تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[حطم]:

صفحة 158 - الجزء 16

  ومِن المجازِ: الحَاطُومُ: الهاضُومُ، يقالُ: نعْمَ حَاطومُ الطَّعامِ البَّطيخُ، كما في الأَساسِ.

  وسِياقُ المصنِّفِ يَقْتَضِي أَنْ يكونَ كلُّ مِن الألْفاظِ الثلاثَةِ بمعْنَى الهاضُومِ وليسَ كَذلِكَ.

  والحَطُومُ، كصَبُورٍ وشَدَّادٍ ومِنْبَرٍ: الأسَدُ يَحْطِمُ كلَّ شيءٍ أَتَى عليه، أَي يَدُقَّه.

  والحُطَمَةُ، كهُمَزَةٍ: الكثيرُ من الإِبِلِ والغَنَمِ تَحْطِمُ الأَرْضَ بخِفافِها وأَظْلافِها، وتَحْطِمُ شجَرَها وبَقْلَها فتأْكُلُه.

  وفي الصِّحاحِ: ويقالُ للعَكَرَةِ مِن الإِبِلِ حُطَمَةٌ لأَنَّها تَحْطِمُ كلَّ شيءٍ.

  وقالَ الأَزْهَرِيُّ لحَطْمِها الكَلَأَ، وكَذلِكَ الغَنَم إذا كَثُرَتْ.

  والحُطَمَةُ: الشَّديدَةُ من النِّيرانِ تَجْعَل كلَّ شيءٍ يُلْقى فيها حُطاماً، أَي مُتَحَطِّماً مُتَكَسِّراً.

  وقوْلُه تعالَى: {كَلّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ}⁣(⁣١)، هو اسمٌ لجَهَنَّمَ، نَعُوذُ باللهِ منها، لأَنَّها تَحْطِمُ ما يُلْقى فيها، وهو مِن أَبْنِيةِ المُبالَغَة.

  وفي الحَدِيْث: «رأَيْت جَهَنَّم يَحْطِمُ بعضُها بعضا، أَو بابٌ لها، وكلُّ ذلِكَ مِن الحَطْمِ الذي هو الكَسْرُ والدَّقُّ.

  ومِن المجازِ: الحُطَمَةُ: الرَّاعي الظَّلومُ للماشِيَةِ، وفي الصِّحاحِ: قليلُ الرَّحْمة للماشِيَةِ يَهْشِمُ بعضَها ببعضٍ كالحُطَمِ، كصُرَدٍ، ومنه حَدِيْثُ عليٍّ، ¥: «كانتْ قُرَيْش إذا رأَتْهُ في الحَرْبِ قالَتْ: احْذَرُوا الحُطَمَ، احْذَرُوا القُطَمَ».

  وفي الأَساسِ: كأَنَّه يَحْطِمُ المالَ بعنْفِهِ في السُّوقِ.

  وقالَ الأَزْهرِيُّ: الحُطَمَةُ هو الرَّاعِي الذي لا يُمَكِّنُ رَعِيَّتَهُ مِن المراتِعِ الخَصِيْبَةِ ويقْبضُها ولا يَدَعُها تَنْتشِرُ في المَرْعى، وحُطَمٌ إذا كان عَنِيفاً كأَنَّه يَحْطِمُها أَي يَكْسرُها إذا سَاقَها أَو أَسامها يَعْنُفُ بها، وأَنْشَدَ الجوْهَرِيُّ للرَّاجزِ، قالَ ابنُ بَرِّي للحُطَمِ القَيْسيِّ، ويُرْوَى لأَبي زُغْبَةَ الخَزْرَجيّ يومَ أُحُدٍ، وفيها:

  أَنا أَبو زُغْبَةَ أَعْدو بالهَزَمْ ... لن تُمْنَعَ المَخْزاةُ إلَّا بالأَلَمْ

  يَحْمِي الذِّمار خَزْرَجِيُّ من جُشَمْ ... قد لَفَّها الليلُ بسَوَّاقٍ حُطَمْ⁣(⁣٢)

  أَي رجُلٌ شَديدُ السَّوقِ لها يَحْطِمُها لشِدَّةِ سَوْقِه، وهذا مَثَل، ولم يردْ إبِلاً يَسُوقُها وإنَّما يُريدُ أَنَّه داهِيَةٌ مُتَصرّف، قالَ: ويُرْوَى البَيْتُ لرُشَيْد بنِ رُمَيْضٍ العَنَزِيّ مِن أَبْياتٍ:

  باتوا نِياماً وابنُ هِنْدٍ لم يَنَمْ ... بات يُقاسِيها غُلام كالزَّلَمْ

  خَدَلَّجُ السَّاقَيْنِ خَفَّافُ القَدَمْ ... ليسَ براعي إبِلٍ ولا غَنَمْ

  ولا بِجَزَّار على ظهْر وَضَمْ⁣(⁣٣)

  قلْتُ: وأَوْرَدَه الحَجَّاجُ في خطْبَتِه مُتَمَثِّلاً.

  وفي مَجْمَعِ البَحْرَينِ للصَّاغانيّ قوْلُهم: «شَرُّ الرِّعاءِ الحُطَمَةُ»، حَديثٌ صحيحٌ، رَوَاهُ عائِذُ بنُ عَمْرو بنِ هِلالٍ المُزَنيُّ أَبو هُبَيرَةَ مِن صالِحِي الصَّحابَةِ، ¥، أَخْرَجَه مُسْلم في صَحِيحِه مِن طَريقِه.

  ووَهِمَ الجوهريُّ في قوْلِه: مَثَلٌ.

  ونَصّ الصَّاغانيّ: وقَوْلُ الجوْهرِيِّ في المَثَلِ سَهْو وإنَّما هو حَدِيثٌ.

  قالَ شيْخُنا: وهذا لا يُنافِي كَوْنَه مَثَلاً، وكم مِن الأَحادِيثِ الصَّحيحَةِ عُدَّت في الأَمْثالِ النَّبويَّةِ.

  وقد ذَكَرَه الزَّمَخْشرِيُّ في المُسْتَقْصَى وقالَ: يُضْرَبُ في سُوءِ المَمْلكَةِ والسِّياسَةِ. والميدانيُّ في مَجْمعِ الأمْثالِ وقالَ: يُضْرَبُ لمن يَلِي ما لا يُحْسِن وِلايَته.

  وحُطَمَةُ⁣(⁣٤) بنُ مُحارِبِ بنِ وديعَةَ بنِ لُكَيْزِ بنِ أَفْصى، أَبو بَطْنٍ مِن عبدِ القيسِ، كانَ يَعْمَلُ الدُّروعَ، والحُطَمِيَّاتُ منه، كذا في كفايَةِ المتحفظِ. أَو هي التي تَكْسِرُ السُّيوفَ، أَو الثَّقِيلَةُ العَرِيضَة، والأَوَّل أَشْبَه الأَقْوالِ، قالَهُ ابنُ الأَثيرِ.


(١) الهمزة الاية ٤.

(٢) اللسان والأخير في الصحاح والمقاييس ٢/ ٧٨ والتهذيب بدون عزو فيها.

(٣) اللسان وفيه «خفاق» بدل «خفاف».

(٤) ضبطت بالقلم في جمهرة ابن حزم ص ٢٩٧ بفتح الحاء والطاء.