تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[عنل]:

صفحة 528 - الجزء 15

  إِنَّا تَبِعْنا رَسُولَ الله واطَّرَحوا

  قَوْلَ الرَّسول وعالُوا في المَوازِين⁣(⁣١)

  ومنه قَوْل عُثْمان، رَضِيَ اللهُ تعالَى عنه: كَتب إلى أَهْلِ الكُوفَة: «لسْتُ بميزانٍ لا أَعُول» أَي لا أَمِيل عن الاسْتِواءِ والاعْتِدالِ، وبه فسَّرَ أَكْثَرهم قوْلَه تعالَى: {ذلِكَ أَدْنى أَلّا تَعُولُوا}⁣(⁣٢)، أَي ذلِكَ أَقْرب أَنْ لا تَجُوروا وتَمِيلوا.

  يعول عَوْلاً، ويَعِيلُ عيلاً فهو عائِلٌ وعالَ أَمْرُهُم: اشْتَدَّ وتفاقم، يقالُ: أَمْرٌ عالٍ وعائلٌ أَي مُتفاقِمٌ، على القَلْبِ، وقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:

  فذلِك أَعْلى مِنك فَقْداً لأنَّه

  كريمٌ وبَطْني للكِرام بَعِيجُ⁣(⁣٣)

  إنّما أَرَادَ أَعْوَل أَي أَشَدَّ فقَلَب فوَزْنه على هذا أَفْلَع.

  وعالَ الشَّيءُ فلاناً يَعُولُه عَوْلاً: غَلَبَه وثَقُلَ عليه وأَهَمَّهُ، قالَهُ الفرَّاءُ، ومنه قِرَاءَةُ ابنِ مَسْعودٍ: ولا يَعُلْ أَن يَأْتِيَني بهم جَميعاً⁣(⁣٤)، معْنَاه لا يَشُقّ عليه ذلِكَ، ويقالُ: لا يَعُلْني أَي لا يَغْلبنِي، وقالَت الخَنْساءُ:

  ويَكْفِي العَشِيرةَ ما عالَها

  وإن كان أَصْغَرَهُمْ مَوْلِدا⁣(⁣٥)

  وعالَتِ الفَريضَةُ في الحِسابِ تَعُولُ عَوْلاً: زَادَتْ. وقالَ اللّحْيانيُّ: ارْتَفَعَتْ، زَادَ الجَوْهَرِيُّ: وهو أَن تزيدَ سِهاماً فيَدْخل النّقْصان على أَهْلِ الفَرَائِض. قالَ أَبو عُبَيْد: أَظنُّه مَأْخوذاً من المَيْلِ، وذلِكَ أَنَّ الفَرِيضَةَ إذا عالَتْ فهي تَمِيلُ على أَهْلِ الفَريضَةِ جَمِيعاً فتَنْقُصُهم، ومنه حدِيثُ مَرْيمَ: «وعالَ قَلَم زَكَريا» أَي ارْتَفَع على الماءِ.

  وعُلْتُها أَنا وأَعَلْتُها بمعْنَى يتعدَّى ولا يَتعدَّى، كما في الصِّحاحِ.

  ورَوَى⁣(⁣٦) الأَزْهَرِيُّ عن المُفَضلِ: أَنَّه أَتى في ابْنَتَيْن وأَبَوَيْن وامْرَأَة فقالَ: صارَ ثَمَنُها تُسْعاً»، قالَ أَبو عُبَيْد: أَرَادَ أَنَّ السِّهام، عالَتْ حتى صَارَ للمرْأَة التُّسْع، ولها في الأَصْل الثُّمْن، وذلِكَ أَنَّ الفَريضَةَ لو لم تَعُلْ كانت من أَرْبعةِ وعِشْرين، فلمَّا عالَتْ صارَتْ من سَبْعة وعشْرين، فللابْنَتَيْن الثُّلُثان سَتَّةَ عَشرِ سَهْماً، وللأَبَوَيْن السُّدُسان ثمانِيَة أَسْهُم، وللمرْأَةِ ثلاثةٌ وهذه ثلاثةٌ من سَبْعة وعِشْرين، وهو التُّسْع، وكان لها قَبْل العَوْل ثَلاثَة من أَرْبعة وعِشْرِين وهو الثُّمن، وهذه المسألة تُسَمَّى المِنْبَريَّة، لأَنَّ علِيّاً، رَضِيَ اللهُ تعالَى عنه، سُئِل عنها وهو على المِنْبرِ فقالَ من غير رَوِيَّة: صارَ ثُمُنها تُسْعاً لأنَّ مجموعَ سِهامِها واحِدٌ وثُمُنُ واحِدٍ، فأَصْلُها ثَمانيةٌ والسِّهامُ تسعةٌ، وقد مَرَّ ذِكْرُها في «ن ب ر».

  وعالَ فلانٌ عَوْلاً وعِيالَةً، ككِتَابَةٍ وعُوولاً، بالضمِ: كَثُرَ عِيالُهُ كأَعْوَلَ وأَعيَلَ على المُعاقبةِ، وبه فسِّرَ قَوْلُه تعالَى: {ذلِكَ أَدْنى أَلّا تَعُولُوا}، أَي أَدْنَى لِئَلّا يَكْثُر عِيَالكم، وهو قَوْلُ عبدِ الرَّحْمن بنِ زَبْدِ بنِ أَسْلم.

  قالَ الأزْهَرِيُّ: وإلى هذا القَوْل ذَهَبَ الشَّافِعِيّ، قالَ: والمَعْروفُ⁣(⁣٧): عالَ الرجُلُ يَعُول، إذا جَارَ، وأَعالَ يُعِيلُ إذا كَثُر عِيالُه.

  وقالَ الكِسائيُّ: عالَ الرجُلُ يَعُول إذا افْتَقَر، قالَ: ومِن العَرَبِ الفُصَحاء مَنْ يقول: عالَ يَعُولُ إذا كَثُر عِيالُه.

  قالَ الأَزْهَرِيُّ: وهذا يُؤَيِّد ما ذَهَبَ إليه الشافِعِيّ في تفْسِيرِ الآية لأَنَّ الكِسائيَّ لا يَحْكِي عن العَرَب إلَّا ما حَفِظه وضَبَطَه، قالَ: وقَوْل الشافِعِيّ نفْسه حُجَّة لأنَّه، رَضِيَ اللهُ تعالَى عنه، عربيُّ اللِّسانِ فَصِيحُ اللهْجةِ، قالَ: وقد اعْتَرَض عليه بعضُ المُتَحَذْلِقِين فَخَطَأَه، وقد عَجِل ولم يَتَثَبَّت فيمَا قالَ، ولا يجوزُ للحضَرِيِّ أَن يَعْجَل إلى إِنْكارِ ما لا يَعْرِفه من لُغاتِ العَرَبِ.

  وفي حدِيثِ القاسِمِ بنِ مخيمرَةَ: أَنَّه دَخَلَ بها وأَعْوَلَتْ أَي وَلَدت أَوْلاداً.

  قالَ ابنُ الأَثيرِ: الأَصْلُ فيه أَعْيَلَتْ أَي صارَتْ ذاتَ


(١) اللسان والصحاح والأساس.

(٢) النساء الآية ٣.

(٣) ديوان الهذليين ١/ ٦١ واللسان.

(٤) يوسف الآية ٨٣.

(٥) ديوانها ط بيروت ص ٣٠ وصدره:

يكلفه القوم ما عالهم

والمثبت كرواية اللسان والتهذيب، وصدره في الأساس.

(٦) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: وروى الأزهري عن المفضل أنه أتى الخ كذا في خطه وعبارة اللسان: وروى الأزهري عن المفضل أنه قال: عالت الفريضة أي ارتفعت وزادت، وفي حديث عليّ أنه أتى الخ اه» وهي عبارة التهذيب أيضاً.

(٧) في التهذيب: والمعروف في كلام العرب.