فصل الكاف مع الفاء
  وكتَبَ بينَهُ وبَيْنَهُم كتاباً، فكَتَب فيه: «أَنْ لا إِغْلالَ ولا إِسْلالَ، وأنَّ بَيْنَهُمْ عَيْبَةً مَكْفُوفَةً» أَرادَ بالمَكْفُوفَةِ: التي أُشْرِجَتْ على ما فِيهَا، وقُفِلَت، مَثَّلَ بِها الذِّمَّةَ المَحْفُوظَةَ التي لا تُنْكَثُ وقالَ ابنُ الأَثيرِ: ضَرَبَها مَثلاً للصُّدُورِ، وأَنَّها نَقِيَّةٌ من الغِلِّ والغِشِّ فيما كَتَبُوا واتَّفَقُوا عَلَيه من الصُّلْح نَقِيَّةٌ من الغِلِّ والغِشِّ فيما كَتَبُوا واتَّفَقُوا عَلَيه من الصُّلْح وَالهُدْنَةِ، والعَرَبُ تُشَبِّه الصُّدورَ التي فيها القُلوبُ بالعِيابِ التي تُشْرَجُ على حُرِّ الثِّيابِ، وفاخِرِ المَتاع، فجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ العِيابَ المُشَرَّجَةَ(١) على ما فِيها مَثَلاً للقُلُوب طُوِيَتْ على ما تَعاقَدُوا، ومنه قَوْلُ الشّاعِر:
  وَكادَتْ عِيابُ الوُدِّ بَيْنِي وبَيْنَكُم ... وَإِنْ قِيلَ أَبناءُ العُمُومَةِ - تَصْفَرُ(٢)
  فجَعَل الصُّدُورَ عِياباً لِلوُدِّ، أَو مَعْناهُ أنَّ الشَّرَّ يكونُ مَكْفُوفاً بَيْنَهُم، كما تُكَفُّ العِيابُ(٣) إِذا أُشْرِجَتْ على ما فِيهَا من المَتاعِ، كذلِكَ الذُّحُولُ التي كانَتْ بَيْنَهم قد اصْطَلَحُوا على أَنْ لا يَنْشُرُوها، بل يَتَكافُّونَ عَنْها، كأَنَّهم جَعَلُوها في وِعاءٍ، وأَشْرَجُوا عَلَيْها وهذا الوَجْهُ قد نَقَلَه أَبو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ(٤).
  ومن المَجازِ: هُو مَكْفُوفٌ، وهم مَكافِيفُ، وقد كُفَّ بَصَرُه، بالفَتْحِ والضَّمِّ الأُولَى عن ابنِ الأَعرابِيِّ: عَمِيَ ومُنِعَ من أَنْ يَنْظُرَ.
  وكَفَفْتُه عَنْهُ كَفًّا: دَفَعْتُه ومَنَعْتُه وصَرَفْتُه عنه، نقَلَه الجوهَرِيُّ، ككَفْكَفْتُه نقلَه الصّاغانِيُّ وصاحبُ اللِّسانِ، ومنه قولُ أَبِي زُبَيْدٍ الطّائِيّ:
  أَلَم تَرَنِي سَكَّنْتُ لَأْياً كِلابَكُمْ ... وَكَفْكَفْتُ عنكُمْ أَكْلُبِي وهي عُقَّرُ
  فكَفَّ هُوَ قال الجَوْهَرِيُّ: لازِمٌ مُتَعَدٍّ والمَصْدَرُ واحدٌ، وَقالَ اللَّيْثُ: كَفَفْتُ فُلانًا عن السُّوءِ، فكَفَّ يَكُفُّ كَفًّا، سَواءٌ لَفْظُ الّلازِمِ والمُجاوِزِ.
  وكَفافُ الشَّيْءِ كسَحابٍ: مِثْلُه وقَيْسُه.
  والكَفافُ من الرِّزْقِ والقُوتِ: ما كَفَّ عن النَّاسِ وأَغْنَى وفي الصِّحاحِ: أي أَغْنَى، وفي الحَدِيثِ: اللهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ كَفافاً» كالْكَفَفِ مَقْصُورًا منه، وقال الأَصْمَعِيُّ: يُقالُ: نَفَقَتُه الكَفافُ: أي لَيْسَ فِيها فَضْلٌ، وَإِنَّما عندَه ما يَكُفُّه عن الناسِ، وفي حَدِيثِ الحَسَن: «ابْدَأْ بمَنْ تَعُولُ، ولا تُلامُ على كفافٍ يَقُولُ إذَا لَم يَكُن عندَكَ فضْلٌ لم تُلَم على أَن لا تُعْطِيَ أَحَداً.
  وقولُ رُؤْبَةَ لأَبِيهِ العَجّاجِ:
  فلَيْتَ حَظِّي مِنْ نَداكَ الضّافي ... والفَضْلِ أَنْ تَتْرُكَنِي كَفافِ(٥)
  هو من قَوْلِهم: دَعْنِي كَفافِ، كقَطامِ: أي كُفَّ عَنِّي، وَأَكُفُّ عَنْكَ أي: نَنْجُو رَأْساً برَأْسٍ، ويَجِيءُ مُعْرَباً، ومنه قولُ الأُبَيْرِدِ اليَرْبُوعِيِّ:
  أَلا لَيْتَ حَظِّي من غُدانَةَ أَنّه ... يَكُونُ كَفافاً؛ لا عَلَيَّ ولا لِيَا
  وَفي حَدِيثِ عُمَرَ ¥: «وَدِدْتُ أَنِّي سَلِمْتُ من الخِلافَةِ كَفافاً؛ لا عَليَّ ولا لِيَ» وهو نَصْبٌ على الحالِ، وَقِيلَ: إِنَّه أَرادَ مَكْفُوفاً عَنِّي شَرُّها(٦).
  وكُفَّةُ القَمِيصِ، بالضَّمِّ: ما اسْتَدارَ حَوْلَ الذَّيْلِ كما في الصِّحاحِ أَو كُلُّ ما اسْتَطَالَ فهو كفَّةٌ بالضَّمِّ، وكحاشَيةِ الثَّوْبِ وكُفَّةِ الرَّمْلِ والجَمْعُ: كِفافٌ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن الأَصْمَعِيِّ.
  والكُفّةُ: حَرْفُ الشَّيْءِ؛ لأَنَّ الشيءَ إذا انْتَهَى إلى ذلِكَ كَفَّ عن الزِّيادَةِ قالَه الأَصْمَعِيُّ.
  والكُفَّةُ من الثَّوْبِ: طُرَّتُه العُلْيا الَّتِي لا هُدْبَ فِيها وقد كفَّ الثَّوْبَ يَكُفُّه كَفًّا: تَرَكَه بلا هُدْب.
  والكُفَّةُ: من الثَّوْبِ: طُرَّتُه العُلْيا الَّتِي لا هُدْبَ فِيها وقد كفَّ الثَّوْبَ يَكُفُّه كَفًّا: تَرَكَه بلا هُدْب.
  والكُفَّةُ: حاشِيَةُ كُلِّ شَيْءٍ وطُرَّتُه، وفي التَّهْذِيبِ: وأَمّا كُفَّةُ الرَّمْلِ والقَمِيصِ فطُرَّتُهُما وما حَوْلَهُما.
  ج: كصُرَدٍ، وجِبالٍ وفي بعضِ النُّسَخ «ج: كصُرَدٍ،
(١) ضبطت في اللسان والتهذيب بدون تشديد.
(٢) في التهذيب والنهاية واللسان «العيبة».
(٣) البيت في الأساس «عيب» برواية: «منا ومنكم» ونسبه لبشر بن أبي خازم.
(٤) نقله عنه صاحب التهذيب، وورد في النهاية بدون عزوٍ.
(٥) التكملة برواية: «من جداك» بدلا من «من نداك» وفي اللسان برواية «والنفع» بدلا من «والفضل» وقبلهما في التكملة ورد مشطوران.
وَإن تشكيت من الإسخاف ... لم أر عطفاً من أبٍ عطاف
(٦) وقيل: معناه: ألّا تنال مني ولا أنال منها، أي تكفّ عنّي وأكفّ عنها.