تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[صدق]:

صفحة 261 - الجزء 13

  ساكِنِها أَفضَلُ الصلاةِ والسّلامِ، وبه فَسَّرَ السُّكَّرِيُّ قولَ القَتّالِ الكِلابِيِّ:

  إِلى ظُعُنٍ بينَ الرُّسَيْسِ فعاقِل ... عوامِدَ للشِّيقَيْنِ أَو بَطْنِ خَنْثَلِ

  وذُو الشِّيقِ، بالكسرِ: ع وهو فِي قَوْلِ المُتَنَخِّلِ الهُذَلِيِّ «ذات الشِّيقِ»:

  كأَنَّ عَجُوزِي لم تَلِدْ غَيْرَ واحِدٍ ... وماتَتْ⁣(⁣١) بذاتِ الشِّيقِ

  [والشِّيقَةُ بالكسر: طَائِرٌ مائِيٌّ] *.

  * ومما يُسْتَدْرَكُ عليهِ:

  الشِّيقُ بالكَسْرِ: ما جُذِبَ⁣(⁣٢).

  والشِّيقُ: ما لم يَزُلْ.

  وشاقَ الطُّنُبَ إِلى الوَتِدِ شَيْقاً، مثل شاقَهُ شَوْقاً⁣(⁣٣).

  وقالَ ابنُ عَبّادٍ: الشِّياقُ، ككِتابٍ: النِّياطُ.

فصل الصاد مع القاف

  [صدق]: الصِّدقُ بالكَسْر والفَتح: ضِدُّ الكَذِب والكسر أَفصح كالمَصْدُوقَة، وهي من المَصادر التي جاءَت على مَفعُولة، وقد صَدقَ يَصدُق صَدْقاً وصِدْقاً ومَصْدُوقَةً⁣(⁣١).

  أَو بالفَتْح مَصْدرٌ، وبالكَسْر اسمٌ.

  قال الرّاغِب: الصِّدْق والكَذِب أَصلُهُما في القَوْل، ماضِياً كان أَو مُسْتَقْبلاً، وَعْداً كان أَو غيره، ولا يَكونَان بالقَصْدِ الأَول إِلّا في القَوْل، ولا يَكونَان من القَوْل إِلّا في الخَبَرِ دُون غَيْره من أَنواع الكلام، ولذلك قال تَعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً}⁣(⁣٤)، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً}⁣(⁣٥) {وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ}⁣(⁣٦).

  وقد يَكُونان بالعَرْض في غَيْره من أَنْواع الكلام، كالاستِفْهام، والأَمْر، والدُّعاءِ، وذلِك نَحوُ قولِ القَائِل: أَزَيْدٌ في الدّارِ؟ فإِنَّه في ضِمْنه إِخْبار بكَوْنِه جَاهِلاً بِحالِ زيْدٍ، وكذا إِذا قال: وَاسِني، في ضِمْنِه أَنَّه مُحْتاج إِلى المُواساةِ، وإِذا قال: لا تُؤْذنِي، فَفِي ضِمْنِه أَنه يُؤذِيه، قال: والصِّدقُ: مطابَقَةُ القَولِ الضَّمِيرَ، والمُخْبَرَ عنه مَعاً، ومَتَى انْخَرَم شَرْطٌ من ذلك لم يَكُن صِدْقاً تَامّاً، بل إَّما أَلّا يوصف بالصّدق وإِما أَن يُوصَف تارةً بالصّدق وتَارةً بالكَذِب على نَظَرين مُخْتَلِفين، كقَوْلِ كافرٍ - إِذا قالَ من غَيْر اعتِقاد -: مُحمَّدٌ رَسولُ الله، فإِنَّ هذا يَصِحُّ أَن يُقال: صِدْقٌ، لكَوْنِ المخبَر عنه كَذلك. ويَصِحُّ أَن يُقال: كِذْبٌ؛ لمُخالَفَةِ قَولِه ضَمِيرَهُ، وللوجْهِ الثَّانِيِ أَكْذَبَ اللهُ المُنَافِقينَ حَيْثُ قالوا: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ}⁣(⁣٧) فقال: {وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ}⁣(⁣٨) انتَهِى.

  يُقال: صَدَق في الحَدِيثِ يَصدُق صِدْقاً.

  وقد يَتَعَدَّى إِلى مَفْعُولين، تَقول: صدَقَ فُلاناً الحدِيثَ أَي: أَنْبَأَه بالصِّدْقِ. قالَ الأَعْشَى:

  فصدَقْتُها وكَذَبْتُها ... والمَرْءُ ينفَعُه كِذابُهْ⁣(⁣٩)


(١) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: وماتت بذات الشيق، هكذا هو بالأصل الذي بأيدينا، وانظر تمامه» والبيت في ديوان الهذليين ٣/ ٦١ في شعر البريق الهذلي يرثي أخاه وتمامه فيه:

كأن عجوزي لم تلد غير واحد ... وماتت بذات الشَّتِّ غير عقيمِ

والشّتّ شجر طيب الريح وذكر ياقوت أنه موضع بالحجاز، فلعل الموضع نسب إلى هذا الشجر.

وفي شرح أشعار الهذليين ٢/ ٧٤٥ برواية: ومات بذات الشرْي. قال ياقوت موضع في قول البريق وذكر البيت. والشرْي: شجر الحنظل.

(*) ساقطة من المصرية والكويتية.

(٢) في التهذيب: «ما حدث» والأصل كاللسان.

(٣) يعني نيط به، أي شده إليه وأوثقه به، وقد تقدم هذا المعنى في مادة شوق. وشاهده قول دريد بن الصمة يرثي أخاه:

فجئت إليه والرماحُ يَشِقْنَهُ ... كوقعِ الصياصيِ في النسيج الممددِ

(٤) لم ترد في اللسان، وذكر مكانها: وتَصْداقاً.

(٥) سورة النساء الآية ٨٧.

(٦) سورة النساء الآية ١٢٢.

(٧) سورة مريم الآية ٥٤.

(٨) من الآية الأولى من سورة «المنافقون» وبالأصل: «إنك رسول الله».

(٩) لم أجده في ديوانه، والبيت في اللسان.