تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الواو مع القاف

صفحة 475 - الجزء 13

  كُوم الذُّرَى وادِقَة سُرَّاتُها

  ووَدَقَت ذَاتُ الحَافِر، مُثَلَّثَةَ الدَّال، واقتَصَر الجَماعة على وَدَقَت تَدِق، كوعَدَ وَداقاً كسَحاب وَوَدَقاناً، وَوَدَقاً، محرَّكَتَيْن. وفَاته وَدْقاً بالفَتْح، وَوُدُوقاً بالضَّم، وَوِدَاقاً بالكَسْر: أَرادَتِ الفَحْلَ واشتَهَتْه كأَودَقَت، واسْتَوْدَقَتْ كِلاهُما عن الجوهَريّ.

  وأَتانٌ وَدُوقٌ ووَدِيقٌ، وفَرسٌ وَدُوقٌ ووَدِيقٌ، وبها وِدَاق، ككِتابٍ. قال الفَرَزْدَقُ:

  كأَنّ رَبِيعاً من حِمايَة مِنْقَرٍ ... أَتانٌ دعاها للوِداقِ حِمارُها

  وفي حَدِيثِ ابنِ عَبّاس ® في إِلْقاءِ عَصَا مُوسَى #: «وإِنَّ فِرْعَوْنَ كانَ على فَرَسٍ ذَنُوب حِصَان، فتمَثَّل له جِبْريلُ # على فَرَس وَدِيقٍ، فتقَحَّمَ خَلْفَها» وهي التي تَشْتَهِي الفَحْلَ.

  قال ابنُ سِيدَه: وقد يَكُونُ الوِداقُ مِثلُه في الأَتانِ، حكاه كُراع في عِبارَة، قال: فلا أَدْرِي: أَهو أَصلٌ أَم استَعْمَله؟ قالَ ابنُ بَرِّي: وقد ذَكَرَ ابنُ خَالَوَيْهِ: أَودَقَت فهي وَادِق، ولا يُقالُ: مُودِق، ولا مُسْتَوْدِق.

  وفي المَثَل: وَدَقَ العَيْرُ إِلى الماءِ أَي: دَنَا منه. يُضرَبُ لِمَن خَضَعَ لِشَيْءٍ حِرْصاً عليه، نقله الجوهَرِيُّ والصاغانِيُّ.

  والمَوْدِقُ كمَجْلِسٍ: مَوْضِعُه أَي: مَوْضِع وَدْق العَيْرِ.

  قالَ امرُؤُ القيسِ:

  دخَلْتُ على بَيْضاءَ جُمٍّ عِظامُها ... تُعَفِّي بذيل المِرْطِ إِذا جِئتُ مَوْدِقي⁣(⁣١)

  ومن المَجازِ: ذَاتُ وَدْقَيْن: من أَسْماءِ الدَّاهِيَة⁣(⁣٢)، ويُقالُ أَيضاً: ذاتُ رَوْقَيْنِ، بالرَّاءِ، وقد تَقَدَّم ذلِكَ للمصَنِّف كأَنَّها ذاتُ وَجْهَيْن. وفي الصِّحاح: أَي ذَاتُ وَجْهَيْنِ: كأَنَّها جاءَت من وَجْهَيْنِ، وأَنشَدَ الجَوهَرِيُّ للكُمَيْتِ:

  وكائِنْ وكَمْ من ذَاتِ وَدْقَين ضِئْبِلٍ ... نآدٍ كَفَيْتَ المُسْلِمينَ عُضالَها

  ويُقال: ذات وَدْقَيْن: من صِفَة الطَّعْنَةِ، وقِيلَ: من صِفَة السَّحابة. يُقال: سحَابَةٌ ذاتُ وَدْقَيْنِ، أَي: ذاتُ مَطْرَتَيْنِ شَدِيدَتَيْنِ، شُبِّهتْ بها الحَرْبُ الشديد، فقيل: حَرْبٌ ذاتُ وَدْقَيْنِ. وقِيلَ: هو من الوِداق: الحِرْصُ على طَلَبِ الفَحْلِ؛ لأَنَّ الحربَ تُوصَف باللّقاح. وَقيل: هو من صِفاتِ الحَيّاتِ.

  وداهِيَةٌ ذاتُ وَدْقَيْنِ، وذات رَوْقَيْنِ: إِذا كانت عَظِيمةً، وكُلُّ ذلِك أَغْفَلَه المُصَنِّفُ.

  ومنه قَولُ أَميرِ المُؤْمِنينَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِي الله تعالى عنه فِيما رُوِيَ عنه:

  تِلْكُم قُرَيْشٌ تَمَنَّاني لِتَقْتُلَني ... فلا ورَبِّكَ ما بَرُّوا وما ظَفِرُوا

  فإِنْ هَلَكْتُ فَرَهْنٌ ذِمَّتِي لَهُمُ ... بذاتِ وَدْقَيْنِ لا يَعْفُو لها أَثَرُ⁣(⁣٣)

  قال أَبُو عثمان المازِنيُّ النَّحْوِيّ: لم يَصِحّ عندنا أَنَّه ¥ تَكَلَّم بشَيْءٍ من الشَعْر غَيرَ هَذين البَيْتَيْن، وهكذا نقله المَرْزُبَاني في تاريخ النُّحاة عن يُونُس: ما صَحَّ عندنا، ولا بَلَغَنا أَنَّهُ قالَ شِعْراً إِلّا هذين البَيْتَيْن، كذا في شَرْح شَواهِد المُغْنِي فِي مَبْحَث «كُلّ». وسَبَقَ للصّاغانِيِّ مثلُ ذلك عن المازنِيّ في تَرْكيب «روق»، وصَوَّبه الزَّمَخْشَرِي ¦.

  قالَ شيخُنا: ولعلَّ سَنَدَ ذلِكَ قَوِيٌّ لديهِم، وإِلَّا

  فقَدْ وَرَدَ عنه:

  أَنا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمي حَيْدَرَهْ

  الأَبيات. ونقل عنه المصنف في «خيس» شِعْراً وتَواتَر عنه:

  مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ أَخي وصِهْرِي

  الأَبيات ... وغير ذلك مما كَثُر وشاع، بحيث إِنَّ النفوسَ لا تطمَئنُّ إِلى أَنّه لم يَقُلْ غيرَ هذين البيتين لا سيّما وقد قال الشَّعْبِي: كانَ أَبو بكر شاعِراً، وكان عُمَرُ شاعراً، وكان عُثمانُ شاعراً، وكان عليٌّ أَشعرَ الثلاثة. ونقله


(١) ديوانه ط بيروت ص ١٣٥ وبهامشه: مودقي: المكان الذي وقفت فيه. وفي الديوان: بذيل الدرع.

(٢) شاهده، في التهذيب واللسان، قول الكميت:

إذا ذات ودقين هاب الرقا ... ة أن يمسحوها وأن يتفلوا

(٣) تقدم البيتان في روق برواية بذات روقين. وهما في اللسان.