تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل العين المهملة

صفحة 248 - الجزء 2

  لا تَطْعَمُ المِسْكَ والكَافُورَ لِمَّتُه ... ولا الذَّرِيرَةَ إِلَّا عُقْبَةَ القَمَرِ

  هو لبَعْضِ بَنِي عَامر. يقول: يَفْعَلُ ذلِكَ في الحَوْلِ مَرَّةً، ورواية اللِّحْيَانِيّ عِقْبَة، بالكَسْر، وهذا مَوْضِع نَظَرٍ؛ لأَنَّ القَمَر يَقْطَع الفَلَك في كُلِّ شَهْر مَرَّة، وما أَعْلَم ما مَعْنَى قَوْله: يُقَارن القَمرَ في كُلِّ سنَةٍ مَرَّةً. وفي الصِّحَاح يقال: ما يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا عُقْبَةَ القَمَرِ، إِذَا كان يَفْعَلُه في كُلِّ شهرٍ مَرّة، انتهى.

  قال شيخُنا: قلتُ: لَعَلَّ مَعْنَاه أَنَّه وإِن كان في كُلِّ شَهْر يَقْطَعُ الفَلَك مَرَّة إِلا أَنّه يَمُرُّ بَعِيداً عن ذلك النَّجْم إِلّا في يوم مِن الحَوْل فيُجامِعُه، وهذا ليس بَعِيداً لِجَوَازِ اختلافِ مَمَرِّه في كُلِّ شهر لِمَمَرِّه في الشَّهْر الآخَرِ، كَمَا أَوْمَأَ إِليه المَقْدِسيُّ وَغَيْرُه، انتهى.

  والعَقَبَة بالتَّحْرِيك: مرقًى صَعْبٌ من الجبَالِ، أَو الجَبَلُ الطَّوِيلُ يعرِضُ للطَّرِيقِ فيأْخُذُ فِيهِ وهو طَوِيل صَعْبٌ شَدِيدٌ وإِن كَانَت خُرِمَت⁣(⁣١) بَعْدَ أَن تَسْنَد⁣(⁣٢) وتَطُولَ في السّماءِ في صُعُود وهُبُوط [أَطولُ من النَّقْبِ و]⁣(⁣٣) أَصْعَبُ مُرتَقًى، وقد يكون طُولُهما⁣(⁣٤) واحِداً. سَنَدُ النَّقْبِ فيه شيءٌ من اسلِنْقاءٍ، وسَنَدُ العَقَبة [مُسْتَوٍ]⁣(⁣٥) كهَيْئة الجِدَارِ.

  قال الأَزْهَرِيُّ: ج العَقَبَة عِقَابٌ وَعَقَبَاتٌ. قلت: وما أَلْطَفَ قَوْلَ الحافِظِ بْنِ حَجَرٍ حِينَ زَار بَيْتَ المَقْدِسِ:

  قَطَعْنَا في مَحَبَّتِه عِقَاباً ... وما بَعْدَ العِقَابِ سِوَى النَّعِيم

  ويَعْقُوب اسْمُه إِسْرَائِيل أَبو يُوسُفَ الصِّدِّيقِ @، لا يَنْصَرِف في المَعْرِفة للعُجْمَة والتَّعْرِيفِ؛ لأَنَّه غُيِّر عن جِهَتِه فوَقَع في كَلامِ العَرَب غيرَ مَعْرُوفِ المَذْهَب⁣(⁣٦)، كذا قالَه الجَوْهَرِيّ، وسُمِّي يَعْقُوبُ بهذا الاسم لأَنه وُلِدَ مع عِيصُو في بَطْنٍ وَاحِد، وُلِدَ عِيصُو قَبْلَه وَكَانَ يعقوبُ مُتَعَلِّقاً بعَقِبِهِ خَرجَا معاً، فعِيصو أَبُو الرُّوم.

  وفي لسان العرب: قال اللهُ تَعَالَى في قِصَّة إِبراهِيمِ #: {وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ}⁣(⁣٧) زعم أَبو زَيْد والأَخْفَشُ أَنه منصوبٌ وهو في مَوْضِع الخَفْضِ، عَطْفاً على قوله {فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ}. قال الأَزْهَرِيُّ: وهذا غيرُ جَائِز عند حُذَّاقِ النَحْوِيِّين من البَصْرِيّين والكُوفِيِّين. وأَما أَبو العَبَّاس أَحمد بْنُ يَحْيَى فإِنّه قال: نُصِب يَعْقُوبَ بإِضمَار فِعْل آخَرَ كأَنه قال: فبَشَّرنَاها بإِسحاقَ وَوَهَبْنا لها من وَرَاءِ إِسْحَاق يَعْقُوبَ، ويعقوبُ عنده في مَوْضِع النَّصب لا في مَوْضِع الخَفْض، بالفعل المُضْمَر، ومثله قَوْلُ الزَّجَّاج، وابْنُ الأَنْبارِيّ قال: وقَولُ الأَخفش وأَبِي زيْد عِنْدَهم خَطَأٌ.

  واليَعْقُوبُ باللام، قال شيخُنَا: هو مَصْروفٌ، لأَنّه عَرَبِيٌّ لم يُغَيَّر وإِن كان مَزِيداً في أَوَّلِه فلَيْس على وَزْنِ الفعْل وهو الذَّكَر من الحَجَل والقَطا، قال الشاعر:

  عَال يُقَصِّرُ دُونَه اليَعْقُوبُ

  والجَمْعُ اليَعاقِيبُ. قال ابن بَرِّيّ: هذا البيتُ ذكرَه الجَوْهَرِيّ على أَنَّه شَاهِدٌ على اليعْقُوب لذَكَرِ الحَجَل، والظاهِرُ في اليَعْقُوب هَذَا أَنَّه ذَكرُ العُقَابِ، مثل اليَرْخُوم ذَكَر الرَّخَم، واليَحْبُور ذَكَر الحُبَارَى؛ لأَن الحَجَل لا يُعرَفُ لها مثْلُ هَذَا العُلُوِّ في الطّيَرَانِ، ويَشْهَدُ بِصِحة هذَا القَوْلِ قولُ الفَرَزْدَق:

  يوماً تَركْن لإِبْرَاهِيم عافِيَةً ... من النُّسُور عَلَيْه واليَعَاقِيبِ

  فذَكَر اجتماعَ الطَّيْر على هَذَا القَتيل من النُّسُور واليَعَاقِيب، ومَعْلُومٌ أَن الحَجَل لا يَأْكُلُ القَتْلَى.

  وقال اللِّحْيَانِيُّ: اليَعْقُوبُ: ذَكَر القَبْجِ، قَالَ ابنُ سِيدَه: فلا أَدْرِي ما عَنَى بالقَبْجِ، أَلْحَجَلَ أَم القَطَا أَم الكِرْوَانَ⁣(⁣٨).

  والأَعرفُ أَنَّ القَبْجَ الحَجَلُ، وقيلَ اليَعَاقِيبُ [من]⁣(⁣٩) الخَيْل


(١) عن اللسان، وبالأصل «حرمت».

(٢) في التهذيب: تشتد.

(٣) زيادة عن اللسان.

(٤) عن اللسان، وبالأصل «طولها».

(٥) زيادة عن اللسان.

(٦) عن الصحاح، وبالأصل «المزيد» وأشار إليه بهامش المطبوعة المصرية.

(٧) سورة هود الآية ٧٣.

(٨) الكِروان جمع الكَرَوان على غير قياس.

(٩) زيادة عن اللسان.