تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل السين مع القاف

صفحة 228 - الجزء 13

  فتَبَّعْتُهُمْ عَيْنَيَّ حَتَّى تَفَرَّقَتْ ... مَعَ اللَّيْلِ عَنْ ساقِ الفَرِيدِ الحَمائِلُ⁣(⁣١)

  والسّاقَةُ: حِصْنٌ باليَمَنِ من حُصُونِ أَبْيَنَ.

  وساقُ الجِواءِ: ع آخر.

  وساقَةُ الجَيْشِ: مُؤَخَّرُه نَقَلهُ الجَوْهَرِيُّ، وهو مَجازٌ، ومنه الحَدِيث: «طُوبَى لعَبْدٍ آخِذٍ بعِنانِ فَرَسِه في سَبِيلِ اللهِ أَشْعَثَ رَأْسُه، مُغْبَرَّةٍ⁣(⁣٢) قَدَماهُ، إِنْ كانَ في الحِراسَةِ كانَ في الحِراسَةِ، وإِنْ كانَ في السّاقَةِ كانَ في السّاقَةِ، إِن اسْتَأْذَنَ لم يُؤذَنْ له، وإِن شَفَع لَمْ يُشَفَّعْ».

  والسّاقَةُ: جمعُ سائِقٍ، وهُم الَّذِينَ يَسُوقُونَ الجَيْشَ الغُزاةَ، ويكونُونَ من ورائِهم، يَحْفَظُونَه، ومنه ساقَةُ الحاجِّ.

  وساقَ الماشِيَةَ سَوْقاً وسِياقَةً بالكَسْرِ ومَساقاً وسَيَاقاً كسَحابٍ، واسْتاقَها وأَساقَها فانْساقَتْ فهو سائِقٌ وسَوّاقٌ كشَدّادٍ، شُدِّدَ للمُبالَغَةِ، قال أَبو زُغْبَةَ الخارِجيُّ، وقِيلَ للحُطَمِ القَيْسِيِّ:

  قد لَفَّها اللَّيْلُ بسَوّاقٍ حُطَمْ ... لَيْسَ براعِي إِبِلٍ ولا غَنَمْ

  وقولُه تَعالى: {إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ}⁣(⁣٣) وقولُه تَعالى: {مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ}⁣(⁣٤) قيل: سائِقٌ يَسُوقُها إِلى المَحْشَرِ، وشَهِيدٌ يَشْهَدُ عَلَيْها بعَمَلِها، وأَنْشَدَ ثَعْلَبٌ:

  لَوْلا قُرَيْشٌ هَلَكَتْ مَعدُّ ... واسْتاقَ مالَ الأَضْعَفِ الأَشَدُّ

  وفي الحَدِيثِ: «لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ من قَحْطانَ يَسُوقُ النّاسَ بعَصاهُ»، هو كِنايَةٌ عن اسْتِقامَةِ النّاسِ وانْقِيادِهم له واتِّفاقِهِم عَلَيْه، ولم يُرِدْ نَفْسَ العَصا، وإِنَّما ضَرَبَهَا مَثَلاً لاسْتِيلائِه عليهِم، وطاعَتِهِم لَهُ إِلّا أَنَّ في ذِكْرِها دَلالةً على عَسْفِه بِهِم، وخُشُونَتِه عَلَيْهِم.

  ومن المَجازِ: ساقَ المَرِيضُ يَسُوقُ سَوْقاً وسِياقاً ككِتابٍ: إِذا شَرَعَ في نَزْعِ الرُّوحِ كذا في العُبابِ، واقْتَصَر الجَوْهَرِيُّ عَلَى السِّياقِ، ويُقالُ أَيْضاً: ساقَ بنَفْسِه سِياقاً نَزَع بِها عند المَوْتِ، وتقولُ: رَأَيْتُ فُلاناً يَسُوقُ سُوُوقاً كقُعُودٍ، وقالَ الكِسائيُّ: هو يَسُوقُ نَفْسَه، ويَفِيظُ نَفْسَه، وقالَ ابنُ شُمَيْلٍ: رَأَيْتُ فُلاناً بالسَّوْقِ، أَي: بالمَوْتِ يُساقَ سَوْقاً، وإِنّ نَفْسَه لتُسَاقُ، وأَصْلُ السِّياقِ سِواقٌ، قُلِبَت الواوُ ياءً لكَسْرَةِ السِّينِ.

  وساقَ فُلاناً يَسُوقُه سَوْقاً: أَصابَ ساقَهُ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.

  ومن المَجازِ: ساقَ إِلى المَرْأَة مَهْرَها وصَداقَها سِياقاً: أَرْسَلَه كأَساقَه وإِن كانَ دَراهِمَ أَو دَنانِيرَ؛ لأَنَّ أَصْلَ الصَّداقِ عندَ العَرَبِ الإِبِلُ، وهي الَّتِي تُساقُ، فاسْتُعْمِلَ ذلِكَ في الدِّرْهَمِ والدِّينارِ وغَيْرِهِما، ومِنْهُ الحَدِيثُ: «أَنَّه قالَ لعَبْدِ الرَّحْمنِ وقد تَزَوَّجَ بامْرَأَةٍ من الأَنْصارِ ما سُقْتَ إِلَيْها؟» أَي: ما أَمْهَرْتَها؟ وفي رِوايَةٍ «ما سُقْتَ مِنْها» بمَعْنَى البَدَلِ.

  ونَجْمُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بنُ عُثْمانَ بنِ السائِقِ الدِّمَشْقِيُّ وأَخُوه علاءُ الدِّينِ عَلِيٌّ، حَدَّثا، الأَخِيرُ سَمِعَ من الرَّشِيدِ بنِ مَسْلَمَةَ.

  ومن المَجازِ: السِّياقُ ككِتابٍ: المَهْرُ، لأَنَّهُم إِذا تَزَوَّجُوا كانُوا يَسُوقُونَ الإِبِل والغَنَمَ مَهْراً؛ لأَنَّها كانَت الغالِبَ على أَمْوالِهِم، ثُمَّ وُضِعَ السِّياقُ موضِعَ المَهْرِ وإِن لَمْ يَكُنْ إِبِلاً وغَنَما.

  والأَسْوَقُ من الرِّجالِ: الطَّوِيلُ السّاقَيْنِ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: الغَلِيظُ السّاقيْنِ أَو حَسَنُهما، وهي سَوْقاءُ حَسَنَةُ السّاقَيْنِ، وقالَ اللَّيْثُ: امْرَأَةٌ سَوْقاءُ تارَّةُ السّاقَيْنِ ذاتُ شَعْرٍ والاسْمُ السَّوَقُ، مُحَرَّكَةً قالَ رُؤْبةُ:

  قُبٌّ مِنَ التَّعْداءِ حُقْبٌ في سَوَقْ

  والسَّيِّقَةُ، ككَيِّسَةٍ: ما اسْتاقَهُ العَدُوُّ من الدّوابِّ مثلُ الوَسِيقَةِ، أَصْلُها سَيْوِقَةٌ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ هي الطَّرِيدَةُ الَّتِي يَطْرُدُها من إِبِلِ الحَيِّ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للشاعِرِ، وهو نُصَيْب بن رَبَاح:

  فَما أَنا إِلّا مِثْلُ سَيِّقَةِ العِدا ... إِن اسْتَقْدَمَتْ نَحْرٌ وإِن جَبَأَتْ عَقْرُ⁣(⁣٥)


(١) ديوانه ط بيروت ص ٢١٣ ويروى «الجمائل» وبهامشه فهو جمع جمالة.

(٢) عن المطبوعة الكويتية، نقلاً عن البخاري، وبالأصل «مغبر».

(٣) سورة القيامة الآية ٣٠.

(٤) سورة ق الآية ٢١.

(٥) في التهذيب: «وهل كنت إلّا» وفي اللسان: «وهل أنا إلّا».