تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الشين المعجمة

صفحة 105 - الجزء 2

  والشَّارِبَان عَلَى مَا فِي التَّهْذِيب وغَيْرِه: ما طَالَ مِنْ نَاحِيَةِ السَّبَلَةِ، أَو السَّبَلَةُ كُلّهَا شَارِب واحد. قَالَه بَعْضُهُم، ولَيْسَ بِصَوَابٍ.

  ومن المَجَازِ: أُشْرِبَ فلانٌ حُبَّ فُلَانٍ كذَا في النُّسَخ.

  وفي غير وَاحِدٍ من الأُمَّهَاتِ «فُلَانَةَ» أَي خَالَطَ قَلْبَه. وأُشْرِبَ قَلْبُه مَحَبَّةَ هذَا، أَيْ حَلَّ مَحَلَّ الشَّرَابِ. وفي التَّنْزِيلِ: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ}⁣(⁣١) أَي حُبَّ العِجْل، فَحُذِفَ المُضَافُ وأُقِيم المُضَافُ إِلَيْه مُقَامه، ولا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ العِجْلُ هو المُشْرَب، لأَنَّ العِجْلَ لا يُشْرَبُه القَلْبُ.

  وقال الزَّجَّاج: معناه أَي سُقُوا حُبَّ العِجْلِ، فَحُذِفَ حُبّ وأُقِيم العِجْل مُقَامَه، كما قَالَ الشَّاعِر:

  وكَيْفَ تُوَاصِلُ مَنْ أَصْبَحَتْ ... خَلَالَتُه كَأَبِي مَرْحَبِ

  أَي كخَلَالةِ أَبِي مَرْحَبٍ.

  وأُشْرِبَ قَلْبُه كَذَا أَي حَلَّ مَحَلَّ الشَّرَابِ أَوِ اخْتَلَطَ بِه كما يَخْتَلِط الصِّبْغُ بالثَّوْبِ. وفي حديث أَبي بكر: «وأُشْرِب قلبُه الإِشْفَاقَ» كذا في لسان العرب.

  وفي الأَسَاسِ، ومِن المَجَازِ قَوْلُهم: رَفَع يَدَه فَأَشْرَبَهَا الهَوَاءَ ثم قَالَ بها على قَذَالى.

  ومن المَجَازِ تَشَرَّبَ الصِّبْغُ في الثَّوْب: سَرَى، والصِّبْغُ يَتَشَرَّبُ الثَّوْبَ. وتَشَرَّبَ الثوبُ العَرَقَ: نِشْفَهُ، هكَذَا في نُسْخَتِنَا.

  والَّذِي في الأَسَاسِ ولِسَانِ العَرَب: الثَّوْبُ يَتَشَرّب الصِّبْغ أَي يَتَنَشَّفُه⁣(⁣٢)، والثوبُ يَشْرَبُ الصِّبْغَ يَنْشَفُه⁣(⁣٣).

  واسْتَشْرَبَ لَوْنُه: اشْتَدَّ. يقال: اسْتَشْرَبَتِ القوسُ حُمْرَةً أَي اشْتَدَّت حُمْرَتُها، وذلك إِذَا كَانَت مِنَ الشِّرْيانِ، حكاه أَبو حنيفة.

  والمَشْرَبَةُ بالفتح في الأَوَّل والثَّالِثِ، وتُضَمُّ الرَّاء: أَرْضٌ لَيِّنَةٌ دَائِمَةُ النَّبَاتِ أَي لا يزال فِيهَا نَبْتٌ أَخْضَرُ رَيَّانُ. والمَشْرَبَةُ، بالوَجْهَيْنِ: الغُرْفَةُ، قال في الأَسَاس: لأَنَّهم يَشْرَبُون فِيهَا. وعن سيبويه: جَعَلُوه اسْماً كالغُرْفَة. وفي الحَدِيثِ «أَنَّ النَّبِيَّ ÷ كَانَ في مَشْرُبَة لَه» أَي كَان في غُرْفَة وجَمْعُها مَشْرَبَاتٌ ومَشَارِبُ. والمَشْرَبَةُ: العِلِّيَّةُ. قال شيخنا: هي كَعطْفِ التَّفْسِير على الغُرْفَة، وهي أَشْهَرُ من العِلِّيَّة، وعليه اقْتَصَر الفَيُّوميّ، انتهى. والمَشَارِبُ: العَلَالِيّ في شِعْر الأَعْشَى⁣(⁣٤). والمَشْرِبَةُ: الصُّفَةُ، وقِيلَ: هي كالصُّفَّةِ بَيْن يَدَيِ الغُرْفَة. والمَشْرَبَةُ: المَشْرَعَةُ. وفي الحديث: «مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ أَحَاطَ على مَشْرَبَة». هي بفَتْح [الراء]⁣(⁣٥) من غير ضَمِّ: المَوْضِعُ الذي يُشْرَبُ مِنْه كالمَشْرَعَة، ويُرِيدُ بالإحَاطة تَمَلُّكَه ومنْعَ غيره [منه]⁣(⁣٥). كذا في لسان العرب. ويوجد هنا في بعض النسخ بدل المشرعة المِشْرَبة، كأَنَّه يقول: والمَشْرَبة بالفَتْح وكمكْنَسَة أَي بالكسر، وهو خطأٌ لما عَرَفت.

  وقد يُرَدُّ على المُصَنِّف بوَجْهَيْن: أَوَّلاً أَنَّ المَشْرَبَة بالوَجْهَين إِنَّما هُوَ في مَعْنَى الغُرْفَة فقط، وبمعنى أَرْض لَيِّنة وَجهٌ وَاحِد وهو الفَتْح، صَرَّحَ به غَيْرُ وَاحِدٍ. وثانِياً أَن المَشْرَبَة بالمَعْنَيَيْن الأَخِيرين إِنَّمَا هو كالصُّفَّة وكالمَشْرَعَة لا هما بِنَفْسِهما كَمَا أَشَرْنَا إِلَى ذلِكَ، وقد أُغْفِل عن ذلك شَيْخُنا.

  والمِشْرَبَةُ كمِكْنَسَة وجوَّز شيخُنا فيه الفَتح، ونَقْلَه عن الفَيُّوميّ: الإِنَاءُ يُشْرَبُ فيه.

  والشَّروبُ الَّتي تَشْتَهِي الفَحْلَ. يقال: ضَبَّةٌ شَرُوبٌ إِذا كَانَت كَذِلكَ.

  وعن أَبي عبيد: شَرَّبَ تَشْرِيباً. تَشْرِيبُ القِرْبَةِ: تَطْييبُهَا بالطِّين وذَلكَ إِذَا كانت جَدِيدَةً، فجَعَلَ فِيهَا طِيناً وماءٌ⁣(⁣٦) ليَطِيبَ طَعْمُها، وفي نسخة تَطْيِينُها بالنُّونِ، وهو خطأُ.


(١) سورة البقرة الآية ٩٣.

(٢) عن المصدرين، وبالأصل يشتفه».

(٣) عن اللسان، وبالأصل: «يشفه».

(٤) بيت الأعشى الذي أراده، هو قوله:

له دَرمَكٌ في رأسه ومَشَاربٌ ... ومِسْكٌ ورَيْحَانٌ وراحٌ تُصَفَّقُ

الدرمك: الدقيق الحواري. والهاء في رأسه تعود عل حصن ذكره في شعره.

ويروى عجزه «وقدر وطباخ وكأس وديسق.

(٥) زيادة عن اللسان.

(٦) كذا بالأصل والصحاح، وفي اللسان: طيباً وماءً.