تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الهاء مع الكاف

صفحة 673 - الجزء 13

  تُمْطَرْ مُنْذُ دَهْر هكذا في النسخِ، ونصُّ ابن بَزُرْج: هذه أَرْضٌ آرِمَةٌ هَلَكُون وأَرْضٌ هَلَكُون إذا لم يكنْ فيها شيْءٌ.

  ويقالُ تَرَكَها آرِمَةً هَلَكِين إذا لم يصبْها الغَيْثُ منذ دَهْرٍ طويلٍ. يقالُ: مررْتُ بأَرْضٍ هَلَكِينَ بفتحِ الهاءِ واللامِ ومن المجازِ: الهَلَكُ محرَّكةً السِّنونَ الجَدْبَةُ لأَنها تَهْلك عن ابنِ الأَعْرَابيِّ وأَنْشَدَ لأَسْوَد بن يَعْفُرَ:

  قالت له أُمُّ صَمْعا إِذ تُؤَامِرُه ... أَلا تَرَى لِذَوِي الأَمْوالِ والهَلَكِ⁣(⁣١)؟

  الواحِدَةُ بهاءٍ كالهَلَكاتِ محرَّكةً أَيْضاً. والهَلَكُ: ما بين كُلِّ أَرْضٍ إلى التي تَحْتَها إلى الأَرْضِ السابِعَةِ. والهَلَكُ: جيفَةُ الشيءِ الهالِكِ، نَقَلَه اللَّيْثُ وأَنْشَدَ قَوْلَ امْرِئ القَيْس الآتي قَرِيباً. وقيلَ: الهَلَكُ: ما بين أَعْلَى الجَبَلِ وأَسْفَلِهِ ومنه اسْتُعِيرَ بمعْنَى هواءُ ما بين كلِّ شَيْئَيْنِ وكلُّه من الهَلَاكِ. وقيلَ: هو المَهْواةُ بَيْن الجَبَلَين. وقيلَ: مَشْرَفَةُ المَهْواةِ من جَوِّ السُّكاكِ؛ فأَمَّا قَوْل الشاعِرِ:

  الموتُ تأْتي لميقاتٍ خَواطِفُه ... وليس يُعْجِزُهُ هَلْكٌ ولا لُوح⁣(⁣٢)

  فإِنَّه سكَّنَ للضَّرُورَةِ، وهو مذْهَبٌ كُوفيٌّ، وقد حَجَرَ عليه سِيْبَوَيْه إلَّا في المكْسُورِ والمضْمُوم، وقالَ ذُو الرِّمَّة يصِفُ امرْأَةً جَيْدَاءَ:

  تَرَى قُرْطَها في واضِحِ اللَّيْثِ مُشْرِفاً ... على هَلَكٍ في نَفْنَفٍ يَتَطَوَّحُ⁣(⁣٣)

  والهَلَكُ: أَيْضاً الشيءُ الذي يَهْوِي ويَسْقُطُ وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لامْرِئ القَيْس:

  رَأَتْ هَلَكاً بنِجَافِ الغَبِيطِ ... فكادَتْ تَجُدُّ لذاك الهِجَارَا

  وأَنْشَدَهُ غيرُه شاهِداً على المَهْواة بَيْن الجَبَلَين وقَبْلَهُ:

  أَرَى ناقَةَ القَيْسِ قد أَصْبَحَتْ ... على الأَيْنِ ذَاتَ هِبابٍ نِوارا⁣(⁣٤)

  قَولُه: هِباب: أي نَشَاط، ونِواراً: أي نِفاراً، وتجُدُّ: تَقْطَعُ الحَبْلَ نُفوراً من المَهْواةِ، ويُرْوى: تجُدُّ الحُقِيّ الهِجارَا، والهِجَارُ: حبْلٌ يشَدُّ به رسغُ البَعِيرِ. ومن مجازِ المجازِ: الهَلوكُ كصَبورٍ المرأَةُ الفاجِرَةُ الشَبِقَةُ المُتَساقِطَةُ على الرِّجالِ مأْخُوذٌ من تَهَالَكَتْ في مَشْيِها إذا تَكَسَّرَتْ، أو لأَنَّها تَتَهالَكُ أي تَتَمَايلُ وتَتَثَّنَّى عند جماعِها، ولا يُوصَفُ الرجلُ الزَّاني بذلك فلا يقالُ رجلٌ هَلُوكٌ؛ وقالَ بعضُهم: الهَلُوكُ: الحَسَنَةُ التَّبَعُّلِ لِزَوْجِها. ومنه حدِيثُ مازِنٍ: «إِني مُولَعٌ بالخمرِ والهَلوكِ من النِّسَاءِ». وكأَنَّه ضِدٌّ.

  ومن المجازِ: الرَّجُلُ السَّريعُ الإِنْزالِ عند الجماع، فكأَنَّه يَرْمي نَفْسَه لذلك عن ابن عَبَّادٍ. وقَوْلُهم: افْعَلْ ذلك إمَّا هَلَكَتْ هُلُكُ بالضَّمَّاتِ مَمْنوعَةً من الصَّرْفِ، وعليه اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ، وقد تُصْرَفُ لُغَة نَقَلَها الفرَّاءُ؛ وقد قيلَ: إما هَلَكَتْ هُلُكُهُ بالإضافةِ أي على ما خَيَّلَتْ أي على كلِّ حالٍ وخَيَّلَتْ أي أَرَتْ وشَبَّهَتْ. وحَكَى الفرَّاءُ عَن الكِسائِيِّ اما هَلَكَهُ هُلُكَ جَعَلَهُ اسماً وأضافَ إليه ولم يَجِزْ هُلَكَ وأَرَادَ: هي هَلَكَةُ هُلَكَ يا هذا كما في العُبَابِ.

  وَوَقَعَ في مُسْنَدِ الإِمَام أحمدَ بن حَنْبلٍ ¥ في حديثِ الدَّجَّالِ وذَكَرَ صفَتَه فقال: «أَعْور جعد أَزْهر هجان أَقْمر كان رأْسُه أصلة أَشْبه الناس بعَبْد العُزى بن قطن» فإمَّا هَلَكَ الهُلُكُ فإنَّ رَبَّكُم ليسَ بأَعْوَرَ» هكذا رَوَى بأَلْ، ورَوَاه غيرُه: ولكنْ الهُلْكُ كلُّ الهُلْكِ أي لكنْ الهَلَاكُ كلُّ الهَلاكِ للدَّجَّال أنَّ الناسَ يَعْلمون أنَّ الله سُبْحانَه مُنَزَّهٌ عن العَوَرِ وعن جَميعِ الآفَاتِ فإذا ادَّعى الرُّبوبيَّةَ ولَبَّس عليهم بأَشْياء ليْسَتْ في البشرِ فإنَّه لا يقدِرُ على إِزالةِ العَوَرِ الذي يسجل عليه بالبشر، ويُرْوَى فإما هَلَكَتْ هُلَّكُ كسُكَّرٍ أي فإنْ هَلَكَ به ناسٌ جاهِلُون فضَلُّوا فاعْلَمُوا أنَّ الله ليس بأَعْوَرَ. قالَ الصَّاغَانيُّ: ولو رُوِيَ: فإِمَّا هَلَكَت هُلُك على قولِ العربِ افْعَلْ ذلك إِما هَلَكَتْ هُلَّكُ لكانَ وَجْهاً قريباً ومُجْراه مُجْرَى قَوْلِهم افْعَلْ ذلك على ما خَيَّلَتْ أي على كلِّ حالٍ.

  وهُلُكٌ: صفةٌ مُفْردَةٌ نحو قولِكَ امْرَأَةٌ عُطُلٌ وناقَةٌ سُرُحٌ بمعْنَى هالِكَةٍ والهَالِكَةُ نَفْسه، والمَعْنَى افْعَلْه فإنْ هلكت نفسك.

  قُلْتُ: وهذا الذي وجهه فقد رُوِي أَيْضاً هكذا وفسَّرَه بما سَبَقَ ابنُ الأَثِيرِ في النِّهايةِ وغيرُه. وقيلَ في تفْسِيرِ الحدِيثِ: إِن شَبَّه عَلَيْكُم بكلِّ معنىً وعلى كلِّ حالٍ فلا يُشَبِّهَنَّ عَلَيْكُم


(١) التهذيب واللسان والتكملة.

(٢) اللسان.

(٣) ديوانه والتكملة «يترجع» وفي اللسان والتهذيب والأساس ومقاييس اللغة ٦/ ٦٣ كالأصل.

(٤) ديوانه واللسان والأول في الصحاح والتهذيب.