تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[نصع]:

صفحة 480 - الجزء 11

  قلتُ: قالَ بَعْضُهُم: إِنَّ الرَّجَزَ للعَجّاجِ، قلتُ: الصَّوابُ أَنَّهُ لرُؤْبَةَ يَصِفُ تَمِيماً، والرِّوايَةُ:

  إِنَّ تَمِيماً لَمْ يُرَاضِعْ مُسْبَعاً ... وِلَمْ تَلِدْهُ أُمُّهُ مُقَنَّعَا

  فتَمَّ يُسْقَى، وأَبَى أَنْ يَرْضَعَا ... قالَ الحَوَازِي - وأَبَى أَنْ يُنْشَعَا -

  أَشَرْيَةٌ فِي قَرْيَةٍ ما أَشْنَعَا⁣(⁣١) ... وِغَضْبَةٌ فِي هَضْبَةٍ ما أَمْنَعَا

  هكَذَا أَنْشَدَهُ اللَّيْثُ، وقالَ: أَبَى أَنْ يُعْطَى أَجْرَ الحَازِي، هكَذَا فَسَّرَه، وغَلِطَ الجَوْهَرِيُّ في إِنشادِ الرَّجَزِ، فأَنْشَدَ على مَعْنًى ذَكَرَه، كَما تَقَدَّمَ، أَي: أَوْرَدَهُ تَحْتَ قَوْلهِ: وقدْ نَشَعْتُ الصَّبِيَّ الوَجُورَ، وأَنْشَعْتُه، مِثْلُ: وَجَرْتُه، وأَوْجَرْتُه، وفي التَّكْمِلَةِ: قالَ رُؤْبَةُ: و «يا هِنْدُ ...» مُقَدَّمٌ، و «قالَ الحَوَازِي ..» مُؤَخَّرٌ، وبَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ مائَةٍ وخَمْسِينَ مَشْطُورًا. قلتُ: ولَمْ يُورِدِ الأَزْهَرِيُّ ولا ابْنُ سِيدَه هذَا الرَّجَزَ إِلّا الشّطْرَ الأَوَّلَ، هكَذَا:

  قالَ الحَوَازِي واسْتَحَتْ أَنْ تُنْشَعَا

  ثُمَّ قالَ ابنُ سِيدَه: الحَوازِي: الكَوَاهِنُ، واسْتَحَتْ أَنْ تَأْخُذَ أَجْرَ الكَهَانَةِ، وفي التَّهْذِيبِ: «واشْتَهَتْ أَنْ تُنْشَعَا».

  قلتُ: وفي بَعْضِ نُسَخِ العَيْنِ: «وأَبَتْ أَنْ تُنْشَعَا». وقالَ ابنُ بَرِّيّ: البَيْتَانِ اللَّذَانِ أَوْرَدَهُمَا الجَوْهَرِيُّ مِنَ الأُرْجُوزَةِ لا يَلِي أَحَدُهُما الآخَرَ، والضَّمِيرُ فِي «يُنْشَعَا» غيرُ الَّذِي في «تَسَعْسَعَا» لأَنَّه يَعُودُ فِي «يُنْشَعَا» على تَمِيمٍ أَبِي القَبِيلَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِه. - قَبلَ هذَا البَيْتِ -: «إِنَّ تَمِيماً ... الخ» ثُمَّ قالَ بَعْدَه:

  أَشَرْيَةٌ فِي قَرْيَةِ ما أَشْنَعَا

  أَي: قالَتِ الحَوازِي هذَا المَوْلُود شَرْيَةٌ في قَرْيَةٍ، أَي: حَنْظَلَةٌ فِي قَرْيَةِ نَمْلٍ، أَي: تَمِيمٌ وأَوْلادُه مُرُّونَ كالحَنْظَلِ، كَثِيرُونَ كالنَّمْلِ، قال ابنُ حَمْزَةَ: ومَعْنَى: «أَن يُنْشَعَا» أَي أَنْ يُؤْخَذَ قَهْرًا، فتَأَمَّلْ ذلِك.

  وِقالَ ابنُ عَبّادٍ: أَنْشَعَ فُلاناً بِشَرْبَةٍ: إِذا أَغاثَهُ بِهَا وهُوَ مَجَازٌ. وانْتَشَعَ الرَّجُلُ: مِثْلُ: اسْتَعَطَ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.

  وِانْتَشَعَ: انْتَزَعَ الشَّيْءَ بعُنْفٍ، وقد تَقَدَّمَ ذلِكَ في كَلامِ المُصَنِّفِ عِنْدَ ذِكْرِ النُّشاعَةِ.

  وِالمِنْشَعُ، كمِنْبَرٍ: المُسْعُطُ عَن ابْنِ دُرَيْدٍ، وذَكَرَه ابنُ بَرِّيٍّ أَيْضاً، ولَيْسَ فِي نَصِّهِمَا ما يَدُلُّ عَلَى أَنَّه كمِنْبَرٍ، والمَعْرُوفُ أَنَّهُ كالمُسْعُطِ زِنَةً ومَعْنًى، فتأَمَّلْ.

  * وممّا يُسْتَدْرَكُ عليهِ:

  النَّشْعُ، بالفَتْحِ: جُعْلُ الكاهِنِ، كما فِي المُحْكَمِ، ونَشَعَ الكاهِنَ نَشْعاً: جَعَلَ لَهُ جُعْلاً، كَما فِي الأَسَاسِ.

  وذَاتُ النُّشُوعِ: فَرَسُ بِسْطَامِ بنِ قَيْس، هُنَا ذَكَرَهُ صاحِبُ اللِّسَانِ، وقَدْ تَقَدَّمَ في «ن س ع» و «ن س ر».

  وقالَ أَبُو حَنِيفَةَ: قالَ الأَحْمَرُ: نَشَعَ الطِّيبَ: شَمَّهُ.

  وِالنَّشْعُ، مُحَرَّكَةً، مِنَ الماءِ، ما خَبُثَ طَعْمُه.

  [نصع]: النّاصِعُ: الخالِصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُقَال: أَبْيَضُ ناصِعٌ، وأَصْفَرُ نَاصِعٌ، وقالَ الأَصْمَعِيُّ: كُلُّ ثَوْبٍ⁣(⁣٢) خالِصِ البَيَاضِ، أَو الصُّفْرَةِ، أَو الحُمْرَةِ، فهُو ناصِعٌ، كما فِي الصِّحاحِ، وفِي اللِّسَانِ: النّاصِعُ: البالِغُ مِنَ الأَلْوانِ، الخالِصُ مِنْهَا، الصّافِي، أَيّ لَوْنٍ كانَ، وأَكْثَرُ ما يُقَالُ فِي البَيَاضِ، قالَ أَبُو النَّجْمِ:

  إِنَّ ذَوَاتِ الأُزْرِ والبَرَاقِعِ ... وِالبُدْنِ فِي ذاكَ البَياضِ النّاصِعِ

  لَيْسَ اعْتِذَارٌ عِنْدَها بنافِعِ

  وقد نَصَع، كمَنَعَ، نَصَاعَةً، ونُصُوعاً: خلَصَ، ومِنْهُ الحَدِيثُ: «المَدِينَةُ كالكِيرِ تَنْفِي خَبَثَها، وتَنْصَعُ طِيبَها» أَجْمَعَ رُوَاةُ الصَّحِيحَيْنِ عَلَى أَنَّه مِنَ النُّصُوعِ، وهُوَ الخُلُوصُ، إِلّا الزَّمَخْشَرِيَّ | فإِنَّهُ قالَ: «تُبْضِعُ» بالمُوَحَّدَةِ والضّادِ المُعْجَمَةِ، وقد ذُكِرَ فِي مَوْضِعِه.

  وِمِنَ المَجَازِ: نَصَعَ الأَمْرُ نُصُوعاً: إِذا وَضَحَ وبَانَ، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيّ للَقِيطٍ الإِيَادِيِّ:

  إِنِّي أَرَى الرَّأْيَ إِنْ لَمْ أُعْصَ قَدْ نَصَعَا


(١) التكملة: ما أشفعا.

(٢) في الصحاح المطبوع: «كل لون» وبهامشه: في المخطوطة: كل ثوب.