[إن]:
  ما إنْ رَأَيْنا مَلِكاً أَغارا ... أكْثَرَ منه قِرَّةً وقَارا(١)
  قالَ ابنُ بَرِّي: إنْ هنا زائِدَةٌ وليسَتْ نَفْياً كما ذكرَ.
  وقولُ مَن قالَ: لا تَأْتي نافِيَةً إلَّا وبعدَها إلَّا أَو لمَّا ك إِنْ: كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ(٢)، مَرْدودٌ بقَوْلِه، ø: إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا(٣)، وقَوْله تعالى: قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ(٤).
  والثَّالِث: أَنَّها تكونُ مُخَفَّفَةً مِن(٥) الثَّقيلَةِ فتَدْخُلُ على الجُمْلَتَينِ، ففي الاسْمِيَّةِ تَعْمَلُ وتُهْمَلُ، وفي الفِعْليَّةِ يَجِبُ إهْمالُها، وقد تَقدَّمَ عن الليْثِ أَنَّ مَنْ خَفَّفَ يَرْفَع بها، وأَنَّ ناساً مِن الحِجازِ يُخَفِّفونَ وينْصِبُون على توهُّم الثَّقيلَة، ومِثَالُ الإِهْمالِ {إِنْ هذانِ لَساحِرانِ}، وهي قِراءَةُ عاصِمٍ والخَلِيلِ.
  وحَيْثُ وَجَدْتَ إنْ وبَعْدَها لامٌ مَفْتوحَةٌ فاحْكُم بأَنَّ أَصْلَها التَّشْديدُ؛ قالَ الجوْهرِيُّ: وقد تكونُ مُخَفَّفَةً من الشَّديدَةِ فهذه لا بُدَّ من أَنْ تدْخُلَ اللامُ في خَبَرِها عِوضاً عمَّا حُذِفَ مِن التَّشْديدِ كقَوْلِه تعالَى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ}؛ وإنْ زيدٌ لأَخوكَ، لئَلَّا تلتبس بإنْ التي بمعْنَى ما للنَّفي.
  قالَ ابنُ بَرِّي: اللامُ هنا دَخَلَتْ فَرْقاً بينَ النَّفي والإِيجَاب، وإنْ هذه لا يكونُ لها اسمٌ ولا خَبَرٌ، فقَوْلُه: دَخَلَت اللامُ في خبرِها لا معْنًى له، وقد تدخُلُ هذه اللامُ مع المَفْعولِ نحو: إنْ ضَرَبتِ لزَيداً، ومع الفاعِلِ نحو قوْلِكَ: إنْ قامَ لزيدٌ.
  والرَّابع: أَن تكونَ زائِدَةً مع ما كقَوْله:
  ما إنْ أَتَيْتُ بشَيْءٍ أَنْتَ تَكْرَهُهُ(٦)
  ومنه أَيْضاً قَوْلُ الأَغْلَب العِجْليّ الذي تقدَّمَ.
  وفي المحْكَم: إنْ بمعْنَى ما في النَّفْي وتُوصَلُ بها ما زائِدَة، قالَ زهيرٌ: ما إنْ يَكادُ يُخلِّيهمْ لِوِجْهَتِهمْ تَخالُجُ الأَمْرِ إنَّ الأَمْرَ مُشْتَرَكُ(٧) وقَدْ تكونُ بمعْنَى قَدْ، وهو الخامِسُ من اسْتِعْمالاتِها، قيلَ: ومنه قَوْلُه تعالَى: {فَذَكِّرْ إِنْ} نَفَعَتِ الذِّكْرى(٨)، أَي قد نَفَعَتْ، عن ابنِ الأَعْرابيِّ.
  وقالَ أَبو العبَّاسِ: العَرَبُ تقولُ: إن قامَ زيدٌ بمعْنَى قَدْ قامَ زيدٌ؛ قالَ: وقالَ الكِسائيُّ: وسَمِعْتُهم يقُولُونَه فظَنَنْتُه شَرْطاً، فسَأَلْتُهم فقالوا: زيدٌ قد قامَ نُريدُ، ولا نُريدُ ما قامَ زيدٌ.
  ورَوَى المُنْذريُّ عن ابنِ اليَزيدي عن أَبي زيْدٍ أَنَّه تَجِيءُ إنْ في موْضِع لقَدْ، مثْل قَوْله تعالى: {إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً}(٩)، المعْنَى لقَدْ كانَ مِن غيرِ شكِّ مِنَ القوْمِ، ومثْلُه: {وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ}(١٠)، {وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ}(١١)؛ وقَوْله تعالى: اتَّقُوا اللهَ {وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا} إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(١٢) ظاهِرُ سِياقِه أَنَّ إنْ هنا بمعْنَى قَدْ، والذي رَوَاه ابنُ اليزيدي عن أَبي زيْدٍ أَنَّه بمعْنَى إذ كُنْتُم، ومِثْلُ قَوْلُه تعالَى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ}(١٣)، وقَوْله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ(١٤)، أَي قَدْ شاءَ؛ وكذلِكَ قَوْلُه، أَي الشَّاعِر:
  أَتَغْضَبُ إنْ أُذْنا قُتَيبَةَ حُزَّتا(١٥)
(١) اللسان والصحاح.
(٢) الطارق، الآية ٤، وفي الآية: «إن».
(٣) يونس، الآية ٦٨.
(٤) الجن، الآية ٢٥.
(٥) في القاموس: «عن» والأصل كعبارة مغني اللبيب ص ٣٦.
(٦) من شواهد القاموس، وهو للنابغة الذبياني ديوانه ص ٣٦ وروايته:
ما قلت من سيء مما أتيت به ... إذاً فلا رفعت سوطي إليّ يدي
فعلى هذه الرواية فلا شاهد فيه.
(٧) ديوانه ط بيروت ص ٤٧ واللسان.
(٨) الأعلى، الآية ٩.
(٩) الإسراء، الآية ١٠٨.
(١٠) الإسراء، الآية ٧٣.
(١١) الإِسراء، الآية ٧٦.
(١٢) البقرة، الآية ٢٧٨ وفيها: «اتقوا» بدون واو.
(١٣) النساء، الآية ٥٩.
(١٤) الفتح، الآية ٢٧.
(١٥) من شواهد القاموس، والبيت بتمامه في مغني اللبيب ص ٣٩ وعجزه: