تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الخاء مع القاف

صفحة 126 - الجزء 13

  وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيٍّ للشّاعِر:

  هاجَ الهَوَى رَسْمٌ بذَاتِ الغَضَا ... مُخْلَوْلِقٌ مُسْتَعْجِمٌ مُحْوِلُ

  واخْلَوْلَقَ مَتْنُ الفَرَسِ: إِذَا امَّلَسَ.

  ويُقال: خالَقَهُم مُخالَقَةً: إِذا عاشَرَهُم على أَخْلاقِهِم، ومنه الحَدِيثُ: «اتَّقِ الله حَيْثُ كُنْتَ، وأَتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُها، وخالِقِ النّاسَ بخُلُقٍ حَسَن».

  ويُقال: خالِصِ المُؤْمِنَ، وخالِقِ الكافِرَ، وقالَ الشاعِر:

  خالِقِ النّاسَ بخُلْقٍ حَسَنٍ ... لا تَكُنْ كَلْباً على النّاسِ يَهِرّ⁣(⁣١)

  * ومما يُسْتَدْرَكُ عليه:

  من صِفاتِ الله تَعالَى - جَلَّ وَعَزّ -: الخَلّاقُ، ففي كِتابِه العَزِيز: {بَلى وَهُوَ الْخَلّاقُ الْعَلِيمُ}⁣(⁣٢) ومَعْناه ومَعْنَى الخالِقِ سواءٌ.

  وخَلَقَ اللهُ الشَّيْءَ خَلْقاً: أَحْدَثَه بعدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ.

  والخَلْقُ: يَكُونُ المَصْدَرَ، ويَكُون المَخْلُوقَ.

  وفي الأَساسِ: ومن المَجازِ: خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ: أَوْجَدَهُ على تَقْدِيرٍ أَوْجَبَتْهُ الحِكْمَةُ.

  وقولُه ø: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ}⁣(⁣٣) قيل: مَعْناهُ دِينُ اللهِ، قالَه الحَسَنُ ومُجاهِدٌ؛ لأَنَّ الله فَطَرَ الخَلْقَ على الإِسْلامِ، وخَلَقَهُم من ظَهْرِ آدَمَ # كالذَّرِّ، وأَشْهَدَهُم أَنَّه رَبُّهُم، وآمَنُوا، فمَنْ كَفَرَ فقَدْ غَيَّرَ خَلْقَ اللهِ، وقِيلَ: المُرادُ به هُنا الخِصَاءُ، قال ابنُ عَرَفَة: ذَهَبَ قومٌ إِلى أَنَّ قَوْلَهُما حُجَّةٌ لمن قال: الإِيمانُ مَخْلُوقٌ، ولا حُجَّةَ له، لأَنَّ قَوْلَهُما: دِينُ اللهِ أَرادَا حُكْمَ اللهِ، وكَذَا قَولُه تَعالَى: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ}⁣(⁣٤) قالَ قَتادَةُ: أَي: لدِينِ اللهِ. وحَكَى اللَّحْيانِيُّ عن بَعْضِهم: لا والَّذِي خَلَقَ الخُلُوقَ ما فَعَلْتُ ذلِك، يريدُ جَمِيعَ الخَلْقَ.

  ورَجُلٌ خَلِيقٌ، كأَمِيرٍ، بَيِّنُ الخَلْقِ، أَي: تامُّ الخَلْقِ مُعْتَدِلٌ، وهي خَلِيقَةٌ، وقِيلَ: خَلِيقٌ: تَمَّ خَلْقُه، وقِيلَ: حَسُنَ خَلْقُه، وقالَ اللَّيْثُ: امْرأَةٌ خَلِيقَةٌ: ذاتُ جِسْمٍ وخَلْقٍ، ولا يُنْعَتُ به الرَّجُل.

  وفي حَديثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وقَتْلِه أَبا جَهْلٍ: «وهو كالجَمَلِ المُخَلَّقِ» أَي: التامِّ الخَلْقِ. والخَلِيقُ كالخَلِيقَةِ، عن اللِّحْيانِيِّ، قالَ: وقالَ القَنانِيُّ في الكِسائِيِّ:

  وما لِي صَدِيقٌ ناصِحٌ أَغْتَدِي لَهُ ... ببَغْدادَ إِلّا أَنْتَ بَرٌّ مُوافِقُ

  يَزِينُ الكِسائِيَّ الأَغَرَّ خَلِيقُهُ ... إِذا فَضَحَتْ بعضَ الرِّجالِ الخَلائِقُ

  وقد يَجُوز أَنْ يَكُونَ الخَلِيقُ جَمْعَ خَلِيقَةٍ، كشَعِيرٍ وشَعِيرَةٍ، قالَ: وهُو السّابِقُ إِليَّ.

  والخَلِيقَةُ: الأَرْضُ المَحْفُورَةُ.

  والخُلُقُ: العادَةُ، ومنه قَوْلُه تعالى: {إِنْ هذا إِلّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ}.

  وخَلَقَ الثَّوْبُ: بَلِيَ، وأَنْشَد ابنُ بَرِّيٍّ للشّاعِرِ:

  مَضَوْا وكأَنْ لَمْ تَغْنَ بالأَمْسِ أَهْلُهُم ... وكُلُّ جَدِيدٍ صائِرٌ لِخُلُوقِ

  وقد أَخْلَقَ الثَّوْبُ إِخْلاقاً، واخْلَوْلَقَ: إِذا بلِيَ، وأَخْلَقْتُه⁣(⁣٥) أَنَا: أَبْلَيْتُه، يَتَعَدَّى ولا يَتَعدَّى.

  ويُقال: أَخْلَقَ فَهُو مُخْلِقٌ: صارَ ذا إِخْلاقٍ، وأَنْشَد ابنُ بَرِّيٍّ لابن هَرْمَةَ:

  عَجِبَتْ أُثَيْلَةُ أَنْ رَأَتْنِي مُخْلِقاً ... ثَكِلَتْكِ أُمُّكِ، أَيُّ ذاكِ يَرُوعُ؟

  قد يُدْرِكُ الشَّرَفَ الفَتَى ورِداؤُه ... خَلَقٌ وجَيْبُ قَمِيصِه مَرْقُوعُ


(١) البيت لطرفة بن العبد وهو في ديوانه ط بيروت ص ٦٣ برواية:

خالط الناس بخلقٍ واسع ... لا تكن كلباً على الناس تهرّ

وهو من الحكم.

(٢) سورة يس الآية ٨١.

(٣) سورة النساء الآية ١١٩.

(٤) سورة الروم الآية ٣٠.

(٥) عن اللسان وبالأصل «أو خلقته أنا».