تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل القاف مع العين

صفحة 410 - الجزء 11

  أَمالَها للمَرْتَعِ، وكَذَا لِمَأْواها.

  وِأَقْنَعَ فُلاناً: أَحْوَجَهُ، وسَأَلَ أَعْرَابِيٌّ قَوْماً، فَلَمْ يُعْطُوهُ، فقالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ لّذِي أَقْنَعَنِي إِلَيْكُم، أَي: أَحْوَجَنِي إِلَى أَنْ أَقْنَعَ إِلَيْكُم، وهُو ضِدٌّ.

  وِيُقَال: فَمٌ مُقْنَعٌ، كمُكْرَمٍ: أَسْنَانُه مَعْطُوفَةٌ إِلى داخِلٍ، يُقَالُ: رَجُلٌ مُقْنَعُ الفَمِ، قالَ الأَصْمَعِيُّ: وذلِكَ القَويُّ الَّذِي يُقْطَعُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ فإِذا كانَ انْصِبابُهَا إِلى خَارِج فهُوَ أَرْفَقُ⁣(⁣١)، وذلِكَ ضَعِيفٌ لا خَيْرَ فيهِ، قالَ الشَّمّاخُ يَصِفُ إِبِلاً:

  يُبَاكِرْنَ العِضاهَ بمُقْنَعات ... نَوَاجِذُهُنَّ كالحِدَإِ الوَقِيعِ

  وقالَ ابنُ ميادَة يَصِفُ الإِبِل أَيْضاً:

  تُبَاكِرُ العِضاةَ قَبْلَ الإِشْراقْ ... بِمُقْنَعاتٍ كقِعابِ الأَوْرَاقْ

  يَقُولُ: هِيَ أَفْتَاءٌ، فأَسْنانُهَا بِيضٌ.

  وِأَمّا قَوْلُ الرّاعِي النُّمَيْريِّ، - وهُوَ مِنْ بَنِي قَطَنِ بنِ رَبِيعَةَ بنِ الحَارِث بن نُمَيْر -:

  زجِلَ الحُداءِ كأَنَّ فِي حَيْزُومِه ... قَصَباً وَمُقْنِعَةَ الحَنِينِ عَجُولَا

  (⁣٢) فإِنَّهُ يُرْوَى بفَتْحِ النُّونِ، ويُرَادُ بِهَا النّايُ؛ لأَنَّ الزّامِرَ إِذا زَمَرَ أَقْنَعَ رَأْسَه هكذا زَعَم عُمَارَةُ بنُ عَقِيل، فقِيل له: قَدْ ذَكرَ القَصَبَ مَرَّةً، فقال: هيَ ضُرُوبٌ، ورَوَاهُ غيرُه بكَسْرِها، ويُرَادُ بِها ناقَةٌ رَفعَتْ حَنِينَها، أَرَادَ وصَوْتَ مُقْنِعَة فحَذَف الصَّوْت، وأَقام مُقْنِعَةَ مُقَامَه، وقِيلَ: المُقْنِعَةُ: المَرْفُوعَةُ، والعَجُولُ: الّتِي أَلْقَتْ وَلَدَهَا بغير تَمام.

  وِقَنَّعَهُ تَقْنِيعاً: رَضَّاهُ، ومنه الحَدِيثُ: «طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ للإِسْلامِ، وكانَ عَيْشُه كفَافاً، وقُنِّعَ به» كذا رَوَاهُ إِبْراهِيمُ الحَرْبِيُّ. قلتُ: ومنه أَيْضاً حَدِيثُ الدُّعَاءِ: «اللهُمَّ قَنِّعْنِي بما رَزَقْتَنِي». وقَنَّعَ المَرْأَةَ: أَلْبَسَهَا القِنَاعَ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ. وقَنَّعَ رَأْسَه بالسَّوْطِ: غَشَّاهُ بهِ ضَرْباً، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وكذا بالسَّيْفِ والعَصَا، ومنه حَدِيثُ عُمَرَ ¥: «أَنَّ أَحَدَ وُلاتِه كَتَبَ إِلَيْهِ كِتَاباً لَحَنَ فيهِ، فكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَنْ قَنِّعْ كَاتِبَك سَوْطاً» وهُوَ مَجَازٌ.

  وِقَنَّعَ الدِّيكُ: إِذا رَدَّ بُرائِلَه إِلَى رَأْسِه نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ:

  وِلا يَزَالُ خَرَبٌ مُقَنَّعُ ... بُرَائِلاهُ، والجَنَاحُ يَلْمَعُ⁣(⁣٣)

  قلتُ: وقد تَبِعَ الجَوْهَرِيُّ أَبا عُبَيْدَة في إِنْشَادِه هكَذا، وهو غَلَطٌ، والصَّوابُ أَنَّه مِنْ أُرْجُوزَةٍ مَنْصُوبَةٍ، أَنْشَدَهَا أَبو حاتِمٍ في كِتابِ الطَّيْرِ، لغَيْلَانَ بنِ حُرَيْثِ من أَبْيَاتٍ أَوَّلُهَا:

  شَبَّهْتُه لَمّا ابْتَدَرْنَ المَطْلَعَا

  ومِنْهَا:

  فلا يَزَالُ خَرَبٌ مُقَنِّعا ... بُرَائِلَيْهِ وجَناحاً مُضْجَعَا⁣(⁣٤)

  وقد أَنْشَدَه الصّاغَانِيُّ في العُبَاب على وَجْهِ الصَّواب.

  وِمن المَجَازِ: رَجُلٌ مُقَنَّعٌ، كمُعَظَّمٍ: مُغَطًّى بالسِّلاحِ، أَو عَلَيْهِ - أَي عَلَى رَأْسِه - مِغْفَرٌ، وبَيْضَةُ الحَدِيدِ، وهِيَ الخُوذَةُ: لأَنَّ الرَّأْسَ مَوْضِعُ القِنَاعِ، وفِي الحَدِيثِ: «أَنَّه ÷ زارَ قَبْرَ أُمِّهِ في أَلْفِ مُقَنَّعٍ» أَي في أَلفِ فارِسِ مُغَطًّى بِالسِّلاحِ.

  وِتَقَنَّعَتِ المَرْأَةُ: لَبِسَتِ القِنَاعَ، وهُوَ مُطَاوِعُ قَنَّعْتُهَا.

  وِمن المَجَازِ: تَقَنَّعَ فُلانٌ، أَيْ: تَغَشَّى بثَوْبٍ، ومنهُ قَوْلُ مُتمِّمِ بنِ نُوَيْرَةَ ¥ يَصِفُ الخَمْرَ:

  أَلْهُو بِها يَوْماً وأُلْهِي فِتْيَةً ... عَنْ بَثِّهِمْ إِذْ أُلْبسُوا وتَقَنَّعُوا


(١) في التهذيب واللسان «أدفق».

(٢) ديوانه ص ٢٢١ وانظر تخريجه فيه.

(٣) البرائل الذي يرتفع من ريش الطائر فيستدير في عنقه. والرجز لحميد الأرقط كما في اللسان «برأل» أما هنا فلم يعزه. قال ابن بري: الرجز منصوب والمعروف في رجزه:

فلا يزال خرب مقنعا ... برائليه وجناحا مضجعا

أطار عنه الزغب المنزعا ... ينزع حبات القلوب اللمعا

(٤) بالأصل «برائلا جناحه» والمثبت عن اللسان «برأل».