تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل العين المهملة

صفحة 237 - الجزء 2

  ويقَال: عَصَبَ الرجُلُ بيتَه أَي أَقَام في بَيْته لا يَبْرَحُه لَازماً لَه. والعَصْب: الإِطَافَةُ بالشَّيْءِ قال ابنُ أَحْمَرَ:

  يا قومِ ما قَوْمِي على نَأْيِهِمْ ... إِذْ عَصَبَ النَّاسَ شَمَالٌ وقُرّ⁣(⁣١)

  يَعْجَب مِن كَرَمِهم وَقَالَ: نِعْمَ القومُ [هم]⁣(⁣٢) في المَجَاعَة إِذْ عَصَبَ الناسَ شَمالٌ وقُرٌّ، أَي أَطَاف بِهِم وشَمِلَهم بَرْدُهَا.

  ويقال: عَصَبَ الغُبَارُ بالجَبَل وغَيْرِه: أَطَافَ، كذا في لِسَان الْعَرَب.

  وفي الأَسَاسِ: وعَصَبوا بِهِ⁣(⁣٣)، أَي أَحَاطُوا. وَوجَدْتُهم عَاصِبِين به. ومنه العَصَبَة.

  والعَصْبُ: إِسْكَانُ لَامِ مُفَاعلَتُنْ في عرُوضِ الوَافِر ورَدُّ الجُزْءِ بِذلِك إِلَى مَفَاعِيلُنْ وإِنَّمَا سُمِّي عَصْباً لأَنَّه عُصِب أَن يَتَحرَّك أَي قُبِضَ، وفِعْلُ الكُلِّ مما تَقَدَّم كضَرَب إِلا العَصْب بمعْنَى جَفَافِ الرِّيق، فإِنَّ مَاضِيَه رُوِي بالوَجْهَيْن الفتح والكَسْر، كما أَشَرْنَا إِلَيْه.

  والعِصَابَةُ بالكَسْر: ما عُصِب بِه، كالعِصابِ، بالكَسْر أَيْضاً، والعصب⁣(⁣٤) قالَه ابنُ مَنْظُور. وعَصَّبَهُ تَعْصِيباً: شَدَّه، واسمُ ما شُدَّ بِهِ العِصَابَةُ.

  وفي الأَسَاس، ويقال: شَدَّ راسه بعِصَابة، وغَيْره: بِعِصابٍ والعِصَابَةُ أَيضاً: التَّاجُ والعِمَامَةُ. والعَمَائِمُ يُقال لها العَصَائِب. قال الفَرَزْدَق:

  وركْبٍ كأَنَّ الريحَ تَطْلُبُ مِنْهُمُ ... لها سَلَباً من جَذْبِها⁣(⁣٥) بالعَصَائِبِ

  أَي تَنفُض لَيَّ عَمَائِمهم مِنْ شِدَّتها فكأَنَّها تَسْلُبهم إِيَّاها.

  ونقل شيخُنَا عن عِنَايَة الشِّهَاب في البَقَرَة: أَنَّ العِصَابَةَ ما يُسْتَرُ بِه الرأْسُ ويُدارُ عَلَيْه قَلِيلاً، فإِن زَادَ فعِمَامة. فَفَرَّقَ بين العِصَابَة والعِمَامَة، وظَاهِر المُصَنِّف أَنّها تُطْلَق على ما ذَكَره وعلى العِمَامة أَيْضاً، كأَنَّه مُشْتَرَك، وَهو الَّذِي صَرَّح به في النِّهَايَةِ، انْتَهَى. وفي لسان العرب: العِصْبَةُ: هَيْئة الاعْتِصَابِ، وكل ما عُصِبَ به كَسْرٌ أَو قَرْحٌ من خِرْقَةٍ أَو خَبِيبَةٍ⁣(⁣٦) فهو عِصَابٌ [له]⁣(⁣٧) وفي الحَدِيث «أَنَّه رَخَّص فِي المَسْحِ على العَصَائِبِ والنَّسَاخِينِ». وهي كُلُّ ما عَصَبْتَ بِهِ رأْسَك من عِمَامَة أَو مِنْدِيلٍ أَو خِرْقَةٍ، والذِي وَرَدَ في حَدِيث بَدْر قَال عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَة «ارْجِعُوا ولا تُقَاتِلُوا واعْصِبُوهَا بِرَأْسِي» قال ابنُ الأَثِير: يُرِيد السُّبَّة التي تَلْحَقُهُم بِتَرْكِ الحَرْب والجُنُوح إِلى السِّلْم، فأَضْمَرَها اعْتِمَادَاً على مَعْرِفَةِ المُخَاطَبِين، أَي اقْرُنُوا هَذه الحَالَ بِي وانْسُبُوها إِليَّ وإِن كانَتْ ذَمِيمَةً.

  والمَعْصُوبُ: الجَائِعُ جِدّاً وهو الَّذِي كادَتْ أَمعاؤُه تَيْبَسُ جُوعاً، وخَصَّ الجَوْهَرِيُّ هُذَيْلاً بهذه اللُّغَة. وقد عَصَبَ كَضَرَب يَعْصِب عُصُوباً، وقيل: سُمِّيَ مَعْصُوباً لأَنه عَصَب بطْنَه بحَجَرٍ من الجُوع. وفي حَدِيثِ المُغِيرَة: «فإِذا هو مَعْصُوبُ الصَّدْرِ» قيل: كَان مِنْ عَادَتِهِم إِذَا جَاعَ أَحدُهم أَن يَشُدَّ جوفَه بعِصَابة، ورُبّمَا جَعَلَ تَحْتَها حجَراً.

  والمَعْصُوبُ: السَّيْفُ اللَّطِيفُ وقال البَدْرُ القَرَافِيّ: هو من أَسْيَاف رَسُولِ الله ، فهو مُسْتَدْرَك لِأَنَّه لم يُذْكَر مع أَسْيَافِ رَسُولِ اللهِ في كُتُب السِّيَر، وقد بَسَط ذَلِك شيخُنَا في هَذِه المادة وفي «ر س ب».

  وتَعَصَّبَ أَي شَدَّ العِصَابَةَ. وتَعَصَّب: أَتَى بالعَصَبِيَّة، مُحَرَّكَة، وهو أَنْ يَدْعُوَ الرّجلُ إِلى نُصْرَةِ عَصَبَته والتَّأَلُّبِ مَعَهم على من يُنَاوِئهم ظَالِمين كَانُوا أَوْ مَظْلُومِين، وقد تَعَصَّبُوا عَلَيْهُم إِذا تَجَمَّعُوا، وفي الحَدِيثِ: «العَصَبِيُّ مَنْ يُعِين قومَه على الظُّلْم». وقيل: العَصَبِيُّ هُو الَّذِي يَغْضَب لعَصَبَته ويُحَامِي عَنْهم. والتَّعَصُّبُ: المُحَامَاةُ والمُدَافَعَة وتَعَصَّبْنَا له ومَعَه: نَصْرْنَاه.

  وتَعَصَّبَ: تَقَنَّعَ بالشَّيْءِ ورَضِيَ بِهِ، كاعْتَصَبَ بِهِ.

  ويقال: عَصَّبَهُ تَعْصِيباً إِذَا جَوَّعَه وعَصَّبَتْهُم السِّنونَ تَعْصِيباً: أَجاعَتْهُم، فهو مُعَصَّب، أَي أَكلت مالَه السِّنُونَ⁣(⁣٨) وعَصَّبَ الدهرُ مالَه: أَهْلَكُه.


(١) في المقاييس: جهام وقرّ.

(٢) زيادة عن اللسان.

(٣) في الأساس: عصب القوم بفلان.

(٤) في اللسان: والعصاب والعصابة.

(٥) في الأصل: «جدبها» وما أثبتناه عن اللسان.

(٦) عن اللسان وبالأصل «حبيبة».

(٧) زيادة عن اللسان.

(٨) يعني أنها ذهبت بماله فصار بمنزلة الجائع الذي يلجأ إلى التعصب بالخرق. عن المقاييس.