[سوب]:
  غَيْرُ عَيِيَّ ولا مُسْهِبٍ ويُرْوَى مُسْهَب.
  وقد اخْتُلِفَ في هذِه الكَلِمَةِ، فَقَالَ أَبُو زَيْد: المُسْهَبُ: الكَثِيرُ الكَلَامِ أَي بالفَتْحِ خَاصَّةً، ومِثْلُه في أَدَبِ الكَاتِبِ لابْنِ قُتَيْبَةَ ومُخْتَصَرِ العَيْن للزُّبَيْدِيّ. وقال ابْنُ الأَعْرابِيّ: أَسْهَبَ الرجلُ: أَكْثَرَ من الكَلَام فهو مُسْهَبٌ بفتح الهاء ولا يقال بِكَسْرِها، وَهُو نَادرٌ. وقال ابن بَرِّيّ: قال أَبُو عَلِيِّ البَغْدَادِيُّ: رَجُلٌ مُسْهَبٌ بالفتح إذا أَكْثَرَ الكلام في الخَطإ، فإن كَانَ ذَلِك في صَوَاب فهو مُسْهِبٌ بالكسر لا غير. أَي البَلِيغ المُكْثِرُ مِنَ الصَّواب بالكَسْر، وبه أَجَابَ أَبُو الحَجَّاج الأَعْلَمُ في كِتَاب ابْنِ عَبَّادٍ مَلِكِ الأَنْدَلُس ونسبَه إلَى البَارعَ لأَبي عَلِيِّ، ثم نَقل عَنْ أَبِي عُبَيْدَة: أَسْهَب فهو مُسْهَبٌ بالفتح إذَا أَكْثَرَ في خَرَف وتَلَف ذِهْن. وعَن الأَصْمَعِيّ: أَسْهَبَ فهو مُسْهَبٌ، إذا خَرِف وأُهْتِر، فإن أَكْثَرَ من الخطأ قيل: أَفْنَد، فهو مُفْنَد. ثم قال في آخِرِ الجَوَاب: فَرَأيُ مَملُوكك - أَيَّدَك الله - واعْتِقَادُه أَنَّ المُسْهَب بالفَتْح لا يُوصَف بِهِ البَلِيغ المُحسِن، ولا المُكْثِرُ المُصِيبُ، أَلا تَرَى إلى قَوْلِ مَكِّيِّ بنِ سَوَادَةَ:
  حَصِرٌ مُسْهَبٌ جَرِيءٌ جَبَانٌ ... خَيْرُ عِيِّ الرِّجال عِيُّ السُّكُوتِ
  أَنَّه قَرَن فِيهِ المُسْهَب بالحَصِر ورَدَفه بالِّصفَتَينِ، وجَعَل المُسْهَبَ أَحَقَّ بالعيَّ من السَّاكِتِ والحَصرِ فقال.
  خيُر عِيَّ الرِّجَال عِيٌ السٌكُوتِ
  والدَّلِيلُ على أَن المُسْهِب بالكسر يقال لِلْبَلِيغ المُكْثِرِ من الصَّوَاب أَنَّهم يَقُولُون لِلْجَوَادِ مِنَ الْخَيْلِ: مُسْهِب بالكَسْرِ خَاصَّة، لأَنَّهُما بمَعْنَى الإجَادَةِ والإحْسَان. ولَيْسَ قَوْلُ ابْنِ قُتَيْبَةَ والزُّبَيْدِيّ في المُسْهَب بالفَتْح هو المُكْثِرُ من الكَلَامِ بمُوجِب أَن المُكْثِرَ هُوَ البَلِيغُ المُصِيب، لأَنَّ الإكْثَارَ من الكَلَام دَاخِلٌ في معنى الذَّمِّ. انتهى كَلامُ الأَعْلَم حَسْبَمَا نَقَلَه شَيْخُنا.
  وفي لسان العرب: ومما جَاءَ فِيهِ أَفْعَل فهو مُفْعَلٌ أَسْهَبَ فهو مُسْهَبٌ، وأَلْفَجَ فهو مُلْفَجٌ [إذا أفلس](١)، وأَحْصَنَ فهو مُحْصَنٌ، فهذه الثّلَاثَة جَاءَت بالفَتْح. حَكَاه القَاضِي أَبُو بَكْربْنُ العَرَبِيّ في تَرْتيب الرِّحْلة، وابنُ دريد في الجَمْهَرَة، وابنُ الأَعْرَابِيّ في النَّوَادِر ومثله فِي كتَاب لَيْس لِابْنِ خَالَوَيْه، إلَّا أَنَّه قَالَ: وأَسْهَبَ فهو مُسْهَبٌ: بَالَغَ. هذَا قَوْلُ ابْنِ دُرَيْد. وقال ثعْلَب: أَسْهَب فَهُو مُسْهَب في الكلَام.
  قال: ووجدتُ بعد سَبعِين سَنَةً حَرْفَاً رَابِعاً وَهُوَ: أَجْرَشَتِ الإِبلُ سَمِنَت فهي مُجْرَشَةٌ.
  قُلت: واسْتَدْرَكُوا أَيْضاً: أَهْتَر فَهُوَ مُهْتَر، ونَقَلَه عبد البَاسِطِ البُلْقِنيّ، ويَاتي للمُصَنِّف. ورأَيْتُ في نَفْح الطِّيبِ للشِّهَابِ المَقَّرِيّ ما نَصُّه: «رأَيتُ في بَعْضِ الحَوَاشِي الأَنْدَلُسِيَّة أَي كِتَاب التَّوْسِعَة كما حَقَّقَه شَيْخُنَا أَنَّ ابْنَ السِّكِّيت ذَكَر في بَعْضِ كُتُبه فِيمَا جَعَلَه بَعْضُ العَرَب فَاعِلاً وبعضُهُم مَفْعُولاً: رَجُلٌ مُسْهَبٌ ومُسْهِب للكَثِيرِ الكَلَامِ، وهذا يَدُّلُّ عَلَى أَنَّهُما، وَاحِدٌ». انْتَهَى وهو رَأْي المُصَنِّف أَي عَدَمُ التَّفْرِقَةِ.
  وفي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، قِيلَ له: ادْعُ الله لَنَا، فَقَالَ: «أَكْرَهُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المُسْهَبين» بفَتْحِ الهاءِ أَي الكَثِيري الكَلَامِ، وأَصْلُه من السَّهْب، وَهُوَ(٢) الأَرضُ الوَاسِعَةُ.
  قلت: وسَيَأْتِي للمُصَنِّف في جَذَع: أجْذَعَ فَهُو مُجْذَعٌ لِمَا لا أَصْلَ لَهُ ولا ثَبَات، نَقْلَه الصَّاغَانِيُّ عن ابن عَبَّادٍ، ولَمْ أرَ أَحَداً أَلْحَقَه بِنَظَائِرِه فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ.
  أَو أَسْهَب: شَرِهَ وطَمِعَ، وفي نُسْخَةٍ أَو طَمِعَ حَتَّى لا تَنْتَهِيَ نَفْسُه عَنْ شَيْءٍ فهو مُسْهِب ومُسْهَب، بالكَسرِ والفَتْح. وأسْهَبَ فهو مُسْهَب، بفَتْحِ الهَاءِ إذا أَمْعَن في الشَّيء وأطَالَ، ومنه حديث الرؤيا: «كلوا واشربوا وأَسهبُوا وأَمْعِنُوا» وفي آخر «أنَّه بعَث خيلاً فأسْهَبَتْ شَهْراً» أَي أَمْنَعَتْ في سَيرها.
  وأُسْهِبَ بالضَّمِّ على ما لم يُسَمَّ فاعِلُه، فهو مُسْهَبٌ بالفتح: ذَهَبَ عَقْلُه. وَقِيل: المُسْهَب: الذَّاهِبُ العَقْل مِنْ لَدْغٍ الحَيَّة أَو العَقْرَب، وقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَهْذِي مِنْ خَرَف.
  والتَّسْهِيبُ: ذَهَابُ العَقْل، والفِعْلُ مِنْه مُمَاتٌ. قال ابْنُ هَرْمَةِ:
(١) زيادة عن اللسان.
(٢) كذا بالأصل واللسان، وفي النهاية «وهي».