[أن]:
  وتقولُ: أَنْتُمْ وأَنْتُنَّ جَمْع المُذَكَّر والمُؤَنَّث، الجُمْهورُ مِن أَئمَّةِ اللُّغَةِ والنَّحْو على أنَّ الضَّميرَ هو أَنْ، والتَّاءُ حَرْفُ خِطابٍ وُصِلَتْ به؛ كما تقدَّمَ.
  قالَ الجَوْهرِيُّ: وقد تدخُلُ عليه كافُ التَّشْبيه تقولُ: أَنْتَ كأَنا وأَنا كأَنْتَ؛ حُكِيَ ذلِكَ عن العَرَبِ، وكافُ التَّشْبيهِ لا تَتَّصِل بالمُضْمَرِ، وإنَّما تتَّصِل بالمُظْهَرِ، تقولُ: أَنْتَ كزَيدٍ، ولا تقولُ: أَنْتَ كِي، إلَّا أنَّ الضَّميرَ المُنْفصلَ عنْدَهُم كانَ بمنْزِلَةِ المُظْهَر، فلذلِكَ حَسُنَ وفارَقَ المُتَّصِل.
  وقرَأْتُ في كتابِ ليسَ لابنِ خَالَوَيْه قالَ: ليسَ في كلامِ العَرَبِ أَنْتَ كِي ولا أَنا كك إلَّا في تَبْيين(١) ضَمِيرَيْن مُنْفَصِلَيْن، فلذَلِكَ قالَ سِيْبَوَيْه: اسْتَغْنَتِ العَرَبُ بأَنْتَ مِثْلي وأَنا مِثْلُك عن أَنْ يقُولُوا: أَنْتَ كِي وأَنا كك، والبيتان:
  فلو لا الحَياءُ لكنَّا كهم ... ولو لا البَلاء لكانُوا كنا
  والبيت الآخر:
  إن تكن كي فإنّني كك فيها ... إنّنا في الملام مُصْطَحبان
  والحَرْفُ أَرْبَعَةُ أَنْواعٍ: يكونُ حَرْفاً مَصْدَرِيًّا ناصِباً للمُضارعِ، أَي يكونُ مع الفِعْلِ المُسْتقبلِ في معْنَى مَصْدَر فتَنْصِبه ويَقَعُ في مَوْضِعَيْنِ: فِي الابْتِداءِ فيكونُ في مَوْضِعِ رَفْعٍ نَحْو قَوْلِه تعالى: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ(٢)، أَي صِيامُكم، ويَقَعُ بَعْدَ لَفْظٍ دالٍّ على مَعْنًى غيرِ اليَقِينِ فيكونُ في مَوْضِعِ رَفْعٍ نَحْو: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ {لِذِكْرِ اللهِ}(٣).
  ويَقَعُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ نَحْو قوْلِهِ تعالى: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى(٤).
  ويكونُ في مَوْضِعِ خَفْضٍ نَحْو قَوْلِهِ تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ(٥).
  قالَ الجوْهرِيُّ: فإنْ دَخَلَتْ على فِعْلٍ ماضٍ كانتْ معه بمعْنَى مَصْدَر قد وَقَعَ إلَّا أنَّها لا تَعْمَلُ، تقولُ: أَعْجَبَني أنْ قُمْتَ، والمعْنَى: أَعْجَبَني قِيامُك الذي مَضَى، ا ه.
  فعُلِمَ مِن هذا أَنَّ أَنْ لا تَقَعُ إذا وصلت حالاً أَبداً إنَّما هي للمُضِيِّ أَو للاسْتِقْبالِ، فلا يقالُ: سَرَّني أَنْ تَقُومَ، وهو في حالِ قِيامٍ.
  وقد يُجْزَمُ بها كقَولِه:
  إذا ما غَدَوْنا قال وِلْدانُ أَهْلِنا ... تعالَوا إلى أَنْ يأْتِنا الصَّيْدُ نَحْطِب(٦)
  بوقد يُرْفَعُ الفِعْلُ بَعْدَها كقِراءَةِ ابنِ مُحَيْصِنٍ: لمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمُّ الرَّضاعَةَ(٧) برفْعِ الميمِ وهي من الشَّواذ.
  * قُلْتُ: ومنه قَوْلُ الشاعِرِ:
  أَنْ تَقْرآنِ على أَسماءَ وَيحَكُما ... مِنِّي السلامَ وأَنْ لا تُعْلِما أَحَدا(٨)
  وتكونُ مُخَفَّفَةً من الثَّقيلةِ فلا تَعْمَلُ، فتقُولُ: بَلَغَني أَنْ زيدٌ خارجٌ؛ قالَ اللهُ تعالَى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى}(٩)؛ وقالَ اللهُ تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها}(١٠).
  قالَ ابنُ بَرِّي: قَوْلُ الجوْهَرِيّ فلا تَعْمَل يُريدُ في اللَّفْظِ، وأَمَّا في التَّقْديرِ فهي عامِلَةٌ، واسْمُها مقدَّرٌ في النِّيَّةِ تَقْدِيرُه: أَنه تِلْكُم الجنَّة.
  * قُلْتُ: وقالَ المصنِّفُ، ¦، في
(١) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: إلا في تبيين لعله في بيتين، بدليل قوله: «والبيتان الخ وحرر قوله ضميرين منفصلين».
(٢) البقرة، الآية ١٨٤.
(٣) الحديد، الآية ١٦.
(٤) يونس، الآية ٣٧.
(٥) المنافقون، الآية ١٠.
(٦) من شواهد القاموس ومغني اللبيب، ونسبه محققه لامرئ القيس.
(٧) البقرة، الآية ٢٣٣.
(٨) اللسان ومغني اللبيب ص ٤٦.
(٩) المزمل، الآية ٢٠.
(١٠) الأعراف، الآية ٤٣.