تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[سبل]:

صفحة 325 - الجزء 14

  وَالْأَرْحامَ}⁣(⁣١)، وقُرِئَ: {تَسائَلُونَ بِهِ}، فمن قَرَأَ تَسَّاءَلُون فالأَصْل تَتَسَاءَلون قُلِبَتِ التاءُ سِيناً لقُرْبِ هذه من هذه ثم أُدْغِمَت فيها، ومن قَرَأَ تَسائَلُونَ فأَصْلُه أَيْضاً تَتَسَاءَلُون حُذِفَتِ التاءُ الثانِيَةُ كَراهِيّة للإِعادَةِ، ومعْناهُ تَطْلُبون حقوقَكَم به.

  * تَنبِيه: قال ابنُ الأَثيرِ: السُّؤَالُ في كتابِ الله والحدِيثِ نَوْعان: أَحَدُهما: ما كانَ على وَجْهِ التَّبْيين والتَّعْلم ممَّا تَمَسُّ الحاجَةُ إِليه فهو مُبَاحٌ أَو مَنْدوبٌ أَو مأْمورٌ به، والآخَرُ ما كانَ على طريقِ التَّكلُّفِ والتَّعنُّتِ فهو مَكْروهٌ ومِنْهِيٌّ عنه، فكلُّ ما كانَ من هذا الوَجْهِ ووَقَعَ السُّكوتُ عن جَوَابِه فإِنَّما هو رَدْعٌ وزَجْرٌ للسَّائِلِ، وإِن وَقَعَ الجَوَابُ عنه فهو عُقَوبَةٌ وتَغْليظٌ.

  وفي الحدِيثِ: «كَرِه المَسَائلَ وعَابَها»، أَرَادَ المَسَائلَ الدَّقِيقَة التي لا يُحْتاجُ إِليها.

  وفي حدِيثٍ آخَر: أَنّه نَهَى عن كَثْرَةِ السُّؤَالِ.

  قيلَ: هو من هذا، أَو قيلَ: هو سُؤَالُ الناسِ أَمْوالَهم من غيرِ حَاجَةٍ.

  * وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

  رجُلٌ سأَّلٌ، كشَدَّادٍ، وَسُؤُولٌ، كصَبُور: كَثيرُ السُّؤَالِ.

  وقَوْمٌ سَأَلَةٌ، جَمْعُ سَائِلٌ ككَاتِبٍ وكَتَبهُ وسُؤَّالٌ، كرُمَّان، وسَاءَلْته مُسَاءَلَة، قالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:

  أَساءَلْتَ رَسْمَ الدَّار أَمْ لم تُسَائِل ... عن السَّكْنِ أَمْ عن عَهْده بالأَوائِل؟⁣(⁣٢)

  وجَمْعُ المَسْأَلَةِ مَسَائِلُ بالهَمْزِ.

  وتَعَلَّمت مَسْأَلَةً ومَسَائِلَ اسْتُعِيرَ المَصْدَرُ للمَفْعولِ وهو مجازٌ قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.

  وحَكَى أَبُو عليٍّ عن أَبي زَيْدٍ قوْلَهم: اللهُمَّ أَعْطنا سَأَلاتِنا، وَضَعَ المَصْدَر مَوْضِعَ الاسمِ، ولذلِكَ جُمِعَ.

  والفَقيرُ يُسَمَّى سَائِلاً إذا كانَ مُسْتَدْعِياً لشيءٍ، قالَهُ الرَّاغِبُ وبه فَسَّر قَوْلَه تعالَى: {وَأَمَّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ}⁣(⁣٣)؛ وفَسَّره الحَسَنُ بطالِبِ العِلْمِ.

  * فائدة مهمة. في كتابِ الشذوذِ لابنِ جنيٍّ قِرَاءَةُ الحَسَنِ: ثم سولوا الفتنة مَرْفُوعة السِّيْن. قالَ ابنُ مجاهِدٍ: ولا يَجْعَل فيها ياءً ولا يمَدّها. قالَ ابنُ جنيٍّ: سَأَلَ يسأَلُ وسَالَ يَسَالُ لُغتان، وإذا أُسْنِدَ الفِعْلُ إلى المَفْعولِ فالأَقْيَس فيه أنْ يقالَ: سيلوا كعيدوا، ولُغَةٌ ثانيةٌ هنا وهي إشْمامُ كَسْرةِ الفاءِ ضَمَّة فيقالُ سِيلوا كقِيل وبِيع؛ واللُّغَةُ الثالثةُ سولوا كقَوْلِهم: قُول وبُوع وقد سُورَ به وهو على إخْلاصِ ضمَّةِ فعل إلَّا أَنَّه أَقَلُّ اللُّغاتِ؛ فهذا أَحَدُ الوَجْهَيْن وهو كالسَّاذجِ، وفيه وَجْهٌ آخَر فيه الصنعة وهو أَنْ يكونَ أَرَادَ سئلوا فخفَّفَ الهَمْزَةَ فجَعَلَها بَيْن بَيْن، أَي بَيْن الهَمْزَةِ والياءِ لأَنَّها مكْسُورةٌ فصارَتْ سيلوا، فلمَّا قارَبَتْ الياء وضَعُفَتْ فيها الكَسْرَةُ شابَهَتْ الياءَ السَّاكِنَة وقَبْلها ضمَّة فانْتَحَى بها، نَحْو قَوْلِه: بوغ، فأَمَّا أَخْلصها في اللّفْظِ واواً لانْضِمَامِ ما قَبْلها على رَأْي أَبي الحَسَنِ في تَخْفيفِ الهَمْزَةِ المكْسُورَةِ إذا انْضَمَّ ما قَبْلها وأما بقاها على رَوَائحِ الهَمْزِ الذي فيها فجَعَلَها بَيْن بَيْن فخفيت الكَسْرة فيها فشابَهَتْ لانْضِمَامِ ما قَبْلها الواو انتهى.

  [سبل]: السَّبيلُ والسَّبيلَةُ، وهذه عن ابنِ عَبَّادٍ، الطَّريقُ وما وَضَحَ منه، زَادَ الرَّاغِبُ: الذي فيه سُهولَةٌ، يذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، والتَّأْنِيثُ أَكْثَرُ، قالَهُ ابنُ الأَثيرِ، شاهِدُ التَّذْكِيرِ قَوْلُه تعالَى: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً}⁣(⁣٤)، وشاهِدُ التَّأْنِيثِ: {قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ}⁣(⁣٥)، عَبَّرَ به عن المحجَّةِ ج سُبُل ككُتُبٍ؛ قالَ الله تعالَى: {وَأَنْهاراً وَسُبُلاً}⁣(⁣٦).

  وقَوْلُه تعالَى: {وَ} عَلَى اللهِ قَصْدُ {السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ}⁣(⁣٧) فَسَرَّه ثَعْلَب فقالَ: على الله أَنْ يَقْصِدَ السَّبيلَ للمُسْلِمِين، {وَمِنْها جائِرٌ} أي ومن الطُّرُق جائرٌ على غَيْرِ السَّبيلِ فيَنْبَغِي أَنْ


(١) الآية الأولى من النساء.

(٢) ديوان الهذليين ١/ ١٣٩ واللسان.

(٣) الضحى الآية ١٠.

(٤) سورة الأعراف الآية ١٤٦.

(٥) سورة يوسف الآية ١٠٨.

(٦) سورة النحل الآية ١٥.

(٧) النحل الآية ٩.