تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[صدق]:

صفحة 262 - الجزء 13

  ومنه قولُه تَعالَى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ}⁣(⁣١) وقولُه تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ}⁣(⁣٢).

  ومن المجاز: صَدَقُوهم القِتالَ وصَدَقوا في القِتال: إِذا أَقدَمُوا عليهم، عادَلوا بها ضِدَّها حين قالوا: كَذَبوا عنه: إِذا أَحْجَموا.

  وقال الراغب: إِذا وَفَّوْا حَقَّه، وفَعَلوا⁣(⁣٣) على ما يَجِبُ.

  وقد استعمِل الصِّدقُ هنا في الجَوَارح، ومنه قَولُه تعالى: {رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ}⁣(⁣٤) أَي حَقَّقُوا العَهْدَ لِمَا أَظهَرُوه من أَفْعالِهم. وقال زُهيْر:

  لَيْثٌ بِعَثَّرَ يَصْطَادُ الرِّجالَ إِذا ... ما اللَّيثُ كَذَّبَ عن أَقْرانِه صَدَقَا

  ومن أَمثالهم: صَدَقَنِي سِنَّ بَكْرِه، وذلك أَنَّه لمَّا نَفَر قال له: هِدَعْ، وهي كلمةٌ تُسَكَّنُ بها صِغارُ الإِبل إِذا نَفَرت، كما في الصِّحاح، وقد مَرَّ في: هـ د ع هكذا في سائِر النُّسَخ المَوْجُودة، ولم يَذْكُر فيها ذلك، وإِنما تَعرَّض له في «ب ك ر» فكأَنَّه سَهَا، وقَلَّد ما في العُبابِ، فإِنّه أَحالَه على «هدع» ولكنّ إِحالة العُباب صَحِيحة، وإِحالة المُصَنِّفِ غَيْرُ صَحِيحةٍ.

  ومن المجاز: الصِّدقُ، بالكَسْرِ: الشِّدَّة.

  وفي العُباب: كُلُّ ما نُسِب إِلى الصَّلاح والخَيْر أُضِيف إِلى الصِّدْق، فقيل: هو رَجُلُ صِدْقٍ، وصَدِيقُ صِدْقٍ، مُضافَيْنِ، ومَعْناه: نِعْمَ الرَّجُلُ هو، وكذا امرأَةُ صِدْقٍ فإِن جعلته نَعْتاً قلت: الرجل الصَّدْق بفَتْح الصَّاد وهي صَدْقة كما سيأْتي، وكذلك ثوبٌ صَدْقٌ. وخِمارُ⁣(⁣٥) صِدْقٍ حكاه سِيبَوَيْه.

  وقَولهُ ø: وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ⁣(⁣٦) أَي: أَنزلْناهُم مَنْزِلاً صَالِحاً. وقال الرّاغِبُ: ويُعبَّر عن كُلِّ فِعْل فاعِل ظاهِراً وباطِناً بالصِّدق، فيُضاف إِليه ذلك الفِعْلُ الذي يُوصَف به نَحْو قوله ø: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}⁣(⁣٧) وعلى هذا {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ}⁣(⁣٨) وقوله تعالى: {أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ}⁣(⁣٩) {وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}⁣(⁣١٠) فإِن ذلِك سؤالٌ أَن يجعَلَه الله ø صالِحاً بحَيْث إِذا أَثْنَى عليه مَنْ بعدَه لم يكن ذلِك الثَّنَاءُ كَاذِباً⁣(⁣١١)، بَل يَكُون كما قَالَ الشَّاعِر:

  إِذا نَحْن أَثنَيْنا عليكَ بصَالِحٍ ... فأَنتَ كما نُثْنِي وفَوقَ الّذي نُثْنِي

  ويقال: هذا الرَّجُل الصَّدْقُ، بالفتح على أَنه نَعْتٌ للرّجل، فاذا أَضَفْت إِليه كَسَرْت الصَّادَ كما تَقَدَّم قريباً، قال رُؤبةُ يَصِفُ فَرساً:

  والمَرْءُ⁣(⁣١٢) ذو الصِّدقِ يُبَلِّي الصِّدْقا

  والصُّدْق، بالضَّمّ، وبضَمَّتَيْن: جمع صَدْقٍ بالفتح كرَهْنٍ ورُهُن، وأَيضاً جَمْع صَدُوقٍ كَصَبُور، وصَدَاقَ كسَحاب، وسيأْتي بيان كلٍّ منهما.

  والصَّدِيق كأَمِير: الحَبِيبُ المُصادِقُ لكَ، يُقالُ ذلك لِلْواحِدِ، والجَمْعِ، والمُؤَنَّثِ، ومنه قولُ الشاعِر:

  نَصَبْنَ الهَوَى ثُمّ ارتَمَيْنَ قُلوبَنا ... بأَعْيُنِ أَعداءٍ وهُنَّ صَدِيقُ⁣(⁣١٣)

  كما في الصِّحاح، وفي التَّنْزِيل: {فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ ١٠٠ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ}⁣(⁣١٤) فاستَعْمَله جَمْعاً، أَلا تَراه عَطَفه على الجَمْعِ، وأَنْشَد اللَّيث:


(١) سورة آل عمران الآية ١٥٢.

(٢) سورة الفتح الآية ٢٧.

(٣) في المفردات: وفعلوا ما يجب وكما يجب.

(٤) سورة الأحزاب الآية ٢٣.

(٥) في القاموس: وحمار، بالحاء المهملة، والمثبت عن التاج واللسان وضبطت فيه: وخمارٌ صَدْقٌ.

(٦) سورة يونس الآية ٩٣.

(٧) سورة القمر الآية ٥٥.

(٨) سورة يونس الآية ٢.

(٩) سورة الإسراء الآية ٨٠.

(١٠) سورة الشعراء الآية ٨٤.

(١١) في المفردات: كذباً.

(١٢) بالأصل: «والمريّ الصدق» والمثبت عن الديوان ص ١٨٠، وفي التهذيب برواية:

والمرء أي الصدق يبلي صدقاً

(١٣) البيت في اللسان ونسبه إلى جرير، وهو في ديوانه ص ٣٩٨ وبعده:

أوانسُ أما من أردنَ عناءه ... فعانٍ ومن أطلقنه فطليق

(١٤) سورة الشعراء الآيتان ١٠٠ و ١٠١.