تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[سوق]:

صفحة 227 - الجزء 13

  وقالَ ابنُ الأَنْبارِيِّ: يَذْكُرُونَ السّاقَ إِذا أَرادُوا شِدَّةَ الأَمْرِ، والإِخْبارَ عن هَوْلِهِ كما يُقال: الشَّحِيحُ يَدُه مَغْلُولَةٌ، ولا يَدَ ثَمَّ ولا غُلَّ، وإِنّما هُوَ مَثَلٌ في شِدَّةِ البُخْلِ، وكذلِك هذا، لا ساقَ هُناك ولا كَشْفَ، وأَصْلُه أَنّ الإِنْسانَ إِذا وَقَع في⁣(⁣١) شِدَّةٍ يُقالُ: شَمَّرَ ساعِدَه، وكَشَف عن ساقِه، للاهْتِمامِ بذلِكَ الأَمْرِ العَظِيمِ، قالَ ابنُ سِيدَه: وقد يَكُونُ يُكْشَفُ عن ساقٍ؛ لأَنَّ الإِنْسانَ إِذا دَهَمَتْهُ شِدَّةٌ شَمَّرَ لَها عن ساقَيْهِ، ثُمَّ قِيلَ للأَمْرِ الشَّدِيدِ: ساقٌ، ومنه قَوْلُ دُرَيْدٍ:

  كَمِيشُ الإِزارِ خارِجٌ نِصْفُ ساقِهِ⁣(⁣٢)

  أَرادَ: أَنه مُشَمِّرٌ جادٌّ، ولم يُرِدْ خُرُوجَ السّاقِ بعَيْنِها.

  ومن المَجازِ: وَلَدَتْ فُلانَةُ ثَلاثَةَ بَنِينَ على ساقٍ واحِدٍ، كما في الصِّحاح، وفي العُبابِ: واحِدَةٍ، أَي: مُتَتابِعَةً بَعضُهم عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ لا جارِيَةَ بَيْنَهُم نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وهو قَوْلُ ابنِ السِّكِّيتِ، وقالَ غيرُه: وُلِدَ لفُلانٍ ثَلاثَةُ أَولادٍ ساقاً على ساقٍ، أَي: واحِداً في إِثْرِ واحِدٍ.

  وساقُ الشَّجَرةِ: جِذْعُها كما في الصِّحاحِ، وهو مَجازٌ، وقِيلَ: هو ما بَيْنَ أَصْلِها إِلى مَشْعَبِ أَفْنانِها، وفي حَدِيثِ مُعاوِيَةَ ¥: «إِنَّ رَجُلاً قالَ: خاصَمْتُ إِليه ابنَ أَخِي، فجَعَلْتُ أَحُجُّه، فقالَ: أَنْتَ كما قالَ أَبُو دُوادٍ:

  أَنَّى أُتِيحَ لَهُ حِرْباءُ تَنْضُبُةٍ ... لا يُرْسِلُ السّاقَ إِلّا مُمْسِكاً ساقَا

  أَرادَ: لا تَنْقَضِي له حُجَّةٌ إِلّا تَعَلَّقَ بأُخْرىَ، تَشْبِيهاً بالحِرْباءِ، والأَصْلُ فيهِ أَنَّ الحِرْباءَ يَسْتَقْبِلُ الشمسَ ثم يَرْتَقِي إِلى غُصْنٍ أَعْلَى مِنْه، فلا يُرْسِلُ الأَوَّلَ حَتّى يَقْبِضَ على الآخَرِ.

  وساقُ حُرٍّ: ذَكَرُ القَمارِيِّ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ للكُمَيْتِ:

  تَغْرِيد ساقٍ عَلَى ساقٍ يُجاوِبُها ... من الهَواتِفِ ذاتُ الطَّوْقِ والعُطُلُ

  عَنَى بالأَوَّلِ الوَرَشَان، وبالثانِي ساقَ الشَّجَرَةِ. قلتُ: ومثلُه قولُ الشَّمّاخِ:

  كادَتْ تُساقِطُنِي والرَّحْلَ إِذ نَطَقَتْ ... حَمامَةٌ فدَعَتْ ساقاً على ساقِ

  قالَ الأَصْمَعِيُّ: سُمِّي بهِ لأَنَّ حِكايَةَ صَوْتِه ساقُ حُرٍّ قالَ - حُمَيْدٌ [بن ثور]⁣(⁣٣) ¥ -:

  وما هاجَ هَذا الشَّوْقَ إِلّا حَمامَةٌ ... دَعَتْ ساقَ حُرٍّ في حَمامٍ تَرَنَّما

  وذَكَر أَبو حاتِمٍ في كِتابِ الطَّيْرِ - عَقِيبَ ذَكَرِ القُمْرِيِّ - قالَ: إِنّه يَضْحَكُ، كما يَضْحَكُ الإِنْسانُ، وساقُ حُرٍّ كالقُمْرِيِّ يَضْحَكُ أَيْضاً، وسُمِّيَ بصِياحِه ساقَ حُرٍّ، ولا تَأْنِيثَ لَهُ ولا جَمْعَ، وقالَ السُّكَّرِيُّ: القُمْرِيُّ والصُّلْصُلُ وما أَشْبَهَهُما تُسَمِّيها العَرَبُ الحَمامَ، وهو ساقُ حُرٍّ، ويُقال: ساقُ حُرٍّ أَبُوهُنَّ الأَوَّلُ، وإِنّ أَصْواتَهُنَّ إِنَّما هيَ نَوْحٌ، ومنه قَوْلُ ابنِ هَرْمَةَ:

  ولا بالَّذِي يَدْعُو أَباً لا يُجِيبُهُ ... كساقِ ابْنِ حُرٍّ والحَمامِ المُطَوَّقِ

  وقالَ خَديجُ بنُ عَمْرٍو - أَخُو النَّجاشِيِّ -:

  سأَبْكِي عَلَيْهِ ما بَقِيتُ وَراءَه ... كما كانَ يَبْكِي ساقُ حُرٍّ حلائِلَهْ

  أَو السّاقُ: الحَمامُ، والحُرُّ فَرْخُها نَقَله شَمِرٌ عن بَعْضٍ.

  وساق ع في قَوْلِ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى:

  عَفَا من آلِ لَيْلَى بَطْنُ ساقٍ ... فأَكْثِبَةُ العَجالِزِ فالقَصِيمُ⁣(⁣٤)

  ويُقالُ له ساقُ الرِّجْلِ.

  وساقُ الفَرْوِ، أَو ساقُ الفَرْوَيْنِ: جَبَلٌ لأَسَد، كأَنَّهُ قَرْنُ ظَبْيٍ قالَ:

  أَقْفَرَ من خَوْلَةَ ساقُ الفَرْوَيْن ... فحضنٌ فالرُّكْنُ من أَبانَيْن

  وساقُ الفَرِيدِ: ع قالَ الحُطَيْئَةُ:


(١) اللسان: في أمرٍ شديدٍ.

(٢) ديوانه وعجزه فيه:

صبور على العزّاء طلّاع أَنْجُدِ

(٣) زيادة للإيضاح، والبيت الشاهد في ديوانه برواية مختلفة.

(٤) ديوانه ط بيروت ص ٩٦، وبهامشه: بطن ساق والقصيم موضعان.