تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[كنبن]:

صفحة 488 - الجزء 18

  وقيلَ: المِيمُ في المَكانِ أَصْلٌ كأَنَّه مِن التَّمَكُّنِ دُونَ الكَوْنِ، وهذا يُقَوِّيه ما ذَكَرْناه مِن تَكْسِيرِه على أَفْعِلةٍ.

  وقالَ اللّيْثُ: المَكانُ اشْتقاقُه مِن كانَ يكونُ، ولكنَّه لمَّا كَثُرَ في الكلامِ صارَتِ المِيمُ كأَنَّها أَصْليّةٌ.

  وذَكَرَ الجوْهرِيُّ في هذه التَّرْجمةِ مِثْلَ ذلكَ، قالَ: المَكانَةُ المَنْزِلَةُ، فلانٌ مَكِينٌ عنْدَ فلانٍ بَيِّنُ المَكانَةِ ولمَّا كَثُرَ لُزُوم المِيم تُوُهِّمَتْ أَصْليَّة فقالوا: تَمَكَّن كما قالوا في المِسْكِين تَمَسْكَنَ.

  قالَ ابنُ بَرِّي: مَكِينٌ فَعِيلٌ، ومَكانٌ فَعالٌ، ومَكانَةٌ فَعالَةٌ، ليسَ شيءٌ منها مِن الكَوْنِ فهذا سَهْوٌ، وأَمْكِنَةٌ أَفْعِلَةٌ، وأمَّا تَمَسْكَنَ فهو تفعل⁣(⁣١) كتَمَدْرَعَ مُشْتَقّ من المِدْرَعةِ بزِيادَتِه، فعلى قِياسِه يجبُ في تمكَّنَ تمَكْوَنَ لأنَّه تفعل⁣(⁣٢) على اشْتقِاقِه لا تمكَّنَ، وتمَكَّنَ وَزْنُه تَفَعَّلَ، وهذا كلُّه سَهْوٌ ومَوْضِعُه فَصْلُ المِيمِ مِنْ بابِ النونِ.

  ومَضَيْتُ مَكانَتِي ومَكِينَتِي: أي على طِيَّتِي، وهذا أَيْضاً صَوابُ ذِكْرِه في مكن كما سَيَأْتي.

  وكانَ: مِنَ الأفْعالِ التي تَرْفَعُ الاسمَ وتَنْصِبُ الخَبَر، كقوْلِكَ؛ كانَ زَيْدٌ قائِماً، ويكونُ عَمْرو ذاهِباً، كاكْتَانَ، والمَصْدَرُ الكَوْنُ والكِيانُ، ككِتابٍ، والكَيْنُونَةُ. ويقالُ: كُنَّاهُمْ، أَي كُنَّا لَهُم، عن سِيبَوَيْهِ مَثَّلَه بالفِعْلِ المُتَعدِّي.

  وقالَ أَيْضاً: إذا لم تَكُنْهم فمَنْ ذا يَكُونُهم، كما تقولُ إذا لم تَضْربْهم فمَنْ ذا يَضْرِبهم. قالَ. وتقولُ هو كائِنٌ ومَكُونٌ، كما تقولُ ضارِبٌ ومَضْروبٌ.

  وكُنْتُ الغَزْلَ كنوناً: غَزَلْتُه.

  والكُنْتِيُّ والكُنْتُنِيُّ، بزِيادَةِ النُّونِ نسْبَة إلى كُنْتُ. وزَعَمَ سِيبَوَيْه أَنَّ إخْراجَه على الأَصْلِ أَقْيَس فتقولُ الكُونِيُّ، على حَدِّ ما يُوجِبُ النَّسَبَ إلى الحِكايَةِ، وهو الكَبيرُ العُمُرِ؛ وقد جَمَعَ الشاعِرُ بَيْنهما في بيتٍ:

  وما كُنْتُ كُنْتِيّاً وما كُنْتُ عاجِناً ... وشَرُّ الرِّجالِ الكُنْتِنِيُّ وعاجِنُ⁣(⁣٣)

  قالَ الجوْهرِيُّ: يقالُ للرَّجُلِ إذا شاخَ: هو كُنْتِيٌّ، كأنَّه نُسِبَ إلى قَوْلِ كُنْتُ في شبَابي كذا؛ وأَنْشَدَ:

  فأَصْبَحْتُ كُنْيتا وأَصْبَحْتُ عاجِناً ... وشَرُّ خِصالِ المَرْءِ كُنْتُ وعاجِنُ⁣(⁣٤)

  وهكذا أَنْشَدَه الجُرْجاني في كتابِ الكِنايَاتِ.

  وقالَ ابنُ بُزُرْج: الكُنْتِيُّ القَوِيُّ الشَّديدُ؛ وأَنْشَدَ:

  قد كُنْتُ كُنْيتا⁣(⁣٥) فأصْبَحْتُ عاجِناً ... وشَرُّ خِصالِ الناسِ كُنْتُ وعاجِنُ

  وقالَ أبو زَيْدٍ: الكُنْتِيُّ الكَبيرُ؛ وأنْشَدَ:

  إذا ما كُنْتَ مُلْتَمِساً لغَوْثٍ ... فلا تَصْرُخْ بكُنْتِيِّ كبِيرِ

  فَلَيْسَ بمُدْرِكٍ شيئاً بِسَعْيٍ ... ولا سَمْعٍ ولا نَظَرٍ بَصِيرِ⁣(⁣٦)

  وفي الحديثِ: أَنَّه دَخَلَ المَسْجِدَ⁣(⁣٧) وعامَّةُ أَهْلِه الكُنْتِيُّونَ؛ هم الشُّيوخُ الذين يقُولونَ كُنَّا كذا، وكان كذا، وكُنْتُ كذا.

  ونَقَلَ ثَعْلَب عن ابنِ الأعْرابيِّ: قيلَ لصَبِيَّةٍ مِن العَرَبِ ما بَلَغَ الكِبَرُ من أَبِيكِ؟ قالتْ: قد عَجَنَ وخَبَزَ وثَنَّى وثَلَّثَ وأَلْصَقَ وأَوْرَصَ وكانَ وكَنَتَ.

  وتكونُ كانَ زَائِدَةً ولا تُزادُ أَوّلاً، وإنَّما تُزادُ حَشْواً، ولا يكونُ لها اسمٌ ولا خَبَرٌ ولا عَمَل لها، كقوْلِ الشاعِرِ:


(١) في اللسان: «تمفعل ... مشتقاً».

(٢) اللسان: تمفعل.

(٣) اللسان.

(٤) اللسان والصحاح وفيهما: فأصبحت كنتياً.

(٥) في اللسان: «كنتياً».

(٦) اللسان.

(٧) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: أنه دخل المسجد كذا في اللسان في موضع، وفي آخر: دخل عبد الله بن مسعود المسجد الخ».