تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[سأل]:

صفحة 324 - الجزء 14

  أَثْناء أَفْعال القُلُوب؛ أَنَّ سَأَلَ يَتَعَدَّى للمالِ بنَفْسِه، ولغيرِهِ بالجارِ.

  وفي شِفاءِ الغَلِيلِ للشَّهاب: أَنَّه يتعَدَّى إِلى المَسْؤولِ عنه بنَفْسِه، وقد تَدْخلُ عن على السَّائلِ، وقد تَدْخلُ على المَسْؤولِ عنه.

  قالَ شيْخُنا: ودُخولُها على السَّائلِ لُغَةُ بنِي عامِرٍ.

  وقالَ ابنُ بَرِّي: سَأَلْته الشيءَ بمعْنَى اسْتَعْطَيْته إِيَّاه، وسَأَلْته عن الشيءِ: اسْتَخْبَرْتُهُ.

  قلْتُ: وللرَّاغِبِ في مُفْردَاتِه تَحْقيقٌ حَسَن، قالَ: السُّؤالُ: اسْتِدْعاءُ مَعْرفَةٍ أَو ما يُؤَدِّي إِلى المَعْرفَةِ، واسْتِدْعاءُ مالٍ أَو ما يُؤَدِّي إِلى مالٍ فاسْتِدْعاءُ المَعْرفةِ جَوَابُه على اللِّسانِ واليَدُ خَلِيفَةٌ له بالكِتَابَةِ أَو الإِشَارَةِ، واسْتِدْعاءُ المالِ جَوَابُه على اليَدِ واللّسَانُ خَلِيفَةٌ لها إِمَّا بِرَدٍّ أَو بوَعْدٍ أَو برٍّ⁣(⁣١).

  والسّؤَالُ للمَعْرفةِ قد يكونُ للإِسْتِعْلامِ، وقد يكونُ للَّتبكيتِ، وتارَةً ويكونُ لتَعْريفِ المَسْؤُولِ وتَنْبيههِ، وهذا ظاهِرٌ وعلى التّبْكِيتِ قَوْلُه: {وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ}⁣(⁣٢) والسُّؤَالُ إِذا كانَ للتَّعْريفِ يُعَدَّى إِلى المَفْعولِ الثاني تارَةً بنَفْسِه، وتارَةً بالجارِ. تقُولُ: سأَلْتُه كذا وعن كذا وبكذا وبعن أَكْثر. وإِذا كان لاسْتِدْعاءِ مالٍ فإنَّه يُعَدَّى بنَفْسِه أَو بِمنْ انتَهَى.

  وفي المُحْكَمِ: سَأَلَ يَسْأَلُ سُؤَالاً كغُرَابٍ، وسَآلَةً بالمدِّ ومَسْأَلَةً كمَرْحَلَةٍ، وقد تُحْذَفُ منه الهَمْزَةُ فيقالُ: مَسَلَةٌ، وتَسْآلاً، بالفتحِ والمدِّ، وسَأَلَةً، محرَّكةً.

  والأَمْرُ من سَالَ كخَافَ: سَلْ بحَرَكَةِ الحرفِ الثاني من المسْتَقْبلِ.

  ومن سَأَلَ كجَأَرَ اسْأَلْ، قالَ ابنُ سِيْدَه: والعَرَبُ قاطِبَةً تحْذِفُ الهَمْزَ منه في الأَمْرِ، فإِذا وَصَلُوا بالفاءِ أَو الواو هَمَزُوا كقَوْلِكَ فاسْأَلْ واسْأَلْ. ويقالُ على التَّخْفِيفِ البَدَليِّ: سالَ يَسَالُ كخَافَ يَخافُ، وهي لُغَةُ هُذَيْل، والعَيْنُ من هذه اللُّغَةِ واوٌ لمَا حَكَاه أَبُو زَيْدٍ من قَوْلِهم: هُما يَتَساوَلانِ، كقَوْلِكَ يَتَقَاوَمَانِ ويَتَقَاوَلانِ، وبه قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ ونافِعٍ وابنُ كَثيرٍ وابنُ كَثيرٍ وابنُ عُمَرَ سَأَلَ سائِلٌ بعَذَابٍ واقِعٍ، وقيلَ: معْناهُ بغَيْرِ هَمْزٍ سَالَ وادٍ بعَذابٍ واقِعٍ. وقَرَأَ ابنُ كثيرٍ وأَبُو عَمْرٍو والكُوفيُّون: سَأَلَ سائِلٌ مَهْموزٌ على معْنَى دَعَا داعٍ.

  وقالَ الجَوْهَرِيُّ {سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ}، أَي عن عَذَابٍ، قالَ الأَخْفَشُ: وقد يُخَفَّفُ فيقالُ: سَالَ يَسَالُ، قالَ الشاعِرُ:

  ومُرْهَقٍ سالَ إِمْتاعاً بأُصْدتِه ... لم يَسْتَعِنْ وحَوامي الموتِ تَغْشاهُ⁣(⁣٣)

  والسُّؤْلُ، بالضمِ مَهْموزاً، والسُّؤْلَةُ بالهاءِ وهذا عن ابنِ جنيّ، ويُتْركُ هَمْزُهُما، وبهما قُرِئَ قَوْلُه تعالَى: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى}⁣(⁣٤)، أَي ما سَأَلْتَهُ أَي أُعْطِيْت أُمْنِيَّتك التي سَأَلْتها.

  وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: السُّؤْلُ فعْلٌ بمعْنَى مَفْعولٍ كعرفٍ ونكْرٍ.

  وقالَ ابنُ جنيِّ: أَصْلُ السُّولِ الهَمْز عند العَرَبِ، اسْتَثْقَلُوا ضَغْطَة الهَمْزَةِ فيه فتَكَلَّموا به على تَخْفيفِ الهَمْزةِ وسَيَأْتي في س ول.

  وسُؤَلَةٌ: كهُمَزَةٍ، الكثيرُ السُّؤالِ من النَّاسِ بالهَمْزِ وبغَيْرِ الهَمْزِ كما سَيَأْتي في س ول.

  وأَسْأَلَهُ سُؤْلَهُ وسُؤْلَتُهُ ومَسْأَلَتَهُ أَي قَضَى حاجَتَهُ كذا في العُبَابِ واللّسَانِ.

  وأَمَّا قَوْلُ بِلالِ بنِ جريرٍ:

  إِذا ضِفْتَهُمْ أَو سَايَلْتَهُمْ ... وجَدْتَ بهم عِلَّةَ حاضِرَهْ⁣(⁣٥)

  فجَمَعَ بَيْن اللُّغَتَيْنِ، كما قالَهُ أَحْمدُ بنُ يَحْيَى، وذلِكَ حِيْنَ فَهِمَ. وقبلَ ذلِكَ فإِنَّه لم يَعْرِفْه وهُما الهَمْزَةُ التي في سَأَلْتُه وهي الأَصْلُ، والياءُ التي في سايَلْتُه وهي العوضُ والفرعُ، فقد تَرَاهُ كيفَ جَمَعَ بَيْنهما في قَوْلِه: قالَ: سايَلْتَهم، قالَ: ووَزْنُه على هذا فَعايَلْتَهُم، قالَ: وهذا مِثالٌ لا نَظيرَ يُعْرفُ له في اللُّغَةِ.

  وتَساءَلُوا: سَأَلَ بعضُهم بعضاً، وهُما يَتَساءَلان ويَتَسايَلان، وقَوْلُه تعالَى: {واتَّقُوا الله الذي تَسَّاءَلُونَ به


(١) قوله: «أبو برّ» ليست في المفردات «سأل».

(٢) سورة التكوير الآية ٨.

(٣) اللسان بدون نسبة.

(٤) طه الآية ٣٦.

(٥) من شواهد القاموس، واللسان.