تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

«فصل الراء المهملة»

صفحة 31 - الجزء 2

  لا يَطْلُعُ أَبَداً حتى تَغِيبَ، كَمَا أَنَّ الغَفْرَ رَقِيبُ الشَّرَطَيْنِ، والزُّبَانَانِ: رَقِيبُ البُطَيْنِ، والشَّوْلَةُ رَقِيبُ الهَقْعَةِ، والنَّعَائِمُ: رَقِيبُ الهَنْعَةِ، والبَلْدَةُ، رَقِيبُ الذِّرَاعِ وَلَا يَطْلُعُ أَحَدُهُمَا أَبَداً إِلَّا بِسُقُوطِ صاحِبِه وغَيْبُوبَتِه، فَلَا يَلْقَى أَحَدُهمَا صَاحِبَهُ.

  ورَقَبَهُ يَرْقُبُهُ رِقْبَةً ورِقْبَاناً بِكَسْرِهِمَا ورُقُوباً بالضَّمِّ، ورَقَابَةً ورَقُوباً ورَقْبَةَ بفَتْحِهِنَّ: رَصَدَهُ وانْتَظَرَه، كَتَرَقَّبَهُ وارْتَقَبَهُ والتَّرَقُّبُ: الانْتِظَارُ، وكذلكَ الارْتِقَابُ، وقولُه تَعَالَى {وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}⁣(⁣١) معناهُ لَمْ تَنْتَظِرْ، والتَّرَقُّبُ: تَوَقُّعُ شىْءٍ وتَنَظُّرُهُ.

  ورَقَبَ الشَّىْءَ يَرْقُبُه: حَرَسَه، كَرَاقَبَه مُرَاقَبَةً ورِقَاباً قَالَهُ ابنُ الأَعْرَابِيّ، وأَنشد:

  يُرَاقِبُ النَّجْمَ رِقَابَ الحُوتِ

  يَصِفُ رَفِيقاً لهُ، يقولُ: يَرْتَقِبُ النَّجْمَ حِرْصاً عَلَى الرَّحِيلِ كحِرْصِ الحُوتِ علَى المَاءِ، وهو مجازٌ، وكذلك قَوْلُهُم: بَاتَ يَرْقُبُ النُّجُومَ ويُرَاقِبُهَا، كَيَرْعَاهَا ويُرَاعِيهَا.

  ورَقَبَ فُلَاناً: جَعَلَ الحَبْلَ فِي رَقَبَتِهِ.

  وارْتَقَبَ المَكَان: أَشْرَفَ عَلَيْهِ وعَلَا، والمَرْقَبَةُ والمَرْقَبُ: مَوْضِعُهُ المُشرِفُ يَرْتَفعُ عليه الرَّقِيبُ ومَا أَوْفَيْت عَلَيْهِ مِن عَلَمٍ أَوْ رَابِيَةٍ لتَنْظُرَ من بُعْدٍ، وعن شمر: المَرْقَبَةُ: هي المَنْظَرَةُ في رَأْسِ جَبَلٍ أَوْ حِصْنٍ، وجَمْعُهُ مَرَاقِبُ، وقال أَبو عَمْرٍو: المَرَاقِبُ: ما ارتَفَعَ مِن الأَرْضِ وأَنشد:

  وَمَرْقَبَةٍ كالزُّجِّ أَشرَفْتُ⁣(⁣٢) رأْسَها ... أُقَلِّبُ طَرْفِي في فَضَاءٍ عَرِيضِ

  والرِّقْبَةُ بالكَسْرِ: التَّحَفُّظُ والفَرَقُ مُحَرَّكةً، هو الفَزَعُ.

  والرُّقْبَى كَبُشْرَى: أَنْ يُعْطِيَ الإِنْسَانُ إِنْسَاناً مِلْكاً كالدَّارِ والأَرْضِ ونَحْوِهِمَا فَأَيُّهُمَا ماتَ رَجَعَ الملْكُ لِوَرَثَتِهِ⁣(⁣٣) وهِي مِن المُرَاقَبَةِ، سُمِّيَتْ بذلك لأَنَّ كُلَّ واحِدٍ منهما يُرَاقِبُ مَوْتَ صاحِبِه أَو الرُّقْبَى: أَنْ يَجْعَلَهُ أَي المَنْزِلَ لِفُلَانٍ يَسْكُنُهُ، فَإِنْ ماتَ فَفُلَانٌ يَسْكُنُهُ، فكُلُّ واحِدٍ منهما يَرْقُبُ موتَ صاحبِه وقَدْ أَرْقَبَه الرُّقْبَى، وقال اللِّحْيَانُّي: أَرْقَبَه الدَّارَ: جَعَلَهَا له رُقْبَى ولِعَقبِه بعدَه بمنزلة الوَقْفِ وفي الصحاح: أَرْقَبْتُه دَاراً أَوْ أَرْضاً: إِذا أَعْطَيْتَهُ إِيَّاهَا فكانَتْ للباقِي مِنْكُمَا وقلتَ: إِن مِتُّ قَبْلَكَ فهي لك وإِنْ مِتَّ قَبْلِي فهي لي، والاسْمُ [منه]⁣(⁣٤) الرُّقْبَى.

  قلت: وهِيَ لَيْسَتْ بِهِبَةٍ عندَ إِمَامِنَا الأَعْظَمِ أَبِي حَنِيفَةَ ومُحَمَّدٍ، وقال أَبُو يُوسُفَ: هي هِبَةٌ، كالعُمْرَى، ولم يَقُلْ به أَحَدٌ من فُقَهَاءِ العِرَاقِ، قال شيخُنَا: وأَمَّا أَصحابُنَا المَالِكِيَّةُ فإِنهم يَمْنَعُونَهَا مُطْلَقاً. وقال أبو عبيد: أَصْلُ الرُّقْبَى مِن المُرَاقَبَةِ، ومثلُه قولُ ابن الأَثير، ويقالُ: أَرْقَبْتُ فلاناً دَاراً، فهو مُرْقَبٌ، وأَنَا مُرْقِبٌ، والرَّقُّوبُ كَصَبُورٍ مِن النِّساءِ: المَرْأَةُ التي تُرَاقِبُ مَوْتَ بَعْلِهَا لِيَمُوتَ فَتَرِثَه ومِن الإِبلِ: النَّاقَةُ التي لَا تَدْنُو إِلى الحَوْضِ مِنَ الزِّحَامِ وذلك لِكَرَمِها، سُمِّيَتْ بذلك لأَنَّهَا تَرْقُبُ الإِبلَ فإِذا فَرَغَتْ مِنْ شُرْبِهَا⁣(⁣٥) شَرِبَتْ هِي، ومن المجاز: الرَّقُوبُ من الإِبلِ والنساءِ: التي لا يَبْقَى أَي لا يَعِيشُ لهَا وَلَدٌ قال عَبِيدٌ:

  كَأَنَّهَا شَيْخَةٌ رَقُوبُ.

  أَو التي مَاتَ وَلَدُهَا، وكذلك الرَّجُلُ، قال الشاعر:

  فَلمْ يَرَ خَلْقٌ قَبْلَنَا مِثْلَ أُمِّنَا ... وَلَا كَأَبِينَا عَاشَ وهْوَ رَقُوبُ

  وقال ابنُ الأَثيرِ: الرَّقُوبُ في اللُّغَةِ لِلرَّجُلِ⁣(⁣٦) والمَرْأَةِ إِذَا لَمْ يَعِشْ لَهُمَا وَلَدٌ، لِأَنَّهُ يَرْقُبُ مَوْتَهُ ويَرْصُدُهُ خَوْفاً عليه، ومِن الأَمْثَالِ «وَرِثْتُهُ عَنْ عَمَّةٍ رَقُوبٍ» قال المَيْدَانِيُّ: الرَّقُوبُ مَنْ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ فهي أَرْأَفُ بابْنِ أَخِيهَا، وفي الحَدِيثِ أَنَّه قَالَ: مَا تَعُدُّونَ فِيكم الرَّقُوبَ؟ قَالوا: الَّذِي لَا يَبْقَى لَهُ وَلَدٌ، قَالَ: «بَلِ الرَّقُوبُ الَّذِي لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئاً»، قال أَبُو عُبَيْدِ: وكذلك مَعْنَاهُ في كَلَامِهِم، إِنَّمَا هُوَ عَلَى فَقْدِ الأَوْلَادِ، قال صَخْرُ الغَيِّ:


(١) سورة طه الآية ٩٤.

(٢) عن الديوان، وبالأصل «أشرف».

(٣) في اللسان: رجع ذلك المال إلى ورثته.

(٤) زيادة عن الصحاح.

(٥) اللسان: «فرغن من شربهن.» وفي المقاييس: والرقوب: الناقة الخبيثة النفس التي لا تكاد تشرب مع سائر الإبل ترقب متى تنصرف الإبل عن الماء.

(٦) في النهاية: الرجل والمرأة.