فصل الواو مع القاف
  الحافظُ أَبو عَمْرو بنُ عبد البَرّ في الاسْتِيعابِ في تَرْجمة «مِسْطَحِ بنِ أَثاثةَ»، وذَكَر مثلَه جماعةٌ، ونُسِب إِليه من أَشْعارِ الحِكَم وغيرِها شيءٌ كَثِير، والله أَعلمُ، انتهى.
  قلت: ويُرْوَى أَيضاً عنه ¥ أَنّه قالَ يومَ خَيْبر(١):
  دُونَكَها مُتْرعَةً دِهاقَا ... كأْساً زُعافاً مُزِجَت زُعاقَا
  وقد ذُكِر في «ز ع ق».
  وقرأْتُ في تاريخ حَلَب لابنِ العَدِيم ما نَصُّه: وأَخْرَجَ يَعْقُوبُ بنُ شَبَّةَ بنِ خَلَف بنِ سالمٍ، حَدَّثنا وَهْبُ بنُ جَرير، عن ابنِ الخَطَّابِي مُحمدِ بنِ سَواء، عن أَبي جَعْفَرٍ محمدِ بن مَرْوانَ أَنَّ عَلِيّاً قال(٢):
  لِمَنْ رايةٌ سَوْداءُ(٣) يَخْفِقُ ظِلُّها ... إِذا قِيلَ قَدِّمْها حُضَيْنُ تَقدَّما
  فَيُوردُها في الصَّفِّ حَتَّى يَقِيلَها(٤) ... حِياضَ المَنَايا تَقْطُرُ الموتَ والدَّمَا
  جَزَى اللهُ قوماً قاتَلُوا(٥) في لِقائِهم ... لَدَى المَوْت(٦) قِدْماً ما أَعزَّ وأَكرَمَا
  رَبِيعَةَ أَعنِي إِنَّهم أَهلُ نَجْدَة ... وبأْسٍ إِذا لاقَوا خَمِيساً عَرَمْرَما
  وأَخرج أَيضاً بسَنَدِه إِلى أَبي عَبدِ الله إِبراهيمَ بنِ محمّدِ بنِ نِفْطَوَيْه، والحَسَن بن محمّد بن سعيد العَسْكَرِي. قالَ: ومِمَّا يُروَى لعلِيِّ بنِ أَبِي طالبٍ ¥: لِمَنْ رايةٌ سَوْداءُ ... الأَبيات.
  قال: وقال السُّدي: كانَتْ رايتُه حَمْراءَ بصِفِّين، فتأَمَّلْ ذلِكَ. والوَدِيقَة: شِدَّةُ الحَرِّ في نِصْفِ النّهار. قالَ شَمِرٌ: سُمِّيَتْ لأَنها وَدَقت إِلى كلِّ شيءٍ، أَي: وَصَلت إِليه. قالَ أَبو المُثَلَّم الهُذَلِيّ يَرْثِي صَخْرَ الغَيّ:
  حامِي الحَقِيقَةِ نَسّالُ الوَدِيقَةِ مِعْ ... ناقُ الوَسِيقةِ جَلْدٌ غيرُ ثُنْيانِ(٧)
  وقالَ ربيعةُ بنُ مَقْرومٍ:
  كَلَّفْتُها فرَأَتْ حقّاً تَكَلُّفَه ... وَدِيقَةً كأَجِيجِ النّارِ صَيْخُودَا(٨)
  وفي حديثِ زِيادٍ بَلَغَه قَولُ المُغِيرةِ ¥: «لحَدِيثٌ مِنْ عاقل أَحبُّ إِليَّ من الشُّهْدِ بماءِ رَصَفَةٍ، فقال: أَكذاك هو؟، فلهو أَحبُّ إِليَّ من رَثِيئَةَ فُثِئَتْ بسُلَالَةٍ(٩) من ماءِ ثَغْب في يومٍ ذِي وَدِيقَة تَرْمَضُ فيه الآجالُ».
  وقالَ أَبو صاعد: الوَدِيقة: المَوْضِع فيه بَقْل أَو عُشب. ويُقالُ: حَلُّوا في وَدِيقَة مُنكَرةٍ.
  والوَدْقُ بالفَتْح ويُحَرَّك عن كُراع، وعليه اقْتَصَرَ الصّاغانِيُّ: نُقَطٌ حُمْرٌ تَخْرُجُ في العَيْنِ كما في العُبابِ، زَادَ كُراع: من دَمٍ تَشْرَق به أَو لَحْمَة تَعظُم فيها، أَو مَرَض فيها ليس بالرَّمَد تَرِمُ منه الأُذُنُ وتَشْتَدُّ منه حُمرةُ العَيْنِ، الواحِدَة بِهاءٍ. وقالَ الأَصمَعِيُّ: يقالُ: في عَيْنِه وَدَقَةٌ خَفِيفة إِذا كانَتْ فيها بَثْرةٌ أَو نُقْطةٌ شَرِقةٌ بالدَّم.
  وقد وَدِقت عَينُه، كوَجِلَ، تِيدَقُ، بكَسْرِ التَّاءِ، فهي وَدِقَةٌ كفَرِحَةٍ عن الأَصمعيِّ، قالَ رُؤبَةُ:
  كالحَيَّةِ الأَصْيَدِ من طُولِ الأَرَقْ ... لا يَشْتَكِي صُدْغَيْهِ(١٠) من داءِ الوَدَقْ
  والوَادِق: الحَدِيدُ من السَّيْفِ وقد تَقَدَّم شاهدُه من قول أَبي قَيْسِ بنِ الأَسْلت وغَيْرِه. يُشِيرُ إِلى ما ذَهَب أَبو عُبَيد أَنّه يُقالُ: رُمْحٌ وادِقٌ، وأَنشَدَ قولَ أَبي قَيْس السابقَ، وقد تَقدَّمَ أَنَّ ابنَ سِيدَه غَلَّطَه، قالَ: وقد رُوِيَ البَيْتُ الأَول:
(١) في الأساس «يزعق»: يوم حُنين.
(٢) الأبيات في وقعة صفين ص ٢٨٩ والطبري ٦/ ٢٠ - ٢١ وابن الأثير ٢/ ٣٧٤ وفتوح ابن الأعثم ٣/ ٢٨ بزيادة أبيات.
(٣) في وقعة صفين: حمراء.
(٤) في الطبري: يقدمها في الموت حتى يزيرها وفي وقعة صفين:
ويدنو بها في الصف حتى يديرها
(٥) في المصادر: صابروا.
(٦) في وقعة صفين:
لدى البأس حراً ما أعف وأكرما
(٧) تقدم في «عتق» وانظر تعليقنا عليه هناك. وانظر اللسان.
(٨) من قصيدة مفضلية رقم ٤٣ بيت رقم ٦.
(٩) ورد الحديث بالأصل: «لحديث ابن عاقل ... بماء أرصفه، فقال: كذاك هو، فلهو أحب إليّ من رثيئة فسئت بثلالة ...» والتصويب عن النهاية.
(١٠) ديوانه ص ١٠٧ وفي التهذيب: لا يشتكي عينيه.