فصل الكاف مع النون
  باللهُ قُولُوا بأَجْمَعِكُمْ ... يا لَيْتَ ما كانَ كان لم يَكُنْ(١)
  وكقوْلِهِ:
  سَراةُ بَني أَبي بَكْرٍ تَسامَوْا ... على كانَ المُسَوَّمةِ العِرابِ(٢)
  ورَوَى الكِسائي عن العَرَب: نَزَلَ فلانٌ على كانَ خَتَنِه، أَي على خَتَنِه؛ وأَنْشَدَ الفرَّاءُ:
  جادَتْ بكَفَّيْ كانَ من أَرْمى البَشَرْ
  أَي جادَتْ بكَفَّيْ مَنْ هو مِن أَرْمى البَشَرِ؛ قالَ: والعَرَبُ تُدْخِلُ كانَ في الكَلامِ لَغْواً فتقولُ: مُرَّ على كانَ زيدٍ، يُريدُونَ مُرَّ على زَيْدٍ.
  قالَ الجوْهرِيُّ: وقد تَقَعُ زائِدَةً للتَّوْكيدِ كقَوْلِكَ: زيْدٌ كانَ مُنْطَلقٌ، ومَعْناه: زَيْدٌ مُنْطلِقٌ؛ وأمَّا قوْلُ الفَرَزْدقِ:
  فكيفَ إذا مَرَرْتَ بدارِ قَوْمٍ ... وجيرانٍ لنا كانُوا كِرامِ؟(٣)
  فزَعَمَ سِيبَوَيْه أَنَّ كانَ هنا زائِدَةٌ.
  وقالَ أَبو العبَّاس: إنَّ تَقْديرَهُ: وجِيرانٍ كِرامٍ كانُوا لنا.
  قالَ ابنُ سِيدَه: وهذا أَسْوغُ لأنَّ كانَ قد عَمِلَتْ ههنا في مَوْضِعِ الضَّميرِ وفي مَوْضِع لنا، فلا معْنَى لمَا ذَهَبَ إليه سِيبَوَيْه مِن أَنَّها زائِدَةٌ هنا.
  وكانَ عليه كَوْناً وكِياناً، ككِتابٍ، واكْتَانَ: تَكَفَّل به.
  قالَ الكِسائي: اكْتَنْتُ به اكْتِناناً(٤) والاسمُ منه الكِيانَةُ، وكُنْتُ عليه أَكُونُ كَوْناً: تَكَفَّلْتُ به. وقيلَ: الكِيانَةُ المَصْدَرُ كما شرَّحَ به شُرَّاحُ التَّسْهيل. ويقالُ: كُنْتُ الكُوفَةَ: أَي كُنْتُ بها ومَنازِلُ أَقْفَرَتْ كأَنْ لم يَكُنْها أَحدٌ، أَي لم يَكُنْ بها أَحدٌ.
  وتقولُ: إذا سَمِعْتَ بخَبَرٍ فكُنْه، أَو بمكانِ خَيْرٍ فاسْكُنْه.
  وتقولُ: كُنْتُكَ وكُنْتُ إيَّاكَ كما تقولُ طَنَنْتُكَ زيْداً وظَنَنْتُ زَيْداً إيَّاك، تَضَعُ المُنْفَصِلَ في مَوْضِعِ المُتَّصِلِ في الكِنايَةِ عن الاسمِ والخبَرِ، لأنَّهما مُنْفَصِلان في الأَصْلِ، لأنَّهما مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ؛ قالَ أَبو الأَسْود الدُّؤلي:
  دعِ الخمْرَ تَشْريْها الغُواةُ فإنَّني ... رأَيْتُ أَخَاها مُجزِياً بمَكَانِها
  فإنْ لا يَكُنْها أَو تَكُنْه فإنَّه ... أَخُوها غَذَتْهُ أُمُّهُ بلِبانِها(٥)
  يعْنِي الزَّبيبَ.
  وتكونُ كانَ تامَّةً:
  بمَعْنَى ثَبَتَ وثُبوتُ كلِّ شيءٍ بحَسَبِه، فمنه الأَزَليَّة كقَوْلِهم: كانَ اللهُ ولا شيءَ معه.
  وبمَعْنَى حَدَثَ: كقَوْلِ الشاعِرِ:
  إذا كانَ الشِّتاءُ فأَدْفِئُوني ... فإنَّ الشَّيْخَ يُهْرِمُه الشِّتاءُ(٦)
  وقيلَ: كانَ هنا بمعْنَى جاءَ.
  وبمَعْنَى حَضَرَ: كقَوْلِهِ تعالَى: {وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ}(٧) وبمَعْنَى وَقَعَ: كقَوْلِهِ: ما شاءَ اللهُ كانَ وما لم يَشَأْ لم يَكُنْ: وحينَئِذٍ تأْتي باسمٍ واحِدٍ وهو خَبَرُ؛ ومنه قَوْلُهم: كانَ الأَمْرُ القصَّةُ، أَي وَقَعَ الأمْرُ ووَقَعَتِ القصَّةُ، وهذه تُسَمَّى التامَّة المُكْتَفِيَة.
  وقالَ الجوْهرِيُّ: كانَ إذا جَعَلْتَه عِبارَة عمَّا مَضَى مِن الزَّمانِ احْتاجَ إلى خَبَرٍ لأنَّه دَلَّ على الزَّمانِ فقط، تقولُ: كانَ زَيْدٌ عالماً؛ وإذا جَعَلْتَه عِبارَةً عن حُدُوثِ الشيءِ
(١) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: بالله الخ هكذا في النسخ كاللسان والشطر الأول غير مستقيم الوزن، ولعله: قولوا لنا بأجمعكم أو نحو ذلك فحرره» والشطر الثاني في اللسان:
يا ليت ما كان لم يكنِ
(٢) اللسان بدون نسبة.
(٣) اللسان بدون نسبة.
(٤) في اللسان: اكتياناً.
(٥) اللسان والصحاح، ويروى: وإلا يكنها أو تكنه.
(٦) صدره من شواهد القاموس. واللسان والتهذيب ونسب بحاشيته للربيع بن ضبع الفزاري. وانظر تخريجه فيه.
(٧) البقرة، الآية ٢٨٠.