تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[ذملق]:

صفحة 158 - الجزء 13

  وَغَسّاقٌ}⁣(⁣١) وقالَ تَعالَى: {فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} فتَأَمَّلْ كَيفَ جَمَعَ الذَّوْقَ واللِّباسَ حَتّى يَدُلَّ على مُباشَرةِ الذَّوْقِ وإِحاطَتِه وشُمُولِه، فأَفادَ الإِخْبارُ عن إِذاقَتِه أَنّه واقِعٌ مُباشَرٌ غَيْرُ مُنْتَظَر، فإِنَّ الخَوْفَ قد يُتَوَقَّعُ ولا يُباشَر، وأَفادَ الإِخْبارُ عن لِباسِه أَنّه مُحِيطٌ شامِلٌ كاللِّباسِ للبَدَنِ، وفي الحَدِيثِ: «ذاقَ طَعْمَ الإِيمانِ مَنْ رَضِيَ باللهِ رَبًّا، وبالإِسْلامِ دِيناً وبمُحَمَّدٍ رَسُولاً»، فأَخْبَرَ أَنَّ للإِيمانِ طَعْماً، وأَنَّ القَلْبَ يَذُوقُه، كما يَذُوقُ الفَمُ طَعْمَ الطَّعامِ والشَّرابِ، وقد عَبَّرَ النَّبِيُّ عن إِدْراكِ حَقِيقَةِ الإِيمان والإِحْسانِ.

  حصولهِ⁣(⁣٢) للقلبِ ومُباشَرَتِه له بالذَّوْقِ تارَةً، وبالطَّعامِ والشَّرابِ تارةً، وبوِجْدانِ الحَلاوَةِ تارةً، كما قالَ: «ذاقَ طَعْمَ الإِيمانِ ... الحديث» وقالَ: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فيهِ وَجَدَ حَلاوةَ الإِيمانِ».

  قالَ: والذَّوْقُ عندَ العارِفينَ: مَنْزِلَةٌ مِنْ مَنازِلِ السّالِكِينَ أَثْبَتُ وأَرْسَخُ من مَنْزلَة الوَجْدِ، فتَأَمَّلْ ذلك.

  ومن المَجازِ ذاقَ القَوْسَ ذَوْقاً: إِذا جَذَبَ وَتَرَها اخْتِباراً ليَنْظُر ما شِدَّتُها، قال الشَّمّاخُ:

  فذاقَ فأَعْطَتْهُ من اللِّينِ جانِباً ... كَفَى وَلَهَا أَنْ يُغْرِقَ النَّبْلَ حاجزُ

  أَي: لَها حاجِزٌ يمنَعُ من إِغراقٍ.

  وما ذاقَ ذَواقاً أَي: شَيْئاً والذَّواقُ فَعالٌ: بمعنى مَفْعُول من الذَّوْقِ، ويَقعُ على المَصْدَرِ والاسمِ، وفي الحَدِيثِ: «لم يَكُنْ يَذُمُّ ذَواقاً» وفي الحَدِيثِ - في صِفَةِ الصَّحابَةِ -: «يَدْخُلُونَ رُوّاداً⁣(⁣٣)، ولا يَتَفَرَّقُونَ إِلّا عَنْ ذَواق، ويَخْرُجُونَ أَدِلَّةً» قال القُتَيْبيُّ: الذَّواقُ: أَصْلُه الطَّعْمُ، ولم يُرِدِ الطَّعْمَ ههُنا، ولكِنَّهُ ضَرَبَهُ مَثَلاً لما يَنالُونَ عِنْدَهُ من الخَيْرِ، وقالَ ابنُ الأَنْبارِيِّ: أَراد لا يَتَفَرَّقُونَ إِلّا عَن عِلْمٍ يتَعَلَّمُونَه، يقومُ لهم مَقامَ الطَّعامِ والشَّرابِ، لأَنّه كانَ يَحْفَظُ أَرْواحَهُم، كما كانَ يَحْفَظُ الطَّعامُ أَجْسامَهُمْ. وقالَ أَبو حَمْزَةَ: يقالُ: أَذاقَ زَيْدٌ بَعْدَكَ سَرْواً، أَي صارَ: سَرِيًّا، وكَرَماً أَي: صارَ كَرِيماً وأَذاقَ الفَرَسُ بعدَك عَدْواً، أَي: صارَ عَدّاءً بعدَك، وهو مَجازٌ.

  وتَذَوَّقَهُ أَي: ذاقَهُ مَرَّةً بعدَ مَرَّةِ وشَيْئاً بعدَ شَيْءٍ.

  وتَذاوَقُوا الرِّماحَ: إِذا تَناوَلُوها قالَ ابنُ مُقْبِلٍ:

  أَو كاهْتِزازِ رُدَيْنيٍّ تَذاوَقَهُ ... أَيْدِي التِّجارِ فزَادُوا مَتْنَه لِينَا

  وهو مَجازٌ.

  * ومما يُسْتَدرَكُ عليه:

  المَذاقُ، يكونُ مَصْدَراً، ويكونُ اسْماً.

  وتَقُول: ذُقْتُ فُلاناً، وذُقْتُ ما عِنْدَه، أَي: خَبَرْتُه.

  والذَّوّاقُ، كشَدّادٍ: السَّرِيعُ النِّكاحِ السَّرِيعُ الطّلاقِ، وهي ذَوّاقَةٌ، وقد نُهِيَ عن ذلِك.

  والذَّوّاقُ أَيْضاً: المَلُولُ.

  واسْتَذاقَ فُلاناً: خَبَره فلَمْ يَحْمَدْ مَخْبَرَتَه.

  وأَمْرٌ مُسْتَذاقٌ، أَي: مُجَرَّبٌ مَعْلُومٌ.

  وذَوْقُ العُسَيْلَةِ: كِنايَةٌ عن الإِيلاجِ.

  ويَومٌ ما ذُقْتُه طَعاماً، أَي: ما ذُقْتُ فيهِ.

  وتَذاوَقَه، كذَاقَهُ.

  وهو حَسَنُ الذَّوْقِ للشِّعْرِ: مَطْبُوعٌ عليه.

  وما ذُقْت غَماضاً، وما ذُقْتُ في عَيْنِيَ نَوْماً.

  وذاقَتْها يَدِي، وذاقَتْ [كَفِّي]⁣(⁣٤) فُلانَةَ: إِذا مَسَّتْها.

  ويُقال: ذِيقَ كَذِبُه، وخُبِرَتْ حالُه⁣(⁣٥).

  واسْتَذاقَ الأَمْرُ لفُلانٍ: انْقادَ لَهُ، ولا يَسْتَدِيقُ لي الشِّعْر إِلّا في فُلان.

  ودَعْنِي أَتَذَوَّق طَعْمَ فُلانٍ.


(١) سورة ص الآية ٥٧.

(٢) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: حصوله، كذا بالأصل، ولعل الأولى: وحصوله».

(٣) عن الفائق ٢/ ٩٠ وبالأصل «روداً» الحديث برواية أخرى في اللسان والنهاية.

(٤) زيادة عن الأساس.

(٥) وردت في الأساس شرحاً لقول جرير:

وعهد الغانيات كعهد قينٍ ... ونت عنه الجعائلُ مستذاقِ