تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[أن]:

صفحة 35 - الجزء 18

  أَي قَدْ حُزَّتا؛ ويصحُّ أَنْ تكونَ بمعْنَى إذ وغَيْر ذلِكَ مِمَّا الفِعْلُ فيه مُحَقَّقٌ، أَو كُلُّ ذلك مُؤَوَّلٌ.

  * قُلْتُ: وقد تكونُ بمعْنَى إذا نحْو قَوْلِه تعالَى: {لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا}⁣(⁣١)؛ وكذلِكَ قَوْله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ}⁣(⁣٢).

  قالَ ابنُ بَرِّي: وقد تُزادُ إنْ بَعْدَ مَا الظَّرْفيَّة كقوْلِ المَعْلوطِ بنِ بَذْلٍ القُرَيْعيّ أَنشَدَه سِيْبَوَيْه:

  ورجَّ الفتى للخَيْر ما إنْ رأَيْتَه ... على السِّنِّ خيراً لا يَزالُ يَزِيدُ⁣(⁣٣)

  وقد تكونُ في جوابِ القَسَمِ تقولُ: واللهِ إن فَعَلْت، أَي ما فَعَلْت.

  [أَنْ]: أَنْ، المَفْتُوحَةُ الخَفْيفَةُ مِن نواصِبِ الفِعْلِ المستقبلِ مَبْني على السكونِ تكونُ اسْماً وحَرْفاً، والاسمُ نَوْعانِ: ضَميرُ مُتَكَلِّمٍ في قَوْلِ بَعْضِهم إذا مَضَى عليها ولم يقفْ أَنْ فَعَلْتُ ذلكَ بسكونِ النُّونِ والأكْثَرونَ مِن العَرَبِ على فَتْحِها وَصْلاً يقُولُون: أَنَ فَعَلْتُ ذلكَ، وأَجْوَدُ اللّغاتِ، الإِتْيان بالأَلِفِ وَقْفاً، ومنهم مَن يُثْبِتُ الأَلَفَ في الوَصْلِ أَيْضاً يقُولُ: أَنَا فَعَلْتُ ذلكَ، وهي لُغَةٌ رَدِيئَةٌ.

  وفي المُحْكَم: وأَنَ اسمُ المُتَكَلِّم فإذا وَقَفْت أَلْحَقْتَ أَلِفاً للسكوتِ، وقد تُحْذَف وإثْباتُها أَحْسَنُ.

  وفي الصِّحاحِ: وأَمَّا قَوْلُهم أَنَا فهو اسمٌ مكنِيٌّ، وهو اسمٌ للمُتَكلِّمِ وحْدَه، وإنَّما بُنِي على الفتْحِ فَرْقاً بَيْنه وبينَ أَن التي هي حَرْفٌ ناصِبٌ للفِعْلِ، والأَلِفُ الأخيرَةُ إنَّما هي لبَيانِ الحَرَكَةِ في الوَقْفِ، فإن وُسِّطت سَقَطَتْ إلَّا في لُغَةٍ رديئةٍ، كما قالَ حُمَيْد بنُ مجدلٍ:

  أَنَا سَيْفُ العَشِيرَةِ فاعْرِفوني ... جَميعاً قد تَذَرَّيْتُ السَّنامَا⁣(⁣٤)

  * قُلْتُ: ومنه أَيْضاً قَوْل العُدَيْل:

  أَنا عَدْلُ الطِّعانِ لمَنْ يعانى ... أَنا العَدْلُ المُبَيِّنُ فاعْرِفوني⁣(⁣٥)

  وقد ذَكَرَ المصنِّفُ، ¦، ثلاثَ لُغاتٍ، وفاتَهُ آأَن فَعَلْتَ، بمدِّ الأَلِفِ الأُولى، وهي لُغَةُ قُضاعَةَ، ومنه قَوْلُ عدِيِّ:

  يا لَيْتَ شِعْري آنَ ذُو عَجَّةٍ ... مَتى أَرَى شَرْباً حَوالَيْ أَصيصْ؟⁣(⁣٦)

  وأَنَهْ فَعَلْت، حكَى الخَمْسَة قُطْرب، ونَقَلَ عن ابنِ جنِّي، وفي الأَخيرَةِ ضَعْفٌ كما تَرَى. قالَ ابنُ جنِّي: يَجوزُ الهاء في أَنَّه بدلاً مِن الأَلفِ في أَنا لأَنَّ أَكْثَرَ الاسْتِعمالِ إنَّما هو أَنا بالأَلفِ، ويَجُوزُ أَنْ تكونَ الهاءُ أُلْحِقَتْ لبَيانِ الحَركَةِ كما أُلْحِقَتِ الأَلفُ، ولا تكونُ بدلاً منها بل قائِمَة بنَفْسِها كالتي في {كِتابِيَهْ} و {حِسابِيَهْ}.

  قالَ الأَزْهرِيُّ: وأَنا لا تَثْنِيَةَ له مِن لفْظِه إلَّا بنَحْن، ويصلحُ نحنُ في التَّثْنيةِ والجَمْعِ.

  والنوعُ الثاني: ضَميرُ مُخاطَبٍ في قَوْلِكَ أَنْتَ يُوصَلُ بأَنْ تاءُ الخطابِ فيَصِيران كالشَّيءِ الواحِدِ من غَيْر أَن تكونَ مُضافَةً إليه.

  وأَنْتِ للمُؤَنَّثةِ بكسْرِ التاءِ وتقولُ في التَّثْنِيةِ أَنْتُما، فإن قيلَ: لِمَ ثَنَّوا أَنْت فقالوا أَنْتُما، ولم يُثَنُّوا أَنا، فقيلَ: لمَّا لم يجزْ أَنا وأَنا لرَجلٍ آخَرَ لم يُثَنَّوا، وأَمَّا أَنْت فثَنَّوْه بأَنْتُما لأَنَّك تجيزُ أنْ تقولَ لرجلٍ أَنتَ وأَنْتَ لآخَرَ معه، وكذلِكَ الأُنْثى.

  وقالَ ابنُ سِيْدَه: ليسَ أَنْتُما تَثْنِيَة أَنْتَ إذ لو كانَ تَثْنِيَته لوَجَبَ أَنْ تقولَ في أَنْتَ أَنْتانِ، إنَّما هو اسمٌ مصوغٌ يَدُلُّ على التَّثْنِيَةِ كما صبغَ هذانِ وهاتانِ.


جماراً، ولم تغضب لقتل ابن خازم ونسبه محققه للفرزدق، وانظر تخريجه فيه.

(١) التوبة، الآية ٢٣.

(٢) الأحزاب، الآية ٥٠.

(٣) اللسان، ومغني اللبيب ولم ينسبه، وكتاب سيبويه ٢/ ٣٠٦.

(٤) اللسان بدون نسبة، ونسبه في الصحاح لحميد بن بحدل.

(٥) اللسان والتهذيب.

(٦) اللسان والتهذيب.