تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[شفف]:

صفحة 309 - الجزء 12

  شُفَافَ الشَّفا أو قَمْشَةَ الشَّمْسِ أَزْمَعا ... رَوَاحاً فمَدّا مِنْ نَجَاءٍ مُهاذِبِ⁣(⁣١)

  أَرادَ: بَقِيَّةَ النَّهَارِ.

  والشَّفَاشِفُ: شِدَّةُ الْعَطَشِ.

  والشَّفَّانُ: الرِّيحُ الباردةُ مَعَ مَطَرٍ، يُقَالُ: هذه غَدَاةٌ ذَاتُ شَفَّانٍ، أي: ذاتُ بَرْدٍ ورِيحٍ، وَكذا قَوْلُهُم: إنَّ في لَيْلَتِنَا هذه شَفَّانًا شَدِيداً، أي بَرْداً، قال:

  إِذَا اجْتَمَعَ الشَّفَّانُ والْبَلَدُ الجَدبُ

  وَقال عَدِيُّ بنُ زَيدٍ العِبَادِيُّ:

  في كِنَاسٍ ظاهِرٍ يَسْتُرُهُ ... مِن عَلُ الشَّفَّانَ هُدَّابُ الْفَنَنْ

  أي: مِن الشَّفَّان، ويُرْوَى: مِن عَرَا⁣(⁣٢) الشَّفَّانِ، وقال رُؤبَةُ:

  أَنْتَ إذا مَا انْحَدَرَ الخَشِيفُ ... ثَلْجٌ وشَفَّانٌ له شَفِيفُ

  وأَشْفَفْتُهُم: فَضَّلْتُهُمْ، يُقَال: أَشَفَّ عَلَيه: إذا فَضَلَهُ وفَاتَهُ، وأَشَفَّ فُلانٌ بَعضَ وَلَدِهِ علَى بَعضٍ: أي فَضَّلَهُ.

  واشْتَفَّ الْبَعِيرُ الْحِزَامَ كُلَّهُ، مَلَأَهُ، واسْتَوْفَاهُ، واسْتَغْرَقَهُ، حتى لم يَفْضُلْ منه شَيْءٌ، يُقَال ذلك، إذا كان البَعِيرُ عَظِيمَ الجُفْرَةِ، قال كعبُ بنُ زُهَيْرِ، رَضِيَ الله تعالَى عنه، يَصِفُ بَعِيرًا، ويُرْوَى لأَبيه زُهَيْرٍ، وهو موجودٌ في ديوانَيْ أَشْعارِهما:

  له عُنُقٌ تَلْوِي بما وُصِلتْ بِهِ ... وَدَفَّانِ يَشْتَفَّانِ كُلَّ ظِعَانِ

  وَهو حَبْلٌ يُشَدُّ به الهَوْدَجُ علَى البَعِيرِ، وقيل: يَشْتَفَّانِ، أي: يَغُولانِ النَّسْعَةَ⁣(⁣٣)، ويَغْتَرِقانِهَا، لِعِظَمِ أَجْوَافِهما.

  واشْتَفَّ مَا في الْإِنَاءِ كُلَّهُ: أي شَرِبَهُ كُلَّهُ حتى الشُّفَافَةَ، ولا يَخْفَى أنَّ لَفْظَةَ كُلّه الأُولَى لا حاجَةَ إِليها، ومنه حديثُ أُمَّ زَرْعٍ: «وإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ»، وفي وَصاةِ بَعْضِ العَرَبِ لابنِهِ: أَقْبَحُ طَاعِمٍ المُقْتَفُّ، وأَقْبَحُ شَارِبٍ المُشْتَفُّ، وَاسْتَعارَه عبدُ الله بنُ سَبْرَةَ الجُرَشِيُّ في المَوْتِ، فقَالَ:

  سَاقَيْتُهُ الْمَوْتَ حتَّى اشْتَفَّ آخِرَهُ ... فَمَا اسْتَكَانَ لِمَا لَاقَى ولا ضَرَعَا

  أي: حتى شَرِبَ آخِرَ المَوْتِ، وإذا شَرِبَ آخِرَهُ فقد شَرِبَهُ⁣(⁣٤) كُلَّهُ.

  كَتَشَافَّ، وَمنه المَثَلُ: «ليس الرِّيُّ مِنَ التَّشَافِّ»، أي: ليس الرِّيُّ عن أَنْ يَشْتَفَّ الإِنْسَانُ ما في الإِنَاءِ، بل قد يحصُلُ بدون ذلك، يُضْرَبُ في النَّهْيِ عن اسْتِقْصَاءِ الأَمْرِ، وَالتَّمَادِي فيه، وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: تَشَافَيْتُ الماءَ⁣(⁣٥): إذا أَتَيْتَ علَى ما فيه، قال ابنُ سِيدَه: وهو مِن مُحَوَّلِ التَّضْعِيفِ، لأَنَّ أَصْلَهُ تَشَافَفْتُ.

  وتَشَافَفْتُهُ: ذَهَبْتُ بِشَفِّهِ، أيْ فَضْلِهِ.

  والشِّفْشَفَةُ: الارْتِعادُ والاخْتِلاطُ مِن شِدَّةِ الغَيْرَةِ.

  والنَّضْحُ⁣(⁣٦) بِالْبَوْلِ، ونَحْوِهِ.

  وقال أَبو عمرٍو: الشَّفْشَفَةُ: تَشْوِيطُ الصَّقِيعِ نَبْتَ الْأَرْضِ فَيُحْرِقُهُ.

  وأَيضاً: ذَرُّ الدَّوَاءِ علَى الْجُرْحِ.

  وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: الشَّفْشَفَةُ: تَجْفِيفُ الْحَرِّ والْبَرْدِ الشَّيْءَ، كالنَّبَاتِ وغيرِه، وقد شَفْشَفَهُ، قال ابنُ الرِّقاعِ:

  وَشَفْشَفَ حَرُّ القَيْظِ كُلَّ بَقِيَّةٍ ... مِنَ النبْتِ إِلَّا سَيْكَرَانًا وحُلَّبَا

  والمُشَفْشَفُ، بِالْفَتْحِ، والْكَسْرِ، الأَخِيرُ عن ابنِ الأَعْرَابِيِّ: السَّخِيفُ، السَّيِّءُ الْخُلُقِ، وبه فُسِّرَ قَوْلُ


(١) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله»: أو قمشة الشمسِ، في التكملة: أو قمسة، وقوله: مهاذب، رواه في التكملة: من نجاء مناهب» ورواية الديوان: ذناب الشَّفا».

(٢) عن المطبوعة الكويتية وبالأصل «من علُ» وقد مرّت هذه الرواية في البيت، وفسرها بالحاشية: والعرا: الناحية والجانب.

(٣) عن المطبوعة الكويتية وبالأصل «السنعة ويغرقانها».

(٤) عن اللسان وبالأصل «شرب كله».

(٥) في اللسان: تشافيت ما في الإناء ...

(٦) الذي في الأصل: والاختلاط ومن شدة الغيرة النضح بالبول، والعبارة مضطربة مشوهة المعنى والمثبت يتفق مع التهذيب والتكملة. ففي التكملة: الشفشفة الارتعاد والاختلاط ... وشفشف إذا اشتدت غيرته، وقبلها فيها: يقال: شفشف ببوله: إذا نضحه، فأخرنا «الواو» التي كانت بالأصل قبل من شدة الغيرة وألحقناها بالنضح، لأن من معاني الشفشفة النضح بالبول.