تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[نبع]:

صفحة 467 - الجزء 11

  فرقَّ اليَنْبُوعُ والحَوْرَاءُ

  فلا يُعْرَفُ، بل وَهَمٌ ظاهِرٌ انْتَهَى.

  قلت: لا وَهَمَ فِي قَوْلِ البُوصِيرِيِّ - | وصَانَه عَمّا شأْنَه - ففِي الأَساسِ: وكأَنَّ عَيْنَهُ يَنْبُوعٌ، أَي: وبَقِيَّةُ العُيُونِ مُتَفجِّرَةٌ مِنْهُ، وحَيْثُ إِنّه اسمُ عَيْنٍ فلا بِدْعَ أَنْ يَكُونَ سُمِّيَ باسْمِ أَكْبَرِ العُيُونِ، أَو أَنَّه سُمِّيَ بالمَصْدَرِ، فإِنَّ الرّاغِبَ صَرَّحَ فِي مُفْرَداتِه: نَبَعَ الماءُ يَنْبُع نَبْعاً ونُبُوعاً وَيَنْبُوعاً⁣(⁣١)، فتَأَمَّلْ.

  قلتُ: وهو الآنَ صُقْعٌ كَبِيرٌ بَيْنَ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْن، وأَمّا العُيُونُ فإِنَّه لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلّا الآثارُ، قالَ كُثَيِّرٌ يَصِفُ الظُّعُنَ:

  قَوَارِضَ حِضْنَيْ بَطْنِ يَنْبُعَ غُدْوَةً ... قَوَاصِدَ شَرْقِيَّ العَناقَيْنِ عِيرُهَا

  وقالَ أَيْضاً:

  وِمَرَّ فأَرْوَى يَنْبُعاً فجَنُوبَه ... وِقَدْ جِيدَ مِنْهُ جَيْدَةٌ فعَباثِرُ

  وقَدْ نُسِبَ إِلَيْهِ حَرْمَلَةُ بنُ عَمْرٍو الأَسْلَمِيُّ الصَّحابِيُّ، كانَ يَنْزِلُ يَنْبُعَ، وشَهِدَ حِجَّةَ الوَداعِ.

  وِنُبَايِعٌ بضَمِّ النُّونِ أَو نُبايِعاتٌ الأَخِيرُ على الجَمْعِ، كأَنَّهُم سَمَّوْا كُلَّ بُقْعَةٍ نُبَايع، كما يُقَالُ لوادِي الصَّفْرَاءِ، صَفْرَاوَاتٌ: وادٍ في بلادِ هُذَيْلٍ، قالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:

  فَكَأَنَّهَا بالجِزْعِ جِزْعِ نُبَايِعٍ ... وِأُولاتِ ذِي العَرْجاءِ نَهْبٌ مُجْمَعُ⁣(⁣٢)

  وشَكَّ فِيهِ الأَزْهَرِيُّ، فقَالَ: نُبَايِعُ: اسْمُ مكانٍ، أَوْ جَبَل، أَو وادٍ، قُلْتُ: هكَذا رَواهُ أَبُو سَعِيدٍ نُبايِع، بتَقْدِيمِ النُّونِ، ومِثْلُه لابَنِ القَطّاعِ، وقالَ ابنُ بَرِّيّ: حَكَى المُفَضَّلُ فِيه الياءَ قَبْلَ النُّونِ، وقالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ مِثَالٌ لَمْ يَذْكُرْه سِيبَوَيْهٌ، وأَمّا ابْنُ جِنِّي فجَعَلَهُ رُبَاعِيًّا، وقالَ: ما أَظْرَفَ بأَبِي بَكْرٍ أَنْ أَوْرَدَهُ عَلَى أَنَّه أَحَدُ الفَوَائِتِ، أَلا يَعْلَمُ أَنَّ سِيبَوَيْهٌ قالَ: «ويَكُونُ عَلَى يَفَاعِلَ نَحْو: اليَحَامِدِ واليَرَامِعِ» فأَمّا إِلْحَاقُ عَلَمِ التَّأْنِيث والجَمْعِ بهِ، فزائِدٌ عَلَى المِثَالِ، غَيْرُ مُحْتَسَبٍ بهِ، وإِنْ رَوَاهُ [رَاوٍ]⁣(⁣٣) نُبَايِعَات». فنُبَايِعُ: نُفَاعِلُ، كنُضارِبُ ونُقَاتِلُ، نُقِلَ وجُمِعَ، وكَذلِكَ نُبَاوِعات⁣(⁣٤).

  وفِي العُبَابِ: والدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ نُبَايِعَ ونُبَايِعاتٍ واحِدٌ، قَوْلُ البُرَيْقِ الهُذَلِيِّ يَرْثِي أَخاهُ:

  لَقَدْ لاقَيْتُ يَوْمَ ذَهَبْتُ أَبْغِي ... بحَزْمِ نُبَايِعٍ يَوْماً أَمارَا⁣(⁣٥)

  ثُمَّ قالَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْيَاتٍ:

  سَقَى الرَّحْمنُ حَزْمَ نُبَايِعَاتٍ ... مِنَ الجَوْزَاءِ أَنْوَاءً غِزَارَا⁣(⁣٦)

  وِنُبَيْعٌ كزُبَيْرٍ: ع حِجَازِيٌّ، أَظُنُّه قُرْبَ المَدِينَةِ، عَلَى ساكِنِها أَفْضَلُ الصّلاةِ والسّلامِ، ويُرْوَى قَوْلُ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى:

  غَشِيتُ دِيارًا بالنُّبَيْعِ فثَهْمَدِ ... دَوَارِسَ قَدْ أَقْوَيْن مِنْ أُمِّ مَعْبَدِ

  والرِّوَايَةُ المَشْهُورَةُ «بالبَقِيعِ».

  وِالنَّبْعَةُ، والنُّبَيْعَةُ كجُهَيْنَةَ: مَوْضِعَانِ، وفِي التَّكْمِلَة: جَبَلانِ بعَرَفَاتٍ.

  وِنابِعٌ: ع، بالمَدِينَةِ، على ساكِنِها أَفْضَلُ الصّلاةِ والسَّلامِ.

  وِمِنَ المَجَازِ: رَشَحَتْ نَوَابِعُ البَعِيرِ، أَي: مَسَايِلُ عَرَقهِ، وهِيَ المَوَاضِعُ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا عَرَقُه، كما فِي الصِّحاحِ.

  وِالنَّبْعُ: شَجَرٌ زادَ الأَزْهَرِيُّ: مِنْ أَشْجَارِ الجِبَالِ، وقالَ أَبُو حَنِيفَةَ: شَجَرٌ أَصْفَرُ العُودِ رَزِينُه ثَقِيلُهُ في اليَدِ، وإِذا تَقَادَمَ احْمَرَّ، وقد جاءَ ذِكْرُه في الحَدِيثِ: قيلَ: كانَ يَطُولُ ويَعْلُو، فدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ ÷، فقالَ: «لا أَطَالَكَ اللهُ مِنْ عُودٍ»، فَلَمْ يَطُلْ بَعْدُ، للقِسِيِّ تُتَّخَذُ مِنْهُ، قالَ أَبو حَنِيفَةَ: وكُلُّ القِسِيِّ إِذا ضُمَّتْ إِلَى قَوْسِ النَّبْعِ كَرَمَتْهَا قَوْسُ النَّبْعِ؛ لأَنَّهَا أَجْمَعُ القِسِيّ للأَرْزِ واللِّينِ - يَعْنِي بالأَرْزِ


(١) كذا بالأصل والذي في المفردات المطبوع: يقال نبع الماء ينبع نبوعاً ونبعاً، والينبوع العين الذي يخرج منه الماء وجمعه ينابيع.

(٢) ديوان الهذليين ١/ ٦ برواية: بين ينابع.

(٣) زيادة عن اللسان.

(٤) في اللسان: ينابعاوات.

(٥) ديوان الهذليين ٣/ ٦١ برواية ذهبتَ تبغي.

(٦) ديوان الهذليين برواية: جزع نبايعات.