فصل الهاء مع الكاف
  أنَّ ربَّكُم ليس بأَعْور. التَّهْلُكَةُ بضمِ اللامِ كلُّ ما أي كلُّ شيْءٍ تصيرُ عاقِبَتُه إلى الهَلاكِ وبه فسِّرَت الآيةُ أَيْضاً. وقالَ الكِسَائِيُّ: يقالُ وَقَعَ فلانٌ في وادِي تُهُلِّكَ بضمِ التاءِ والهاءِ وكسرِ اللَّامِ المُشَدَّدَةِ مَمْنوعاً من الصَّرْفِ، والذي في العُبَابِ والصِّحاحِ: بضمِ التاءِ والهاءِ واللامِ مشَدَّدَة فلم يصَرِّحا أنَّ اللامَ مكْسُورةٌ أي في الباطِلِ(١) والهَلَاكِ مِثْل تُخُيِّبَ وتُضُلِّلَ كأَنَّهم سَمَّوْه بالفِعْلِ وهو مجازٌ. ومن المجازِ: الإِهْتِلاكُ والإنْهلاكُ رَمْيُكَ نَفْسَكَ في تَهْلُكَةٍ ومنه القَطاةُ تَهْتَلِكُ من خوفِ البَازِي أي تَرْمي بنفْسِها في المَهَالِك قال زُهْيرٌ:
  يركضن عند الذُنَابَى وهي جاهدة ... يكادُ يَخْطَفُها طَوْراً وتَهْتَلكُ(٢)
  وقالَ(٣) اللَّيْثُ: المُهْتَلَكُ: الهَالِكُ من لا هَمَّ له إلَّا أنْ يَتَضَيَّفَهُ الناسُ يَظَلُّ نهارَه فإذا جاءَ الليلُ أَسرعَ إِلى من يَكْفُله خَوْفَ الهَلاكِ لا يَتَمَالَك دونَه وأَنْشَدَ لأَبي خِراشٍ:
  إِلى بَيْتِه يأْوِي الغريبُ إِذا شَتا ... ومُهْتَلِكٌ بالي الدَّريسَيْنِ عائِلُ(٤)
  وقال ابنُ فارِسَ(٥): المُهْتَلِكُ الذي يَهْتَلِك أَبداً إِلى مَنْ يَكْفُله وهو مجازٌ. ومن المجازِ: الهُلَّاكُ كرُمَّانٍ الذين يَنْتابونَ النَّاسَ ابْتِغاءَ مَعْروفِهِمْ لسوءِ حالِهم. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هم الصَّعاليكُ؛ وقيلَ؛ هم المُنْتَجِعونَ الذين ضَلُّوا الطَّريقَ وأَنْشَدَ ثَعْلب لجَمِيلٍ:
  أَبيتُ مع الهُلَّاكِ ضَيْفاً لأَهْلِها ... وأَهْلِي قريبٌ مُوسِعُون ذَوو فَضْلِ(٦)
  كالمُهْتَلِكِينَ أَنْشَدَ ثَعْلب للمُتَنَخَّل الهُذَليِّ:
  لو أَنَّه جاءَني جَوْعانُ مُهْتَلِكٌ ... من بُؤَّس الناسِ عنه الخَيْرُ مَحْجُوزُ(٧)
  والهالِكِيُّ الحَدَّادُ وقيلَ: الصَّيْقَلُ لأَنَّ أَوَّلَ من عَمِلَ الحَديدَ الهالِكُ بنُ عَمْروِ بنِ أَسَدٍ بنِ خُزَيْمَةَ قالَهُ ابنُ الكَلْبِي. قالَ لَبِيْدٌ رَضِيَ الله تعَالَى عنه:
  جُنوحَ الهالِكِيِّ على يَدَيْهِ ... مُكِيّاً يَجْتَلي نُقَبَ النِّصالِ(٨)
  أي صَدَأَها. قالَ الجَوْهَرِيُّ: ولذلك يقالُ لبَنِي أَسَدٍ القُيون ومن المجازِ: تَهَالَكَ على الفِراشِ أو المتَاعِ إذا تَساقَطَ عليه، وفي العُبَابِ: سَقَطَ، قالَ ذُو الرِّمَّةِ:
  كان على فيها إذا ردّ روحها ... إلى الرأس روحَ العاشِقِ المتهالِكِ
  وفي الحدِيثِ: «فتهالَكْتُ عليه فسأَلتُه»، أَي سَقَطْتُ عليه ورَمَيْتُ بنفْسِي فوقَه. ومن المجازِ: تَهَالَكَتِ المرأةُ في مِشْيَتِها إذا تَمَايَلَتْ. وفي الأَسَاسِ: تَفَيَّأَتْ وتَكَسَّرَتْ. ومنه الهَلُوكُ للفَاجِرَةِ. وفي العُبَابِ: تَفَكَّكَتْ للرِّجالِ. وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: الهالِكَةُ النَّفْسُ الشَّرِهَةُ وقد هَلَكَ الرجُلُ يَهْلِكُ هَلاكاً إذا شَرِه ومنه قَوْلُه أَنْشَدَه الكِسَائي في نوادِرِه:
  جَلَّلْتُه السَّيْفَ إِذ مَالَتْ كِوَارَتُهُ ... تحْتَ العَجَاجِ ولم أَهْلِكْ إِلى اللَّبَنِ(٩)
  أَي: لم أَشْرَهْ، وهو مجازٌ. ويقالُ: فلانٌ هِلْكَةٌ بالكسرِ مِنَ الهِلَكِ كعِنَبِ أي ساقِطَةٌ مِنَ السَّواقِطِ أي هالِكٌ.
  والهَيْلَكونُ كحَيْزَبونٍ المِنْجَلُ الذي لا أَسْنانَ له نَقَلَه الصَّاغَانيُّ، وكأَنَّه إِذا لم يكنْ له أَسْنانٌ يهلك ما يحصد به، ولذلِكَ سُمِّي والهالوكُ سَمُّ الفأرِ وأَيْضاً نَوْعٌ من الطَّراثيثِ إذا طَلَعَ في الزَّرعِ يضْعفُه ويفْسدُه فيَصْفَرُّ لونُه ويَتَساقَطُ، هكذا يسمُّونَه بمِصْرَ ويَتَشَاءَمون به، وأَكْثَرُ ضَرَرهِ على الفولِ والعَدسِ.
  * وممَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيه:
  هَلَكَ يَهْلِكُ هَلْكاً بالفتحِ عن أَبي عُبَيْدٍ، وهَلَكَه محرَّكةً
(١) ضبطت في القاموس بالضم، وقد تصرف الشارح بالعبارة فاقتضى جرها، بحرف الجر.
(٢) ديوانه ط بيروت ص ٥٠ وصدره فيه:
عند الذنابى لها صوتٌ وأزملةٌ
(٣) وضعها الشارح داخل الأقواس على أنها في القاموس، واللفظة ليست فيه.
(٤) ديوان الهذليين ٢/ ١٤٩ واللسان.
(٥) مقاييس اللغة ٦/ ٦٢.
(٦) ديوانه ص ٧٨ واللسان والتكملة والأساس والتهذيب وقد تقدم.
(٧) ديوان الهذليين ٢/ ١٥ واللسان.
(٨) ديوانه ط بيروت ص ١٠٥ واللسان والتهذيب.
(٩) التكملة، وجزء من عجزه في اللسان.