تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[سبل]:

صفحة 326 - الجزء 14

  يكونَ السَّبيلَ هنا اسمُ جِنْسٍ لا سَبيلاً واحِداً بعَيْنِه لقولِهِ وَمِنْها جائِرٌ أي ومنها سَبيلٌ جائِرٌ.

  وقَوْلُه تعالَى: {وَ} أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ⁣(⁣١) {اللهِ}، أَي في الجِهادِ وكلِّ ما أَمرَ الله به من الخَيْرِ فهو من سَبيلِ الله، واسْتِعْمالُهُ في الجِهادِ أَكْثَرُ لأَنَّه السَّبيلُ الذي يُقاتَلُ فيه على عَقْدِ الدِّين، وقَوْلُه {فِي سَبِيلِ اللهِ} أُرِيدَ به الذي يُريدُ الغَزْوَ ولا يجدُ ما يُبَلِّغُه مَغْزاه، فيُعْطى من سَهْمه، وكُلُّ سَبيلٍ أُرِيدَ به الله، ø، وهو بِرٌّ دَاخلٌ في سَبيلِ الله، وإذا حَبَّس الرَّجلُ عُقْدةً له وسَبَّل ثَمَرَها أَو غَلَّتها فإنَّه يُسْلَك بما سَبَّل سَبيلُ الخَيْرِ يُعْطى منه ابنُ السَّبيلِ والفقيرُ والمجاهِدُ وغيرُهم.

  وقالَ ابنُ الأَثِيرِ: وسَبيلُ الله عامٌّ يقَعُ على كلِّ عملٍ خالصٍ سُلِكَ به طَرِيقُ التقرُّبِ إلى الله، ø، بأَداءِ الفَرَائِضِ والنَّوافِلِ وأَنْواعِ التَّطَوُّعات، وإذا أُطْلِق فهو في الغالِبِ واقِعٌ على الجِهادِ حتى صَارَ لكَثْرَةِ الاسْتِعْمالِ كأَنَّه مَقْصورٌ عليه.

  وأَمَّا ابنُ السَّبيلِ: فهو ابنُ الطَّريقِ أي المسافِرُ الكَثِيرُ السَّفَرِ، سُمِّي ابْناً لها لمُلازَمَته إيّاها، قالَهُ ابنُ الأَثِيرِ.

  وقالَ الرَّاغِبُ: هو المسافِرُ البَعيدُ عن مَنْزِلِهِ نُسِبَ إلى السَّبيلِ لمُمَارَسَتِه إيّاه.

  وقالَ ابنُ سِيْدَه: تَأْوِيلُه الذي قُطِعَ عليه الطَّريقُ. زَادَ غيرُه: وهو يُريدُ الرُّجوعَ إلى بلدِهِ ولا يجدُ ما يَتَبَلَّغ به؛ وقيلَ: هو الذي يُريدُ البَلدَ غَيْر بلدِهِ لأَمْرٍ يلْزَمُه.

  وقالَ ابنُ عَرَفة: هو الضَّيفُ المُنْقَطِعُ به يُعْطَى قَدْرَ ما يُتَبَلَّغُ به إلى وَطَنِه.

  وقالَ ابنُ بَرِّي: هو الذي أَتَى به الطَّريقُ، قالَ الرَّاعِي:

  على أَكْوارِهِنَّ بَنُو سَبِيلٍ ... قَلِيلٌ نَوْمُهُم إلَّا غِرَارا⁣(⁣٢)

  وقالَ آخَر:

  ومَنْسوب إِلى مَنْ لم يَلِدْه ... كَذَاك الله نَزَّل في الكِتابِ⁣(⁣٣)

  والسَّابِلَةُ من الطُّرُقِ، قالَ بعضُهم: ولو قالَ من السُّبُلِ لوافَقَ اللَّفْظ والاشْتِقَاق، المَسْلوكَةُ، يقالُ: سَبِيلٌ سابِلَةٌ أي مَسْبولَةٌ.

  والسَّابِلَةُ أَيْضاً: القومُ المُخْتَلِفَةُ عليها في حوائِجِهم جَمْعُ سَابِل وهو السَّالِكُ على السَّبيلِ ويُجْمَعُ أَيْضاً على السَّوابِلِ.

  وأَسْبَلَتِ الطَّريقُ: كَثُرَتْ سابِلَتُها أَي أَبْناؤُها المُخْتَلِفُون إليها.

  وأَسْبَلَ الإِزَارُ: أَرْخَاه، ومنه الحدِيثُ: «نَهَى عن إِسْبالِ الإِزَارِ، وقالَ: إنَّ الله لا يَنْظُر إلى مسْبِلٍ إزَارَه».

  وفي حدِيثٍ آخَرَ: «ثلاثَةٌ {لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ} و {لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} و {لا يُزَكِّيهِمْ}، فذَكَرَ: المُسْبِلُ والمَنَّان والمُنْفِق سِلْعَته بالحَلِفِ الكاذِب»؛ قالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ وغَيْرِه: المُسْبِلُ الذي يُطَوِّلُ ثَوْبَه ويُرْسِلُه إلى الأَرْضِ إذا مَشَى وإنَّما يَفْعلُ ذلِكَ كِبْراً واخْتيالاً.

  ومِنَ المجازِ: وقَفَ على الدَّارِ فأْسْبَلَ دَمْعَه⁣(⁣٤) أَي أَرْسَلَه ويُسْتَعْملُ أَيْضاً لازِماً، يقالُ: أَسْبَلَ دَمْعُهُ أَي هَطَلَ.

  وأَسْبَلَتِ السَّماءُ: أَمْطَرَتْ وأَرْخَتْ عثانِيْنَها إلى الأَرْضِ.

  وفي الأَسَاسِ: أَسْبَلَ المَطَرُ: أَرْسَلَ دَفْعَه⁣(⁣٥) وتَكَاثَفَ كأَنَّما أَسبلَ سِتْراً وهو مجازٌ.

  والسَّبولَةُ، بالفتحِ، ويُضَمُّ والسَّبَلَةُ، محرَّكةً، والسُّنْبُلَةُ، بالضمِّ، كقُنْفُذَةٍ، الزَّرْعَةُ المائِلَةُ، الأُوْلَى لُغَةُ بنِي هميان، نَقَلَه السهيليُّ في الرَّوْضِ، والأَخِيرَةُ لُغَةُ بنِي تَمِيْمٍ.

  وقالَ اللَّيْثُ: السَّبولَةُ هي سُنْبُلَةُ الذُّرَةِ والأَرُزِّ ونَحْوِه إذا مالَتْ.

  ومِنَ المجازِ: السَّبَلُ: محرَّكةً، المَطَرُ المُسْبِلُ، يقالُ: وَقَعَ السَّبَلُ، قالَ لَبِيدٌ رَضِيَ الله تعالى عنه:

  راسِخُ الدِّمْنِ على أَعْضَادِهِ ... ثَلَمتْهُ كلُّ رِيحٍ وسَبَلْ⁣(⁣٦)


(١) البقرة الآية ١٩٥.

(٢) ديوانه ط بيروت ص ١٤٥ وانظر تخريجه فيه، واللسان.

(٣) اللسان بدون نسبة.

(٤) في القاموس: «والدَّفْعَ».

(٥) عن الأساس وبالأصل «دفعة».

(٦) ديوانه ط بيروت ص ١٤٣ والضبط عنه.