تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الهمزة مع النون

صفحة 37 - الجزء 18

  البَصائِرِ في مثالِ المُخَفَّفة من المُشدَّدَةِ عَلِمْتُ أَنْ زيداً لمُنْطَلِق، مُقْترِناً بلامٍ في الإعْمالِ، وعَلِمت أَنْ زيدٌ مُنْطَلِقٌ بِلا لامٍ في الإلْغاءِ.

  قالَ ابنُ جنِّي: وسأَلْتُ أَبا عليٍّ عن قَوْلِ الشاعِرِ:

  أَنْ تَقْرآنِ على أسمآءَ وَيحَكُما

  لِمَ رَفَعَ تَقْرآنِ؟ فقالَ: أَرادَ النّونَ الثَّقيلَةَ أَي أَنَّكما تَقْرآنِ.

  وتكونُ مُفْسِرةً بمعْنَى أي* نَحْو قَوْله تعالى: فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ⁣(⁣١)، أَي أَي⁣(⁣٢) اصْنَع؛ ومنه قَوْلُه تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا}⁣(⁣٣)؛ كما في الصِّحاحِ.

  قالَ بعضُهم: لا يَجوزُ الوَقْف عليها لأَنَّها تأتي ليُعَبَّر بها وبما بَعْدَها عن مَعْنَى الفعْلِ الذي قَبْل، فالكَلامُ شَديدُ الحاجَةِ إلى ما بَعْدَها ليُفَسّرَ به ما قَبْلَها فبحسبِ ذلكَ امْتَنَعَ الوُقوفُ عليها.

  وتكونُ زائِدَةً للتَّوكيدِ نَحْو قَوْلِه تعالَى: {وَلَمّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا}⁣(⁣٤)؛ وفي مَوْضِع {وَلَمّا جاءَتْ رُسُلُنا}⁣(⁣٥). ونَصُّ الجوْهرِيّ: وقد تكونُ صِلَةً للِمَّا كقَوْله تعالى: {فَلَمّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ}⁣(⁣٦)، وقد تكونُ زائِدَةً كقوْلِه تعالى: {وَما لَهُمْ أَلّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ}⁣(⁣٧) يُريدُ وما لَهُم لا يعذِّبُهُم اللهُ.

  قالَ ابنُ بَرِّي: هذا كلامٌ مكرَّرٌ لأنَّ الصِّلَةَ هي الزائِدَةُ، فلو كانتْ زائِدَةً في الآيةِ لم تَنْصِب الفعْلَ.

  وتكونُ شَرْطيَّةً كالمَكْسورَةِ.

  وتكونُ أَيْضاً للنَّفْيِ كالمَكْسورَةِ. وتكونُ بمعْنَى إذ قيلَ: ومنه قَوْلُه تعالى: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ⁣(⁣٨)، أَي إذ جاءَهُم؛ وكذلِكَ قَوْلُه تعالَى: {لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا}⁣(⁣٩)؛ مَن خَفَضَها جَعلَها في موْضِعٍ إذا، كما تقدَّمَ، ومَنْ فَتَحَها جعلَها في موْضِع إذ على الواجِبِ.

  ومنه قَوْلُه تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ}، مَنْ خَفَضَها جعلَها في موْضِعِ إذا، ومَنْ نَصَبَها ففي موضِعِ إذ.

  وتكونُ بمعْنَى لئَلّا، قيلَ: ومنه قَوْلُه تعالى: يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا⁣(⁣١٠)؛ هكذا ذَكَرَه بعضُ النُّحَّاةِ، والصَّوابُ أَنَّها هنا مَصْدرِيَّةٌ، والأَصْلُ كَراهَةَ أَنْ تَضِلُّوا.

  * قُلْتُ: وقد تكونُ مُضْمرةً فتَعْمَل وإن لم تكنْ في اللَّفْظِ كقَوْلِك: لأَلْزمنَّك أو تَقْضِيَ لي حقِّي، أَي إلى أَنْ.

  وقالَ الجوْهرِيُّ: وكذلِكَ إذا حَذَفْتها إنْ شِئْت نَصَبْتَ وإنْ شِئْتَ رَفَعْتَ؛ قالَ طَرفَةُ:

  أَلا أَيُّهَذا الزاجِرِي أَحْضُرَ الوغَى ... وأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هل أَنْتَ مُخْلدِي؟⁣(⁣١١)

  يُرْوَى بالنَّصْبِ على الإِعْمالِ، والرَّفْعُ أَجْودُ. قالَ اللهُ تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ}⁣(⁣١٢)، اه.

  وتكونُ أَنْ بمعْنَى أَجَلْ وبمعْنَى لعَلَّ.

  * وممَّا يُسْتدركُ عليه:

  الأَنَّةُ: الأَنِينُ.

  ورَجُلٌ أُنَنَةٌ فُنَنَةٌ، كهُمَزَةٍ فيهما، أَي بلِيغٌ.

  وأَنَّتِ القَوْسُ تَئِنُّ أَنِيناً: أَلانَتْ صوتَها ومَدَّته؛ عن أَبي حنيفَةَ، وأَنْشَدَ لرُؤْبَة:


(*) كذا بالاصل وبالقاموس: «بمنزلة أي».

(١) المؤمنون، الآية ٢٧.

(٢) كذا وردت مكررة، والأولى حذف واحدة.

(٣) ص، الآية ٦.

(٤) العنكبوت، الآية ٣٣.

(٥) هود، الآية ٧٧.

(٦) يوسف، الآية ٩٦.

(٧) الأنفال، الآية ٣٤.

(٨) ق، الآية ٢.

(٩) التوبة، الآية ٢٣.

(١٠) النساء، الآية ١٧٦.

(١١) من معلقته، ديوانه ص ٣٢، برواية: «ألا أيهذا اللائمي» ... واللسان.

(١٢) الزمر، الآية ٦٤.