تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الحاء المهملة مع الميم

صفحة 137 - الجزء 16

  والمُحَرَّمُ، كمُعَظَّمٍ، من الإِبِلِ مِثْلُ العُرْضِيِّ: وهو الذَّلُولُ الوَسَطُ⁣(⁣١)، الصَّعْبُ التَّصَرُّفِ حِينَ تَصَرُّفِه.

  وناقَةٌ مُحَرَّمَةٌ: لم تُرَضْ.

  وقالَ الأَزْهرِيُّ: سَمِعْتُ العَرَبَ تقولُ: ناقَةٌ مُحَرَّمَةُ الظَّهْرِ إذا كانت صعْبةً لم تُرَضْ ولم تُذَلِّلْ.

  وفي الصِّحاحِ: أَي لم تَتِمَّ رِياضتُها بَعْدُ.

  والمحَرَّمُ: الذي يَلينُ في اليَدِ من الأَنْفِ.

  ومِن المجازِ: المُحَرَّمُ الجَديدُ من السِّياطِ لم يُلَيَّنْ بَعْدُ، وفي الأَساسِ: لم يُمَرَّنْ، قالَ الأَعْشَى:

  تَرَى عينَها صَغْواءَ في جنبِ غَرْزِها ... تُراقِبُ كَفِّي والقَطيعَ المُحَرَّما⁣(⁣٢)

  أَرادَ بالقَطِيع سوطَهُ.

  قالَ الأَزْهَرِيُّ: وقد رأَيْت العَرَبَ يُسَوُّونَ سِياطَهم مِن جُلُودِ الإِبِلِ التي لم تُدْبَغْ، يأْخُذُونَ الشَّريحةَ العَريضَةَ فيَقْطعونَ منها سُيوراً عِراضاً ويدْفنونَها في الثَّرَى، فإذا نَدِيَتْ⁣(⁣٣) ولانَتْ جَعَلوا منها أَرْبع قَوًى، ثم فَتَلُوها، ثم علَّقُوها في شِعْبَي خَشَبةٍ يَرْكُزونَها في الأَرْضِ فتُقِلُّها مِن الأَرْضِ مَمْدودةً وقد أَثْقلُوها حتى تَيْبَس.

  والمُحَرَّمُ: الجِلْدُ الذي لم يُدْبَغْ، أَو لم تَتِمَّ دِباغَته، أَو دُبِغَ فلم يَتَمَرَّن ولم يبالغْ، وهو مجازٌ.

  والمُحَرَّمُ: شَهْرُ اللهِ رَجَب الأَصَبُّ.

  وقالَ الأَزْهَرِيُّ: كانتِ العَرَبُ تُسَمِّي شَهْرَ رَجَبَ الأصَمَّ، والمُحَرَّمَ في الجاهِليَّةِ، وأَنْشَدَ شَمِرٌ قَوْلَ حُمَيْد بنِ ثَوْرٍ:

  رَعِيْنَ المُرارَ الجَوْنَ من كل مِذْنَبٍ ... شهورَ جُمادَى كُلَّها والمُحَرَّما⁣(⁣٤)

  قالَ: وأَرادَ بالمُحَرَّمِ رَجَبَ، وقالَ: قالَهُ ابنُ الأعْرَابيِّ.

  وقالَ الآخَرُ:

  أَقَمْنا بها شَهْرَيْ ربيعٍ كِلاهما ... وشَهْرَيْ جُمادَى واسْتَحَلُّوا المُحَرَّما⁣(⁣٥)

  ج مَحارِمُ ومَحاريمُ ومُحَرَّماتٌ.

  والأَشْهُرُ الحُرُمُ أَرْبَعة، ثَلاثَةٌ سَرْدٌ أَي مُتَتابِعَةٌ، وواحِدٌ فَرْدٌ، فالسَّرْدُ: ذو القَعْدَةِ وذو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ، والفَرْدُ: رَجَبُ، ومنه قوْلُه تعالَى: {مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}⁣(⁣٦)، قوْلُه: منها، يُريدُ الكَثِيرَ، ثم قالَ: {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}⁣(⁣٦) لما كانتْ قَلِيلَة.

  والمُحَرَّمُ: شَهْرُ اللهِ سَمَّتْه العَرَبُ بهذا الاسْمِ لأَنَّهم كانوا لا يسْتَحلُّون فيه القِتالَ، وأُضِيفَ إلى الله تعالَى إعْظاماً له كما قيلَ للكَعْبةِ بيتُ الله، وقيلَ: سُمِّي بذلِكَ لأَنَّه مِن الأَشْهُرِ الحُرُمِ.

  قالَ ابنُ سِيْدَه: وهذا ليسَ بقَوِيٍّ.

  وفي الصِّحاحِ: مِن الشُّهورِ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ كانتِ العَرَبُ لا تَسْتحلّ فيها القِتالَ إلَّا حَيَّان: خَثْعَم وطَيِّيءٌ، فإنَّهما كانا يَسْتَحِلَّان الشُّهورَ، وكان الذين يَنْسؤُونَ الشُّهورَ أَيامَ المَوْسِم يقُولُونَ: حَرَّمْنا عليكُمُ القِتالَ في هذه الشُّهورِ إلَّا دِماء المُحِلِّينَ، فكانتِ العَرَبُ تَسْتحلُّ دِماءَهُم خاصَّةً في هذه الشُّهورِ.

  وقالَ النَّووِيُّ في شرْحِ مُسْلم: وقد اخْتَلَفوا في كَيْفيَّةِ عدّتِها على قَوْلَيْن حَكَاهُما الإمامُ أَبو جَعْفر النَّحَّاس في كتابِهِ صِنَاعَةَ الكِتاب قالَ: ذَهَبَ الكُوفيُّون إلى أَنَّه يقالُ: المُحَرَّمُ ورَجَبُ وذو القَعْدَةِ وذو الحِجَّةِ، قالَ: والكتَّابُ يَمِيلُونَ إلى هذا القَولِ ليَأْتُوا بهنَّ مِن سَنَة واحِدَةٍ. قالَ: وأَهْلُ المَدينَة يقولُونَ: ذو العَقدة وذو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ ورَجَبُ، وقومٌ ينْكِرُون هذا ويقولُونَ: جاؤُوا بهِنَّ مِن سَنَتَيْن.

  قالَ أَبو جَعْفرٍ: وهذا غَلَطٌ بيِّنٌ وجَهْلٌ باللغَةِ لأَنَّه قد عُلِم المُرادُ وأَنَّ المَقْصودَ ذِكْرُها وأَنَّها في كلِّ سَنَةٍ فكيفَ يتوهَّمُ


(١) اهمل ضبط الطاء في اللسان، وكتب مصححه: «ضبطت الطاء في القاموس بضمة، وفي نسختين من المحكم بكسرها ولعله أقرب للصواب».

(٢) ديوانه ط بيروت ص ١٨٧ برواية:

في جنب مؤقها ... تراقب في كفي القطيع المحرَّما

والعجز في الصحاح والمقاييس ٢/ ٤٥ باختلاف أيضاً.

(٣) الأصل واللسان، وفي التهذيب «اتدنت» بمعنى ابتلت، ولعله أقرب للصواب.

(٤) ديوانه ص ٩ واللسان والتهذيب.

(٥) اللسان والتهذيب، وفيهما «كليهما».

(٦) التوبة الآية ٣٦.