ: أَي مَدْعَاةٍ.
  وِالمَصْنَعَةُ، كالحَوْضِ أَو شِبْهُ الصِّهْرِيجِ يُجْمَع فِيها، وفي العُبَابِ فيه، وفي الصّحاحِ: يَجْتَمِعُ فيهِ ماءُ المَطَرِ، قال الأَصْمَعِيّ: المَصَانِعُ: مَسَاكَاتٌ لمَاءِ السَّمَاءِ يَحْتَفِرُهَا الناسُ، فيَملَؤُها ماءُ السَّمَاءِ، يَشْرَبُونها، ورَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عن أَبِي عَمْرٍو، قال: الحِبْسُ: مثلُ المَصْنَعَةِ، وتَضُمُّ نُونُهَا، نَقَلَه الجَوْهَرِي، كالمَصْنَعِ، كمَقْعَدٍ، نَقَلَه الصّاغانِيُّ وصاحِبُ اللِّسَانِ والمَصَانِعُ: الجَمْعُ، أَي جَمْعُ المَصْنَعَةِ بلُغَتَيْه، والمَصْنَع، وبه فَسَّر بَعضُهم قولَه تَعالَى: {وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ}(٢).
  وِقالَ الأَصْمَعِيُّ: العَرَبُ تُسَمِّي القُرَى مَصَانِعَ، وَاحِدَتُها مَصْنَعَةٌ، وأَنْشَدَ لابْنِ مُقْبِلٍ:
  كأَنَّ أَصْواتَ أَبْكَارِ الحَمامِ لَنَا ... في كُلِّ مَحْنِيَةٍ منه يُغَنِّينَا
  أَصْواتُ نِسْوَانِ أَنْبَاطٍ بمَصْنَعَةٍ ... بَجَّدْنَ للنَّوْحِ فاجْتَبْنَ التَّبَابِينَا
  وفي الأَسَاسِ: تَقُولُ: هو مِنْ أَهْلِ المَصَانِعِ، أَي القُرَى والحَضَرِ، بجَّدْنَ: لَبِسْنَ البُجُدَ.
  وِالمَصَانِعُ أَيضاً: المَبَانِي من القُصُورِ والآبَارِ وغَيْرِهَا، قال لَبِيدٌ ¥:
  بَلِينَا ومَا تَبْلَى النُّجُومُ الطَّوَالِعُ ... وِتَبْقَى الدِّيَارُ بَعْدَنَا والمَصَانِعُ
  وِالمَصَانِعُ: الحُصُونُ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، قالَ ابنُ بَرِّي: وشاهِدُهُ قَوْلُ البَعِيثِ:
  بَنَى زِيَادٌ لِذِكْرِ الله مَصْنَعَةً ... من الحِجَارَةِ لم تُرْفَعْ من الطِّينِ
  وِقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: أَصْنَعَ: أَعانَ آخَرَ، وقالَ ابنُ عَبّادٍ: أَصْنَعَ الأَخْرَقُ: تَعَلَّمَ وأَحْكَمَ، هكَذَا في العُبَابِ والتَّكْمِلَةِ، ونَصُّ ابنِ الأَعْرَابِيِّ فِي النَّوَادِرِ: أَصْنَع الرَّجُلُ: إِذا أَعانَ أَخْرَق(٣)، فاشْتَبَه على ابْنِ عَبّادٍ، فقالَ «آخَرَ»، ثم زاد مِنْ عِنْده: وأَصْنَع الأَخْرَقُ إِلى آخِرِه، وقَلَّدَه الصّاغانِيُّ من غَيْرِ مُرَاجَعَةٍ لنَصِّ ابنِ الأَعْرَابِيِّ، وما ذَكَرْنا هو الصَّوَابُ، ومثله في اللِّسَان.
  وِاصْطَنَع فُلانٌ عِنْدَه صَنِيعَةً، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، أَي اتَّخَذَها.
  وِالتَّصَنُّعُ: تَكَلُّفُ الصَّلَاحِ وحُسْنِ السَّمْت، وإِظْهارُه، والتَّزَيُّنُ به، والبَاطِنُ مَدْخُولٌ.
  وِالمُصَانَعَةُ، كُنِيَ بها عن الرِّشْوَة، قالَهُ الرّاغِبُ وفي الأَسَاسِ: هو مَأْخُوذٌ من مَعْنَى المُدَارَاة والمُداهَنَة(٤)، يُقَال: صَانَعَ الوَالِيَ، إِذا رَشَاهُ. قال الجَوْهَرِيُّ: وفِي المَثَل «مَنْ صانَعَ بالمالِ لم يَحْتَشِمْ مِنْ طَلَبِ الحَاجَةِ» ويُقَالُ: صانَعَةُ، إِذا داراهُ ولَا يَنَه ودَاهَنَه. وفي حَدِيثِ جابِرٍ «كانَ يُصانِعُ قائدَهُ» أَي: يُدَارِيه. وأَصْلُ المُصَانَعَةِ: أَنْ تَصْنَع لَهُ شَيْئاً لِيَصْنَع لَكَ شَيْئاً آخَرَ، مُفَاعَلَةٌ من الصُّنْعِ، وقال زُهَيْرُ بنُ أَبِي سُلْمَى:
  وِمَنْ لا يُصانِعْ في أُمُورٍ كَثِيرَةٍ ... يُضَرَّسْ بأَنْيَابٍ ويُوطَأْ بِمَنْسِمِ
  أَي مَنْ لَمْ يُدَارِ النّاسَ في أُمُورهِم غَلَبُوه، وقَهَرُوه، وأَذَلُّوه.
  وِمن المَجَازِ: المُصَانَعَةُ في الفَرَسِ: أَنْ لا يُعْطِيَ جَمِيعَ ما عِنْدَه من السَّيْرِ، وله صَوْنٌ يَصُونُه الأَوْلَى حَذفُ الوَاوِ من «ولَهُ» فهو يُصَانِعُك ببَذْلِه سَيْرَهُ، كما في العُبَابِ.
  وفي الأَسَاس: كأَنَّهُ يُوَافِي(٥) فيما يَبْذُل منه، ويَصُونُ بَعْضَه.
  ومنه: صَانَعْتُ فُلاناً: دارَيْتُه. قلتُ: فإِذَن المُصَانَعَةُ بمعْنَى الرِّشْوَةِ من مَجازِ المَجَازِ، فافْهَم وتَأَمَّلْ.
  والاصْطِناعُ: المُبَالَغةُ في إِصلاح الشَّيْءِ، قالَهُ الرّاغِبُ، قالَ: ومِنْهُ قولُه تعالَى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}(٦) تَأْوِيلُه:
(١) ديوانه ص ٢٦٨ وانظر تخريجه فيه، وفيه «المنينا» بدل «المبينا».
(٢) سورة الشعراء الآية ١٢٩.
(٣) الذي في التهذيب: «أعان آخر» وبهامشه عن نسخة أخرى: «أخرق» كالأصل واللسان.
(٤) كذا والذي في الأساس: صانعت فلاناً إذا داريته، ومنه المصانعة بالرشوة.
(٥) في الأساس: كأنه يرافقك بما يبذل منه.
(٦) سورة طه الآية ٤١.