تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الخاء مع القاف

صفحة 124 - الجزء 13

  والخُلُقُ، بالضَّمِّ، وبضَمَّتَيْنِ: السَّجِيَّةُ، وهُو ما خُلِقَ عليهِ من الطَّبْع، ومنه حَدِيثُ عائِشَةَ ^: «كانَ خُلُقُه القُرْآنَ»: أَي كانَ مُتَمَسِّكاً بهِ، وبِآدابِهِ وأَوامِرِه ونَواهِيه، وما يَشْتَمِلُ عليه من المَكارِمِ والمَحاسِنِ والأَلْطافِ.

  وقالَ ابنُ الأَعْرابِيِّ: الخُلُقُ: المُرُوءَة، والخُلُقُ: الدِّينُ وفِي التنزيل: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}⁣(⁣١) والجَمْعُ أَخْلاقٌ، لا يُكَسَّرُ على غَيْرِ ذلِك، وفي الحَدِيثِ: «لَيْسَ شَيْءٌ في المِيزانِ أَثْقَلُ من حُسْنِ الخُلُقِ»، وحَقِيقَتُه أَنَّه لصُورَةِ الإِنْسانِ الباطِنَةِ، وهي نَفْسُه وأَوْصافُها ومَعانِيها المُخْتَصَّة بها بمَنْزِلَةِ الخَلْقِ لصُورَتهِ الظَّاهِرَةِ وأَوْصافِها ومَعانِيها، ولهما أَوصافٌ حَسَنَةٌ وقَبِيحَةٌ، والثَّوابُ والعقابُ يَتَعَلَّقانِ بأَوْصافِ الصُّورَةِ الباطِنَةِ أَكْثَرَ مِمّا يَتَعَلَّقانِ بأَوْصافِ الصُّورَةِ الظّاهِرَةِ، ولهذا تَكَرَّرتِ الأَحادِيثُ في مَدْح حُسْنِ الخُلُقِ في غَيْرِ مَوْضعٍ، كقَولِه: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيماناً أَحْسَنُهم خُلُقاً»، وقولِه: «إِنَّ العَبْدَ ليُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه دَرَجَةَ الصَّائِم القائِمِ»، وقولِهِ: «بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأَخْلاقِ» وكذلِكَ جاءَت في ذَمِّ سُوءِ الخُلُقِ أَيْضاً أَحادِيثُ كَثِيرَة.

  والأَخْلَقُ: الأَمْلَسُ المُصْمَتُ من كُلِّ شَيْءٍ، قالَ رُؤْبَةُ:

  وَبَطَّنَتْهُ بَعْدَ ما تَشَبْرَقَا⁣(⁣٢) ... من مَزْقِ مَصْقُولِ الحَواشِي أَخْلَقَا

  وقالَ ذُو الرُّمَّةِ:

  أَخَا تَنائِفَ أَغْفَى عندَ ساهِمَةٍ ... بأَخْلَقِ الدَّفِّ مِنْ تَصْدِيرِها جُلَبُ

  وفِي حَدِيثِ عُمَرَ ¥: «لَيْسَ الفَقِيرُ الَّذِي لا مَالَ لَه، إِنَّما الفَقِيرُ الأَخْلَقُ الكَسْبِ»، أَرادَ أَنَّ الفَقْرَ الأَكبَرَ إِنَّما هو فَقْرُ الآخِرَةِ لمَنْ لم يُقَدِّمْ من مالِه شَيْئاً يُثابُ عليه هُنالِكَ. وفي حَدِيثٍ آخَر: «أَمّا مُعاوِيَةُ فرَجُلٌ أَخْلَقُ من المالِ».

  والخِلْقَةُ، بالكسرِ: الفِطْرَةُ التي فُطِرَ عليها الإِنْسانُ كالخَلْقِ. والخُلْقُ، بالضمِّ: المَلاسَةُ، والنُّعُومَةُ، كالخلُوقَةِ والخَلاقَةِ بفَتْحِهما على مُقْتَضَى إِطْلاقِهم، والصَّحِيحُ أَنَّ الخُلُوقَةَ بمَعْنَى المَلاسَةِ بالضَّمِّ، مَصْدَرُ خَلُقَ كَكَرُمَ.

  وقالَ أَبو سَعِيدٍ: الخَلَقَةُ بالتَّحْرِيكِ⁣(⁣٣): السَّحابَةُ المُسْتَوِيَةُ المُخِيلَةُ للمَطَرِ، وأَنْشَدَ لأَبِي دُوادٍ الإِيادِيِّ:

  ما رَعَدَتْ رَعْدَةٌ ولا بَرَقَتْ ... لكِنّها أُنْشِئَتْ لنا خَلَقَهْ

  فالماءُ يَجْرِي ولا نِظامَ لَهُ ... لو يَجِدُ الماءُ مَخْرَجاً خَرَقَهْ

  وأَنْشَدَه الجَوْهَرِيُّ على «خَلِقَهْ» كفَرِحَة.

  والخَلْقاءُ من الفَراسِنِ: الّتِي لا شَقَّ فِيها عن ابْنِ عَبّادٍ.

  وفي حَدِيثِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيزِ كُتِبَ له في امْرأَةٍ خَلْقاءَ تَزَوَّجَها رَجُلٌ، فكَتَب إِليه: «إِنْ كانُوا عَلِمُوا بذلِكَ يَعْنِي أَولِياءَها، فأَغْرِمْهُمْ صَداقَها لزَوْجِها».

  الخَلْقاءُ هي: الرَّتْقاءُ لأَنَّها مُصْمَتَةٌ كالصَّفاةِ الخَلْقاءِ؛ قال ابنُ سِيدَه: هو مَثَلٌ بالهَضْبَةِ الخَلْقاءِ؛ لأَنَّها مُصْمَتَةٌ مِثْلُها.

  كالخُلَّقِ؛ كرُكَّعٍ وهذه عن ابْنِ عَبّادٍ.

  والخَلْقاءُ: الصَّخْرَةُ ليسَ فِيها وَصْمٌ، ولا كَسْرٌ قالَ ابنُ أَحْمَرَ الباهِلِيُّ:

  في رَأْسِ خَلْقاءَ مِنْ عَنْقاءَ مُشْرِفَةٍ ... لا يُبْتَغَى دُونَها سَهْلٌ ولا جَبَلُ

  وهي بَيِّنَةُ الخَلَقِ، مُحَرَّكَةً.

  وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ⁣(⁣٤): الخَلْقاءُ من البَعِيرِ وغَيْرِه. جَنْبُه، ويُقالُ: ضَرَبْتُ علَى خَلْقاءِ جَنْبِه أَيضاً أَي: صَفْحَةِ جَنْبِه.

  والخَلْقاءُ من الغارِ الأَعْلَى: باطِنُه وما امْلَاسَّ منه، قالَه اللَّيْثُ.

  والخَلْقاءُ من الجَبْهَةِ: مُسْتَواها وما امْلاسَّ منها.

  كالخُلَيْقاءِ بالتَّصْغِير فِيهما أَي: في الغارِ والجَبْهَةِ، وقِيلَ: هُما ما ظَهَر من الغارِ، وقد غَلَب عليه لَفْظُ التَّصْغِيرِ.


(١) سورة القلم الآية ٤.

(٢) بالأصل: وبطنه من بعد ما تشرقا» والمثبت عن المطبوعة الكويتية، وفي ديوانه ص ١١٠ «تحت» بدل «بعد».

(٣) ومثله في التكملة، وفي اللسان ضبط قلم خلقة بكسر اللام. هنا وفي البيت الشاهد.

(٤) الجمهرة ٢/ ٢٤.